02-نوفمبر-2023
عقيدة الضاحية وتدمير قطاع غزة

عقيدة الضاحية هي واحدة من قصول الانتقام الإسرائيلي (Getty)

"أنا أسمي ذلك نهج الضاحية. إن ما حدث في الضاحية الجنوبية في بيروت، خلال حرب لبنان الثانية في سنة 2006، هو ما سيحدث في أي قرية يتم منها إطلاق النار على إسرائيل. سنفعل ضدها قوة غير متكافئة، وسنتسبب بضرر ودمار بالغين. إن الحديث، من ناحيتنا، يدور على قواعد عسكرية، لا على قرى مدينة. هذه ليست توصية. إنها خطة، وقد تم إقرارها". بهذه الكلمات كشف رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق، غادي أيزنكوت، والذي كان قائدًا للمنطقة الشمالية خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، عن تبني جيش الاحتلال نهج "عقيدة الضاحية".

وكشف وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، أنه تم إسقاط أكثر من 10 آلاف قنبلة على غزة، وهو ما يفوق بأضعاف كافة حملات القصف الجوية.

وفي بداية العدوان على قطاع غزة،  قال المتحدث باسم جيش الاحتلال، إن الجيش يركز "على أحداث الضرر، وليس على الدقة"، مع حملة القصف العنيفة على قطاع غزة.

الفكرة الأساسية وراء عقيدة الضاحية، التي يطبقها الجيش الإسرائيلي، تحقيق أكبر قدر من الدمار في البنية التحتية

ما هي عقيدة/ استراتيجية الضاحية؟

كان عضو كابنيت الحرب الإسرائيلي حاليًا، غادي آيزنكوت، قائد المنطقة الشمالية في عام 2006، وفي فترة لاحقة صار رئيسًا لأركان جيش الاحتلال، و"تفاخر" عدة مرات في صياغة عقيدة الضاحية، وهي المنهج الذي يقوم على "استخدام القوة غير المتناسبة، بما في ذلك استهداف المناطق المدنية". ويشير الاسم الضاحية الجنوبية لبيروت، التي قصفها الاحتلال بكثافة خلال العدوان على لبنان 2006، كهدف انتقامي، ومن أجل تحميل السكان مسؤولية وجود بنى المقاومة بينهم.

وتوسع العقيد غابرييل سيبوني في هذا المصطلح في تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي، بالقول: "يجب إن تستهدف الهجمات القدرات العسكرية لحزب الله ويجب أن تستهدف المصالح الاقتصادية ومراكز القوة المدنية التي تدعم المنظمة".

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، نشر جيورا آيلاند، مقال رأي على موقع " معهد دراسات الأمن القومي"، والذي تناول أيضًا مبادئ العقيدة، وقال فيه "فشلت إسرائيل في حرب لبنان الثانية (وقد تفشل أيضاً في الحرب الثالثة) لأنها قاتلت ضد العدو الخطأ، وهو حزب الله، بدلًا من القتال ضد لبنان"، مشيرًا إلى أن الهدف تحقيق المعاناة للسكان في لبنان.

واعتبر أيزنكوت "استهداف راجمات الصواريخ محض هراء. فعندما تكون هناك آلاف الصواريخ على الجانب الآخر، ليس لديك أي إمكانية لمطاردتها. يجب على إسرائيل أن تركز على الردع"، وفق قوله.

استراتيجية الدمار في قطاع غزة

وصف تقرير غولدستون، القصف العنيف، الذي تعرض له قطاع غزة في عدوان 2008-2009، ومبدأ الضاحية، باعتبارها مصممًا "لمعاقبة وإذلال وإرهاب السكان".

وخلال العدوان على غزة عام 2008، قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن سلاح الجو في جيش الاحتلال استنفد ما وصفه بـ"بنك أهداف حماس" في الأيام القليلة الأولى من العدوان، لكنها استمرت في حملة القصف.

كان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2014، واحدًا من أبرز اللحظات التي تطبق فيها الاحتلال عقيدة الضاحية، إذ أطلق الجيش الإسرائيلي حوالي تسعة وأربعين ألف قذيفة مدفعية باتجاه قطاع غزة. 

وعلى مدار 51 يومًا، قصف الاحتلال قطاع غزة بأكثر من ستة آلاف هجمة جوية. واستخدموا معًا ما يقدر واحد وعشرين ألف طن، من المتفجرات شديدة الانفجار.

كان حي الشجاعية، أبرز الأحياء التي قصفت بكثافة طوال حرب 2014، وفي يوم واحد وبعد كمين قاتل لجنود جيش الاحتلال، قصف الحي بسبعة آلاف قذيفة خلال فترة سبع ساعات. ووصف مسؤول كبير في البنتاغون هذا القدر من القوة النارية بأنه "هائل" و"قاتل"، وأشار إلى أن هذا الكم "الضخم" من القوة النارية توازي تلك التي يستخدمها الجيش الأمريكي عادة لدعم فرقتين كاملتين تتألفان من أربعين ألف جندي. وقدر آخر، وهو قائد مدفعية أمريكي سابق، أن الجيش الأمريكي لن يستخدم هذا العدد من الأسلحة إلا لدعم فيلق جيش مكون من عدة فرق. ووصف لواء أمريكي متقاعد، جنون القصف بأنه "غير متناسب على الإطلاق".

واستهدفت "إسرائيل"، محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة، وعملت بشكلٍ منهجي على تدمير البنية التحتية في القطاع، من أجل جعله "المكان غير القابل للعيش" بعد نهاية العدوان.

وكتب المقرر السابق لحقوق الإنسان في فلسطين ريتشارد فولك، أنه بموجب مبدأ الضاحية، "يتم التعامل مع البنية التحتية المدنية لخصوم مثل حماس أو حزب الله كأهداف عسكرية مسموح بها، وهو ما لا يشكل انتهاكًا صريحًا لأبسط قواعد قانون الحرب فحسب، بل إنه انتهاك صريح للأخلاق العالمية"، والإعلان عن عقيدة العنف التي يجب أن تسمى باسمها الصحيح: إرهاب الدولة".

وقال الباحث ستيفن بينافيدس: "لقد تم تصميم عقيدة الضاحية لتطوير الردع، وهو هدف سياسي. إن العنف العشوائي المستخدم لتحقيق أهداف سياسية يعني الإرهاب"، وأضاف: "يُفهم إرهاب الدولة أو إرهاب المؤسسة  أو الإرهاب من الأعلى، بشكل عام على أنه يعني الاستخدام المنهجي والمتعمد للعنف ضد أهداف عسكرية أو مدنية بهدف خلق مناخ من الخوف لدى السكان من أجل تحقيق هدف سياسي محدد".

والأدلة واضحة، على أن المعنى البسيط لمبدأ أو استراتيجية أو عقيدة الضاحية هو "النية لإحداث الكثير من الضرر الذي يتطلب سنوات من إعادة البناء. واستهدفت إسرائيل مجموعة واسعة من البنية التحتية، بما في ذلك محطات تحلية المياه وشبكات الكهرباء والمستشفيات والمدارس والجامعات، فضلًا عن كل مبنى تم تحديده أو يُزعم أنه يخضع لسيطرة حكومة حماس. ومع اقتراب نهاية الحرب 2014، قامت إسرائيل بقصف وتسوية العديد من المباني السكنية الشاهقة ومراكز التسوق القليلة في غزة بالأرض".

ولا يمكن فهم هذا الكم من الدمار، إلّا في سياق العنف الانتقامي الإسرائيلي من قطاع غزة، من أجل تدفيع أهالي قطاع غزة ثمن مقاومة الاحتلال، ومحاولة ردع أي تفكير جديد في رفض الاحتلال.