يواصل الاحتلال الإسرائيلي، المطالبة بالسيطرة على ممر نتساريم، ومحور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، مما يهدد بانهيار مفاوضات وقف حرب غزة، نتيجة مطلب نتنياهو.
وقال مسؤولون قريبون من المفاوضات، إن إسرائيل تريد وجود قوة عسكرية على محور فيلادلفيا، وفي منطقة خصصتها لقطع شمال غزة عن الجنوب والمعروفة باسم "ممر نتساريم".
وفي وقت سابق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن "السيطرة على منطقة الحدود المصرية ضرورية لمنع حماس من تجديد ترسانتها من خلال أنفاق التهريب، وإن إسرائيل بحاجة إلى آلية لمنع المسلحين من العودة إلى الشمال"، وفق زعمه.
دمر الاحتلال مئات المنازل في كافة أنحاء قطاع غزة، خلال عملية التأسيس لوجود ممر نتساريم
ما هو ممر نتساريم؟
ممر نتساريم هو طريق، أسسه الاحتلال الإسرائيلي، يقسم قطاع غزة إلى نصفين، ويمتد من الحدود الشرقية لقطاع غزة إلى البحر الأبيض المتوسط.
وورد ذكر الممر لأول مرة في خطة إسرائيلية في أوائل سبعينيات القرن العشرين أطلق عليها "خطة الأصابع الخمسة" والتي كانت تهدف إلى تشريح القطاع للسماح بالسيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة.
ويبلغ طول الممر الفعلي الذي يمر عبر الجزء الجنوبي من مدينة غزة نحو سبعة كيلومترات (أربعة أميال)، ولم ينشأ إلا في أثناء الحرب الحالية. وفي وقت سابق من هذا العام، قال وزير إسرائيلي لشبكة "سي إن إن"، إن ممر نتساريم من شأنه أن يجعل من الممكن الوصول من كيبوتس بئيري إلى شاطئ غزة، في سبع دقائق فقط.
ونتساريم هو اسم المستوطنة الإسرائيلية التي كانت تقع حيث يقع الممر الآن، مما يعطي مشروع الطريق الجديد أجواء إعادة الاحتلال.
ويُحظر على الفلسطينيين استخدام هذا الممر، الذي يحتوي على قواعد إسرائيلية للقوات التي تتحكم في حركة الفلسطينيين بين الشمال والجنوب. كما تعمل هذه القواعد كنقطة انطلاق للعمليات الإسرائيلية.
وفي بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، أمر الجيش الإسرائيلي سكان شمال غزة بالإخلاء إلى الجنوب باستخدام الطرق الرئيسية التي تعبر ممر نتساريم.
ويعتقد أن الممر يشكل عنصرًا رئيسيًا في خطة طويلة الأجل وضعتها إسرائيل لتقسيم غزة إلى قسمين ومراقبة منطقة عازلة مستقبلية بين غزة ودولة الاحتلال، والتي "صممت لمنع الهجمات على غرار ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر"، وفق صحيفة "هآرتس".
وقالت مصادر في الجيش الإسرائيلي لصحيفة هآرتس إن ممر نتساريم سيسمح لإسرائيل بمراقبة والتحكم في حركة الفلسطينيين بين الشمال والجنوب. وتزعم الحكومة الإسرائيلية أن مثل "هذه السيطرة ضرورية لضمان عدم عودة الأسلحة إلى شمال غزة بمجرد السماح للمدنيين بالعودة".
وفي مطلع الشهر الماضي، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسبوع الماضي، توسيع نطاق سيطرتها على محور نيتساريم، الذي يفصل قطاع غزة إلى جزأين، وذلك من عرض كيلومترين إلى 4 كيلومترات، تحضيرًا للمرحلة الثالثة من الحرب"، بحسب ما أورده موقع واللا الإسرائيلي.
وشرع جيش الاحتلال بتفجير مبان محاذية للمحور شمالًا وجنوبًا، لضمان سلامة الجنود الإسرائيليين المتواجدين في محور نيتساريم الذي يخطط جيش الاحتلال للبقاء فيه، واستخدامه منطلقًا للعمليات العسكرية في المرحلة الثالثة.
ما أبرز النقاط الخلافية التي قد تعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن صفقة التبادل، وهل يعتزم نتنياهو اعتماد "خدعة جديدة" في ملف محور نتساريم؟ @AhDarawsha pic.twitter.com/BVR8zJbmK0
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 18, 2024
وفي شهر أيار/مايو الماضي، كشفت صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية، عن قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتحصين وبناء قواعد والاستيلاء على المباني وتدمير المنازل بشكلٍ متواصل، في المنطقة التي توصف بـ"ممر نتساريم". وتشير إلى أن هذه الخطوة، ضمن سعي إسرائيل لـ"إعادة تشكيل القطاع وترسيخ الوجود العسكري الإسرائيلي فيه".
ورغم أن الانسحاب من المنطقة التي باتت معروفة باسم حاجز نتساريم في غزة، أحد مطالب الفصائل الفلسطينية في المفاوضات، فإن الجيش الإسرائيلي استمر في حفر وتحصين الموقع، وتم إنشاء ثلاث قواعد عمليات أمامية في الممر منذ شهر آذار/مارس، حسبما تظهر صور الأقمار الصناعية التي فحصتها صحيفة "واشنطن بوست"، وهي توفر أدلة حول خطط إسرائيل. وفي البحر، يلتقي الطريق بنقطة تفريغ جديدة تبلغ مساحتها 29 دونمًا للرصيف العائم الأميركي، الذي فكك سريعًا.
ويوضح التقرير: "تصر إسرائيل على أنها لا تنوي إعادة احتلال غزة بشكل دائم. لكن بناء الطرق والمواقع الأمامية والمناطق العازلة في الأشهر الأخيرة يشير إلى دور متزايد للجيش الإسرائيلي كرؤى بديلة لغزة ما بعد الحرب". وبحسب التقرير، فإن الممر يتيح حركة واسعة لجيش الاحتلال في قطاع غزة، والسيطرة على تدفق المساعدات وحركة أهالي القطاع.
ودمر ما لا يقل عن 750 مبنى في جهد منهجي لإنشاء "منطقة عازلة" تمتد لمسافة أقل من 500 متر بقليل على الأقل على جانبي الطريق، وفقًا لتحليل أجراه عدي بن نون من الجامعة العبرية، كما تم تدمير 250 مبنى آخر في منطقة الرصيف الأميركي.
ويقول خبراء عسكريون إن هذه الخطوة جزء من عملية إعادة تشكيل واسعة النطاق وطويلة المدى لجغرافية غزة، تذكر بالخطط الإسرائيلية السابقة لتقسيم غزة إلى كانتونات يسهل السيطرة عليها.
وقال أمير أفيفي، العميد الاحتياطي والنائب السابق للقائد السابق لفرقة غزة في جيش الاحتلال الإسرائيلي: "ما نحتاجه هو حرية العمل الكاملة للقوات الإسرائيلية في كل مكان في غزة".
بدوره، قال المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال جوناثان كونريكوس: "ليس من المفاجئ أن تعود إسرائيل، وتؤسس هذا كممر جديد. التضاريس هي الأكثر ملاءمة هناك، وهي تناسب الأغراض العسكرية".
وبحلول 6 تشرين الثاني/نوفمبر، كان جيش الاحتلال قد قطع طريقًا متعرجًا غير رسمي إلى البحر يسمح للمركبات المدرعة بالوصول إلى طريق الرشيد، وهو طريق رئيسي يمتد بين الشمال والجنوب ويمتد على طول ساحل غزة. وفي شباط/فبراير وآذار/مارس، أضفت القوات الإسرائيلية الطابع الرسمي على الممر من خلال بناء طريق مستقيم على بعد بضع مئات من الأمتار إلى الجنوب. وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن الجزء الأخير من الطريق، الأقرب إلى الساحل، اكتمل في الفترة ما بين 5 و9 آذار/مارس.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن الطريق يتيح للمركبات العسكرية المرور من أحد جانبي القطاع إلى الجانب الآخر في سبع دقائق فقط.
ويقسم الممر الطريقين الرئيسيين الوحيدين في غزة، أي طريق صلاح الدين، في وسط القطاع، وطريق الرشيد على طول الساحل. وبدأ الجيش الإسرائيلي ببناء قواعد عمليات أمامية في كلتا النقطتين في أوائل شهر آذار/مارس.
ووفق التقرير: "تقدم القواعد إشارات على أن الجيش الإسرائيلي يمكن أن يستعد في مرحلة ما لعودة منظمة للمدنيين إلى الشمال. وبجانب القاعدتين، على الطرق المؤدية إلى الشمال، توجد هياكل تبدو وكأنها ممرات طويلة متوازية تؤدي إلى مجمع مركزي"، حسبما قال شون أوكونور، كبير محللي صور الأقمار الصناعية في شركة جينز الأمنية.
وقال ويليام جودهيند، الباحث مفتوح المصدر في Contested Ground، وهو مشروع بحثي يتتبع التحركات العسكرية في صور الأقمار الصناعية، إن موقع شارع الرشيد يضم أيضًا نقاط مراقبة ونقطة حراسة محتملة. وبحسب صورة نشرت على "إكس"، كُتب على حاجز خرساني "مرحبًا بكم في قاعدة نتساريم". وقالت امرأة غزية تعيش جنوب القاعدة مباشرة: "إنه المكان الوحيد المضاء في غزة".
ويرتبط ممر نتساريم أيضًا بـ "البوابة 96"، وهي نقطة وصول جديدة على الحدود مع وسط غزة فُتِحَت لشاحنات المساعدات، وفقًا للمسؤول العسكري.
موقع واللا: الجيش الإسرائيلي بدأ خلال الفترة الماضية توسيع محور نتساريم الذي يفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه@AhDarawsha pic.twitter.com/q9eQs3sBUI
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 2, 2024
وقال محمد أبو مغيصيب، نائب المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود، عن شاحنات المساعدات التي تحاول اجتياز ممر نتساريم: "أنت تنتظر لمدة ثلاث إلى أربع ساعات، ويمكن إعادتك، ويمكن القبض عليك".
وقالت المصادر إن القواعد تضم الآن مناطق للنوم وأماكن للاستحمام ومقصفًا متنقلًا وملاجئ ذات غطاء صلب.
كما استولى جيش الاحتلال على المباني المدنية القريبة، وحولها إلى مواقع عسكرية. إحداها مدرسة سابقة في قرية جحر الديك. وظهرت السواتر الرملية في الموقع في الفترة ما بين 15 و30 آذار/مارس وفقًا لصور الأقمار الصناعية، فيما تم تدمير بقية القرية.
كما يستخدم جيش الاحتلال مستشفى الصداقة التركية الفلسطينية، الذي كان متخصصًا في علاج مرضى السرطان، كقاعدة للعمليات. وأُغلق المستشفى في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بسبب الغارات الجوية القريبة ونقص الوقود، وترك الآلاف من مرضى السرطان دون رعاية. وظهرت حواجز رملية حول المستشفى في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر.
وبحلول شهر آذار/مارس، كانت القوات الإسرائيلية قد جرفت مئات الدونمات المحيطة بالمستشفى، حيث هدمت الدفيئات الزراعية وفجرت جامعة الإسراء وقصر العدل، الذي يضم المحاكم العليا في غزة.
في المجمل، تشمل المنطقة التي دُمِّرَت حول الممر والرصيف ما لا يقل عن 6.4 كيلو متر مربع، وفقًا لتحليل بن نون من الجامعة العبرية، على الرغم من أن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمباني والأراضي الزراعية تمتد إلى أبعد من ذلك. وقال: "كل شيء يُهْدَم على طول الطريق".
وفي وقت سابق، قالت إيميلي هاردينج، مديرة برنامج الاستخبارات والأمن القومي والتكنولوجيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة، لشبكة "سي إن إن"، إن ممر نتساريم هو محاولة "للسيطرة على حركة السكان".
ويتذكر كثير من الناس في غزة كيف كانت الضوابط المفروضة على الحركة قبل انسحاب إسرائيل من القطاع، وتحديدًا مفترق نتساريم والحواجز المنتشرة على الطريق من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، مثل حاجز أبو هولي وحاجز المطاحن.
نتساريم وفيلادلفيا يتصدران المشهد.. وفود التفاوض تتجه إلى #القاهرة مجددًا لخوض محادثات بشأن وقف الحرب في #غزة pic.twitter.com/QlVHxbTipp
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 23, 2024
وفي آذار/مارس، قال وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي لشبكة "سي إن إن"، إن الطريق الجديد "سيسهل على الجيش الإسرائيلي شن غارات شمال مدينة غزة وجنوبها، إلى المنطقة الوسطى من قطاع غزة".
وأشار إلى أن الطريق الذي سيستخدم لمدة عام على الأقل، سيتكون من ثلاثة مسارات: مسار للدبابات الثقيلة والمركبات المدرعة، وآخر للمركبات الخفيفة، وثالث للحركة السريعة. وأضاف أنه سيكون من الممكن القيادة على ممر نتساريم من بئيري، وهي كيبوتس إسرائيلي بالقرب من حدود غزة، إلى البحر الأبيض المتوسط في سبع دقائق.
ولا يشارك شيكلي في السياسة العسكرية الإسرائيلية. ولكن في كانون الثاني/يناير، اقترح شيكلي، إلى جانب أعضاء آخرين في الكنيست الإسرائيلي، خطة لـ"هزيمة حماس تضمنت خطوات للسيطرة على أجزاء استراتيجية من القطاع". وفي الخطة، قالوا إن ممر نتساريم سوف يُستخدم "لتمكين معالجة البنية التحتية تحت الأرض لحماس وجيوب المقاومة في شمال قطاع غزة".
وجاء في الاقتراح "لا يجوز السماح لسكان قطاع غزة بالعودة إلى الشمال على الأقل، حتى يتم هدم كل البنية التحتية تحت الأرض وتسريح المنطقة بالكامل". كما تضمن الاقتراح ممرًا ثانيًا إلى الجنوب أطلق عليه اسم ممر صوفا. ولم يتم تبني الخطة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكنها تتضمن عناصر قيد التنفيذ، بما في ذلك ممر نتساريم، كما قالت "سي إن إن" وقتها.
وقالت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، إن الجيش الإسرائيلي، يُقيم حواجز داخل قطاع غزة، وتحديدًا على الطريق الساحلي، وتشمل نقاط تفتيش وكاميرات وبوابة حديدية. ويدمر المنطقة الصناعة في شرقي غزة من أجل إقامة المنطقة العازلة.
كما كشف عن إنشاء الطريق "749" في ممر نتساريم، وتحدث العديد من الغزيين، الذي استخدموا الطريق في اتجاه واحد، أي من الشمال للجنوب، وكان عليه نقطة تفتيش واعتقال.
وفي سياق آخر، نفذت كتائب القسام قبل أيام، ما وصفته بـ"عملية إغارة" على ممر نتساريم، ووصفته بـ"محور الموت"، كما نفذت عدة فصائل فلسطينية، عشرات عمليات القصف الصاروخي على قوات الاحتلال الموجودة على محور نتساريم.