26-أكتوبر-2016

الناشط (الإسرائيلي) رينين راز - صورة أرشيفيّة

في مشهد لا يُعدّ شائعًا، عبّر عشرات الناشطين الفلسطينيين عن حزنهم لوفاة ناشط (إسرائيلي) يدعى رينين راز، يوم الاثنين 24 تشرين أول/ أكتوبر، بعد صراع طويل مع المرض، من خلال منشورات حب ووفاء شاركها فلسطينيون عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

عبّر عشرات الناشطين الفلسطينيين عن حزنهم لوفاة ناشط (إسرائيلي) يدعى رينين راز

قد تبدو المفارقة غريبة بل شاذة للبعض، حتى بين أوساط الفلسطينيين أنفسهم، فأي نوع من الناشطين هو راز؟ وهل من دلالات لذلك؟

ترعرع راز في بيئة "صهيونية" بامتياز، كما كان يصفها، إذ أتمّ دراسته الابتدائية في مدرسة إسرائيلية في "كيبوتس دوروت"، على بعد أميال قليلة من قطاع غزة، والتي اعتاد أن يشاهد مبانيها المتواضعة عن بعد، دون أن يدرك شيئًا عن سكانها.

"أنا من فلسطين"

"سألتُ معلمتي مرة عن فلسطين، فبدت مذعورة وطلبت مني ألا أنطق تلك الكلمة في المدرسة مرة أخرى"، قال راز خلال إحدى مقابلاته الصحفية. أسئلة عديدة دارت في ذهن الشاب اليافع لاحقًا، ما شكّل دافعًا له للخوض في تاريخ المنطقة، ومعرفة ما حلّ بسكانها.

أدرك راز لاحقًا أن "كيبوتس دوروت" شُيِّد على أنقاض قرية فلسطينية تدعى "الهوج"، بعد عمليات "التطهير العرقي" في البلاد، والتي شكلت جزءًا من "نكبة" الفلسطينيين، كما يصفها.

انتقل لاحقًا للعيش في مدينة تل أبيب الإسرائيلية، بعد رفضه للخدمة العسكرية الإلزامية حين كان في سنّ الـ17 رغم الانتقادات اللاذعة التي لاقاها من عائلته ومحيطه، والذين عبّروا عن شعورهم بـ "العار" لمعرفتهم به، إلّا أنّ موقفه كان ثابتًا.

اقرأ/ي أيضًا: مظلة "العمال البريطاني" لا تفتح في القدس

اعتاد راز أن يعرِّف نفسه بالكلمات القليلة التالية: "أنا من فلسطين، أعيش في تل أبيب"، في إشارة مقصودة لعدم اعترافه بشرعية الدولة العبرية، ولطالما وصف نفسه بـ "الناشط ضد الصهيونية\الفاشية"، حتى بات ناشطًا فاعلًا ضمن إطار العديد من المجموعات المناهضة للاحتلال، كحركة "لا سلطويون ضد الجدار"، وحركة "المقاطعة من الداخل"، إضافة إلى انخراطه في التظاهرات الأسبوعية في عدد من قرى الضفة الغربية.

شركاء النضال

رينين راز، غير المعروف إلى ذاك الحد، يشكل مثالًا لعدد ضئيل من الإسرائيليين المعادين للصهيونية، كما يُعرفون، والذين ينشطون ضد الاحتلال. مفهوم "الاحتلال" لا يعد واحدًا بالنسبة لكافة الناشطين الإسرائيليين، فمنهم من يراه مقتصرًا على الضفة الغربية وقطاع غزة، أي حدود الرابع من حزيران/يونيو لعام 1967. في حين، يعتبره راز وأمثاله شاملًا لكافة أرجاء البلاد (فلسطين الانتدابية).

اعتاد الناشط الإسرائيلي المتوفى رينين راز أن يعرِّف نفسه بالكلمات القليلة التالية: "أنا من فلسطين، أعيش في تل أبيب"

هنا، يبرز الفارق الجوهري بين اليسار الصهيوني، كحزب ميريتس مثلًا، إضافة إلى العديد من تجمعات الناشطين الأخرى، واليسار اللاصهيوني الذي بات عملة نادرة في البلاد.

لم يسمع كثيرون عن تلك الفئة في حياتهم، فهم مغيبون عن الإعلام الفلسطيني والعربي نظرًا لاعتبارهم جزءًا من المجتمع الإسرائيلي –بطريقة أو بأخرى- الذي لا حوار معه، إضافة إلى كونهم مغيّبين عن الإعلام الأجنبي. تلاقي تلك الفئة ضغوطًا داخلية في بيئة مجتمعها الإسرائيلي، إضافة لعدم تقبلهم من نسبة واسعة من الفلسطينيين، الذين يؤمنون بمعادلة "الإسرائيلي الجيّد هو الإسرائيلي الذي يغادر فلسطين".

وإن كانت حركات المقاطعة الفاعلة قد وضعت ضوابط للعلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية المشروعة، والتي يمكن تلخيصها بالبندين الموجزين التاليين:

- أن تكون العلاقة تحت إطار مقاومة الاحتلال بشكل واضح وصريح.

- أن يقر الطرف الإسرائيلي بكافة الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.

اقرأ/ي أيضًا: دماء "الهنود الحمر" من أجل غسل ذنوب إسرائيل

إلا أن المسألة أكثر تعقيدًا من ذلك، على أرض الواقع. فواقع الجغرافيا السياسية المعقدة في فلسطين/إسرائيل الفاصلة بين المجتمعين جعلت من التشبيك بين ناشطي الطرفين أمرًا غير هيّن. في حين، نشأت علاقات متينة بينهما لمن سنحت له الفرصة بذلك، فعرفوا بعضهم بعضًا عن قرب، وفتح الفلسطينيون لهم بيوتهم فباتوا شركاء في سنوات من التظاهرات والعمل المناهض للاحتلال في الميدان.

بالرغم من راديكالية هؤلاء، وإدراكهم لجذور القضية الفلسطينية، إلا أن عملهم المشترك مع الفلسطينيين ظلّ محدودًا، لأسباب أكثر تعقيدًا من أن تسرد في مادة موجزة كهذه، فكان تأثير نشاطهم غير ملموس كذلك، إذ بدوا عاجزين عن إحداث أي تغيير يذكر، الأمر الذي دفع بعضهم لمغادرة البلاد بشكل كامل.

فلسطينيًا، لا إجماع يذكر على مسألة العمل المشترك مع هؤلاء، فهو خيار فردي حتى اللحظة، إلا أن من خاضوا تلك التجربة يرون منهم شركاء في النضال، انطلاقا من منظور "النضال المشترك" المشروع، لا "العيش المشترك" وتوابعه من بذور مشاريع ما ينعت فلسطينيًا بالـ "التطبيع".

رحل راز، تاركًا خلفه ذلك العدد الضئيل من أقرانه الناشطين الإسرائيليين، أو الفلسطينيين، سمِّهم ما شئت، يطوفون في تيه القضية الفلسطينية، التي لا ملامح وشيكة لنهايتها.

اقرأ/ي أيضًا: 

صابر الرباعي في صورة مع ضابط إسرائيلي

شخصيات فلسطينية تلتقي حاخامات بضيافة ريفلين

المطبعون.. ليسوا منا ولسنا منهم