بشوق كبير جلس محمد مصلح بين عشرات الأطفال، صبيانًا وإناثًا، بانتظار عرض فيلم رسوم متحركة (كرتون) في أحد معسكرات خيام النازحين غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وكما غالبية الأطفال في غزة لم يشاهد محمد التلفاز منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في 7 تشرين أول\أكتوبر من العام الماضي، إذ عمد الاحتلال إلى قطع كل سبل الحياة عن القطاع، بما في ذلك خطوط الكهرباء، وتدمير المحطة الوحيدة لتوليد الطاقة.
عرض صاحب المبادرة محمد الخضري زهاء 20 عرضًا في الخيام ومراكز الإيواء المنتشرة في مدينة رفح
وما أن ظهرت الرسوم على جدار أحد الخيام التي استخدمها صاحب محمد الخضري، 36 عامًا، مبادرة "سينما المخيم" كشاشة عرض، حتى تعالت صيحات الفرح من الحشود الحاضرة في "مخيم القدس للنازحين" غرب مدينة رفح، وكان لافتًا أن الحضور لم يقتصر على الأطفال فقط، وشاركهم بالغون يفتقدون أيضا للحظات سعادة تبعدهم عن أجواء الموت والدمار.
سينما المخيم
كان الطفل محمد وأقرانه من الذكور يتمنون مشاهدة فيلمًا عن سباق السيارات، وقد رفعوا أياديهم دعمًا لهذا الخيار عندما وقف محمد الخضري أمامهم وقال بصوت عال: "تريدون سندريلا أم سيارات؟"، فذهب الذكور مع السيارات، ولأن أعداد الفتيات أكبر كسبن التصويت لمشاهدة فيلم سندريلا.
يقول الطفل محمد لـ "الترا فلسطين": "ليس مهمًا سندريلا أو سيارات .. المهم نشاهد حاجة مختلفة غير القصف"، وهذا الطفل نزح مع أسرته من بلدة بيت حانون شمال القطاع منذ الأيام الأولى للحرب، وتكرر نزوحهم مرارًا داخل مناطق شمال القطاع وفي وسطه، قبل أن يستقر بهم الحال في مدينة رفح.
وبدا محمد سعيدًا بمشاهدة فيلمًا للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، ويقول ساخرًا: "والله انسينا شكل التليفزيون"، في إشارة منه إلى أنه لم يشاهد التلفاز منذ فترة طويلة، حيث يقيم في خيمة صغيرة متهالكة كما 85% من الغزيين الذين أجبرتهم الحرب على النزوح عن منازلهم ومناطق سكنهم، ويعيشون في خيام ومراكز إيواء مظلمة وبلا كهرباء.
وبالنسبة لصاحب المبادرة محمد الخضري فإن رؤية الأطفال يبتسمون وتتعالى ضحكاتهم ويتفاعلون مع العرض يحقق له غايته من فكرة "سينما المخيم"، التي يسعى من ورائها حسبما يقول لـ "الترا فلسطين" إلى إدخال الفرح على قلوب الأطفال النازحين.
تفريغ نفسي
نزح الخضري من مدينة غزة مصطحبا معه جهازًا صغيرًا للعرض المرئي في كانون الثاني\يناير الماضي، ومنذ بضعة أسابيع يشغله التفكير في مبادرة تُخرج الأطفال من الأجواء الكئيبة وتنسيهم مشاهد الموت والدمار والخراب، ويقول: "فكرت في التنقل بهذا الجهاز على مخيمات النازحين في الخيام ومراكز الإيواء وعرض أفلام كرتونية للأطفال".
وحتى اللحظة عرض الخضري زهاء 20 عرضًا في الخيام ومراكز الإيواء المنتشرة في مدينة رفح، ومن هنا جاءت تسمية هذه المبادرة بسينما المخيم، ويتمنى لو يتمكّن من التنقل بين الخيام وباقي المراكز المنتشرة في منطقة المواصي ووسط القطاع، لإسعاد الأطفال.
وتزداد سعادة الخضري مع رؤية الكبار أيضًا يتفاعلون مع عرض أفلام الرسوم المتحركة، ويقول: "الجميع بحاجة للفرح وللتفريغ النفسي، وليس الأطفال وحدهم، الحرب تسببت في ضغوط هائلة على كل سكان قطاع غزة".
ويتفق معه النازح من بلدة بيت حانون بلال مصلح، الذي جاء بأطفاله لحضور العرض، وعبر عن دعمه لمثل هذه المبادرات التطوعية الفردية التي تستهدف الأطفال والنازحين في الخيام، الذين حرمتهم الحرب من كل وسائل اللعب والترفيه عن النفس.
وقال مصلح لـ "الترا فلسطين": "أطفالنا محرومون من التعليم ومن الحق باللعب، ويعانون من ضغوط شديدة جسدية ونفسية بسبب الحرب، ومثل هذه المبادرة تخفف عنهم وتعيد لهم طفولتهم المفقودة".