"ماما قصتلي شعري عشان القمل"، " صرت بشعة "، " ما حبيت شعري الجديد"، " شعري كان طويل زي الأميرات"، "بعد الحرب هطول شعري".. بتلك الجمل القاسية وصفت فتيات صغيرات من داخل مخيم لجوء في مدينة دير البلح شُعورهن بعدما اضطرت أمهاتهن للتخلص من شعرهن الطويل بسبب عدم توفر المياه وأدوات النظافة خلال الحرب، هذا عدا عن انتشار وباء القمل والصئبان بين النازحين.
وتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن إمداد قطاع غزة بالمياه النظيفة منذ تاريخ 9 أكتوبر 2023، هذا عدا عن تدمير البنية التحتية وقصف محطات تحلية المياه في أغلب مناطق القطاع، مما انعكس على الحياة اليومية للمواطنين وحرمهم من أبسط حقوقهم.
مصففة شعر: أشعر بالحزن عندما أقص شعر فتاة صغيرة، وهي تبكي رافضة ذلك
وتكشف أم محمد البحيصي، صاحبة أحد صالونات التجميل النسائية القريبة من مخيمات النزوح وسط دير البلح أنها تقوم بقص شعر ما يقارب الـ 40 طفلة وسيدة في اليوم الواحد، لأسباب تتعلق بالحرب، فأغلب النساء غير قادرات على الاعتناء بشعرهن وشعر أطفالهن لعدم توفر المياه والشامبوهات، بالإضافة لمشاكل الشعر التي حدثت بسبب المياه المالحة وسوء التغذية والخوف والتقصف وتساقط الشعر المرضي، فيجدن أنفسهن أمام الخيار الأصعب وهو "حلاقة الشعر".
وتقول مصففة الشعر لـ"الترا فلسطين"، إنها تشعر بالحزن عندما تقص شعر فتاة صغيرة، وهي تبكي وترفض هذا الإجراء، أو عندما تضطر لقص شعر طويل جدًا، وهي تعلم جيدًا كم احتاج من وقت وجهد واهتمام كي يصبح بهذا الجمال، وتحاول جاهدة أن تتحايل على الطفلة بقصة شعر قد تعجبها.
وتؤكد أم محمد أنها ترفض أن تقص شعر أي فتاة أو سيدة مصابة بعدوى القمل والصئبان، كي لا تتلوث أدواتها بالعدوى وتساهم في نقلها بين الزبائن، وتطلب من الأم أن تقص شعر طفلتها بنفسها وتعالجه أولاً، ثم تعود لتصحيح القصة لديها.
وفيما تكشف الدكتورة رندة، مديرة أحد مراكز الرعاية الاولية، أن الشامبو والدواء الموضعي والحبوب الخاصة بعلاج القمل والصئبان غير متوفرة في أغلب أوقات الحرب على قطاع غزة، من كافة المراكز الصحية والصيدليات الخاصة، وإن وجدت فارتفع سعرها لـ150 شيكل، ما يعادل 40 دولارًا، مقابل العبوة الواحدة.
وطرح الدكتور موسى عياد، أخصائي الأمراض الجلدية والتناسلية، وصفة بديلة عن علاج القمل المقطوع، عبر استخدام المياه والخل المخفف على الشعر، بالإضافة لحبوب المضاد الحيوي، ناهيًا عن استخدام وصفات مضرة لمواجهة هذا الوباء كالمبيد الحشري والكاز، كما يحدث في بعض مراكز الإيواء، ومؤكدًا أن "قص الشعر" يعني علاج مرض جلدي والتسبب بمرض نفسي للأطفال، وهو أمر غير مقبول بالنسبة له.
وحذر الدكتور سعيد الكحلوت، أخصائي الصحة النفسية، من أن "قص شعر" الفتيات دون رغبتهن يفقدهن الثقة بالنفس، وقد يصل الموضوع إلى الاكتئاب ومشاكل نفسية أخرى.
وصفة سحرية "خل ومضاد حيوي"
ويشرح الدكتور موسى عياد، أخصائي الأمراض الجلدية والتناسلية لـ"الترا فلسطين" أن القمل المنتشر في قطاع غزة،هو قمل فروة الرأس.
ويوضح أخصائي الأمراض الجلدية، أن سبب انتشار العدوى في قطاع غزة هو اكتظاظ النازحين في أماكن محدودة داخل الخيام ومراكز الإيواء، بالإضافة لعدم توفر المياه وأدوات النظافة المختلفة، منبهًا لخطورة انتشار تلك العدوى لما تسببه من التهابات بكتيرية في فروة الرأس قد تصل إلى نزول الصديد، والتهابات بكتيرية في العقد اللمفاوية في الرقبة.
وهناك حلول تقليدية لمحاربة عدوى القمل، كـ "الشامبو أو المرشوش الموضعي أو الأقراص"، وهي للأسف غير متوفرة في قطاع غزة على مدار شهور الحرب الماضية، إلا في أوقات قليلة تكاد لا تذكر، فقد انقطعت من المراكز الصحية المختلفة التابعة للحكومة أو لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وأيضًا في الصيدليات الخاصة، وإن وجدت؛ فهي بأسعار مرتفعة جدًا.
علاج القمل ممكنًا من خلال غسل الشعر باستخدام خليط الماء والخل
ويقدم الدكتور موسى عياد، حلًا سحريًا، وهي وصفة بسيطة بمكونات طبيعية لتساعد المواطنين على مواجهة تلك العدوى الشرسة، قائلاً: "من السهل القضاء على القمل باستخدام الشامبو والمشط الخاص، ولكن يصعب القضاء على الصئبان لأن القملة تضعه بمادة لزجة تلتصق بالشعر، فنضع كأسًا نصفه ماء ونصفه الآخر خل مُخفف، ثم نبدأ بتمشيط الشعر بمشط ضيق الأسنان "الفلايه" بعد غمسه في الماء والخل، فيقوم الخل بتفكيك المادة اللزجة التي تُلصق الصئبان بالشعر".
وكشف الطبيب المختص أنه يضيف للعلاج نوعًا من أنواع المضاد الحيوي، حيث يؤثر المضاد على الجهاز العصبي للقملة ويصيبها بالتشنج، فيسهل ويقصر فترة العلاج.
ورفض أن يتم مواجهة القمل والصئبان عبر قص شعر الفتيات الصغيرات مضيفًا: "لا أحبذ أن يتم علاج مرض جلدي بمرض نفسي، ولا أرى أن قص الشعر هو الحل الأمثل، يمكن القضاء على المرض عبر الشامبو والخل والمياه والمضاد الحيوي، وإن توفرت الكهرباء فإن فرد الشعر عبر المكوى الكهربائي يقضي على الصئبان أيضًا".
ونهى الطبيب عن استخدام بعض الوصفات المضرة، والتي يستخدمها المواطنون فعليًا كبديل عن الشامبو والدواء الخاص، كرش الشعر بالمبيد الحشري الشهير بـ "دي دي تي"، أو غسله بالمادة النفطية "الكاز"، لما يترتب عن ذلك من أضرار صحية جسيمة.
ويذكر أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية "FDA"، قد حذرت من استخدام المبيدات الحشرية لعلاج القمل، حيث يؤثر على صحة الرئتين بشكل حاد ويسبب الإصابة بالالتهابات الجلدية، وحساسية العين، فضلًا عن الإسهال، والغثيان، والصداع، وتؤدي زيادة الجرعة المستخدمة إلى إصابة الأطفال بالتسمم.
عبوة شامبو القمل بـ 40 دولارًا
تقول الدكتورة رندة مسعود، مديرة مركز رعاية صحية أولية في الوسطى: "نحن نتحدث عن تفشي وباء عدوى القمل والصئبان في جميع محافظات قطاع غزة خلال العدوان الحالي، نواجه يوميًا حالات كثيرة جداً من عدوى القمل والصئبان ما بين المراجعين في المركز الصحي.
وتوضح الدكتورة رندة لـ "الترا فلسطين" أن المصابين من جميع الفئات العمرية وخاصة فئة الأطفال والنساء، لأن هذه العدوى تحتاج للانتقال إلى إتصال حميم أو متواصل لفترة من الزمن، وهذا يحدث أكثر للأطفال أثناء اللعب والاحتكاك، وللنساء بسبب طول شعورهن واحتكاكهم مع اطفالهم أكثر من الآباء.
وصل سعر العبوة الواحدة من شامبو "القمل" إلى 150 شيكل في قطاع غزة
وتكشف الطبيبة، أن هناك تفاقمًا كبيرًا في معدلات انتشار عدوى القمل خلال الشهرين الآخرين للحرب، بسبب عدة عوامل، أهمها ظروف النزوح والاكتظاظ في مراكز ومدارس الإيواء، حيث يسكن ما بين 60 إلى 70 شخصًا داخل غرفة الفصل الواحد، بالإضافة إلى انخفاض معدلات النظافة الشخصية بسبب عدم توفر المياه الصالحة للاستخدام، أو توافرها بكميات محدودة جدًا، وعدم توفر مستلزمات النظافة كالشامبو والصابون وخلافه.
وتابعت، والأهم من ذلك وجود خلل في المنظومة العلاجية، فالشامبو والأدوية الموضعية المستخدمة بعلاج القمل والصئبان في معظم أوقات الحرب كانت مقطوعة إما بالكامل في معظم المراكز الصحية التابعة لمعظم الجهات المقدمة للخدمات الصحية في القطاع بما فيها القطاع الخاص والصيدليات الخاصة، إما أن تكون متوفرة بكميات محدودة جدًا وبأسعار مرتفعة.
وتوضح أن سعر العبوة الواحدة من شامبو "القمل" وصل إلى 150 شيكل، وهي بالعادة لا تكفي لأن العدوى تصيب أغلب أفراد الأسرة، وهو عبء مادي كبير جدًا، ومعظم الأسر لا تقدر عليه، مضيفة: " هذا في حال تواجدها، ولكن أثناء الحرب فإن هذه الشامبوهات والأدوية الموضعية غير متوفرة إطلاقًا".
وتختم الدكتورة رندة، آسفة، أن المركز الصحي الذي تعمل به، لا تتوافر فيه أي عبوة من العلاجات المستخدمة لعلاج عدوى القمل والصئبان.
قص شعر الأطفال قد يصيبهم بالاكتئاب
يقول الكاتب وأخصائي الصحة النفسية الدكتور سعيد الكحلوت، إن الأطفال في هذه المرحلة العمرية الحساسة من حياتهم يشكلون صورتهم الذاتية وصورة مظهرهم الخارجي، وتأتي بشكل كبير جدًا من نظرة الآخرين لهم، وبالتأكيد عندما ننظر إلى طفلة صغيرة لديها شعر جميل، سنثني على هذا المنظر وهذا الجمال، ولكن عندما نرى طفلة أخرى بشعر "محلوق" فستتحول النظرة من الإعجاب إلى نظرة تكسوها الشفقة والتعاطف.
ويكمل: هذا سيترك شعورًا سلبيًا داخل الطفل، وسيؤثر بطريقة أو بأخرى على صورته الذاتية وثقته بنفسه، وعندما نتحدث عن الثقة بالنفس فنحن نتحدث عن محور من محاور التشخيص الأساسي للاكتئاب عند الأطفال، جزء من حالات الاكتئاب عند الأطفال تكون ناتجة عن عدم ثقة الطفل بنفسه، وهنا أيضًا يشعر الطفل بالعجز لأنه غير قادر على تفسير وتغيير ما يدور حوله.
ورفض الدكتور الكحلوت أن يلجأ الأهالي في القطاع إلى "قص شعر" أطفالهم إلا في الحالات الاضطرارية الضيقة، ونصح الأهل بضرورة إخبار الطفلة بالموضوع بشكل تدريجي ومحاولة إقناعها وإخبارها بالأسباب التي تجبرهم على هذا الإجراء، وبعد قص الشعر يجب العمل على تعزيز ثقة الفتيات بأنفسهن وإغراقهن بسيل من كلمات الإعجاب، مؤكدين أن جمالها لم ينقص بسبب ما تم فقدانه.