01-مايو-2024
عمال فلسطين

عامل بناء فلسطيني | epaimages

لا شيء يمكنه أن يعيد الطمأنينة لآلاف العمال الفلسطينيين، حتى يومهم العالمي الذي بات تذكيرًا سيئًا لمأساتهم وفقدان مصدر رزقهم.

وتحل الذكرى السنوية لعيد العمال هذا العام، وأيادي العمال الفلسطينيين تعيش أسوأ أوضاعها، غالبيتهم ممن فقد مصدر رزقه، وآخرين استشهدوا في طريقهم للعمل، والمئات اعتقلوا خلال سعيهم للوصول إلى داخل الخط الأخضر.

تم منع 193 ألف عامل من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر بعد السابع من تشرين أول/أكتوبر، أي ما يعادل 22% من إجمالي القوى العاملة في الضفة الغربية

ووفقًا للإحصائيات الحكومية، فقد تم منع 193 ألف عامل من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر بعد السابع من تشرين أول/أكتوبر، أي ما يعادل 22% من إجمالي القوى العاملة في الضفة الغربية، فيما تشير التوقعات إلى ارتفاع حاد في معدلات البطالة، ومن المحتمل أن ترتفع من 13% إلى 38%، في الضفة الغربية.

حسن ربحي منسية، آخر العمال الفلسطينيين الذين استشهدوا، بينما كان في طريق عودته إلى منزله في بلدة الظاهرية جنوب الخليل، يوم 29 أبريل/ نيسان، عشية عيد العمال.

يقول ربحي منسية، والد الشهيد حسن: "بدل أن تستقبله بناته وأن يعود إليهم سالمًا، عاد إليهم شهيدًا، وكانت فاجعة كبيرة بالنسبة إلينا، فهو السند".

الشهيد حسن منسية (31 عامًا)، وهو أب لأربعة أطفال، الكبيرة يبلغ عمرها 8 سنوات، أما الصغيرة فلم تتجاوز العام الأول من عمرها، وكان حنونًا في المنزل وصاحب مسؤولية؛ وفق والده.

ويضيف ربحي منسية لـ "الترا فلسطين"، أن نجله حسن لديه مشغل ألمنيوم يشغّل 15 عاملاً، ويتعامل معهم بكل احترام ومحبة،وعلاقته مع الناس جيدة ومحبوب من الجميع ولديه الكثير من الأصدقاء.

يروي والده، أن حسن كان في طريقه للمنزل بعد يوم عمل طويل في مشغل الألمنيوم، فهو يضطر في بعض الأحيان إلى تحميل بضاعة والتأخر في ساعات الليل، وخلال طريق عودته إلى المنزل وقبل أن يصله بنحو 300 متر، كان هناك جيب لجيش الاحتلال يسير بدون إشعال الإنارة، فأغلق الطريق عليه.

وتابع الوالد، أن حسن والشاب الذي كان معه ترجلوا من السيارة ولاذوا بالفرار لأن السيارة غير قانونية، قبل أن يتمكن الجنود من القبض على الشاب، واستمروا بملاحقة حسن إلى عمارة قيد الإنشاء قريبة منهم.

"الجنود صعدوا وراء حسن وضربوه بأعقاب البنادق على رأسه ومختلف أنحاء جسده، ومن ثم رموه من فوق العمارة إلى الأرض تحت، ومن ثم توجهوا إليه للتأكد من استشهاده، فتركوه على الأرض"، يقول والد حسن، الذي لا يزال يعيش صدمة كبيرة جراء فقدان نجله، الذي وصفه "بشهيد لقمة العيش".

قبل استشهاد حسن بنحو أسبوعين، ارتقى عبد الرحيم عامر (59 عامًا) من مدينة قلقيلية في سجن هداريم الإسرائيلي.

يروي نجله علاء لـ "الترا فلسطين"، أن والده يعمل في "البلاط" وكان في طريقه للعمل داخل الخط الأخضر، فتم اعتقاله ونقل إلى السجن، وهناك لم يتم التعامل معه بشكل لائق وتعرّض لأقسى أنواع المعاملة، ومن ثم حُكم عليه بالسجن لمدة شهر، ونُقل إلى سجن هداريم، وعاش هناك في ظروف اعتقال سيئة، بدون أكل لائق ولا ملابس ولا نظافة ولا احترام.

ويضيف، أن والده حسن، عند الساعة 6 من صباح يوم استشهاده، "كان لديه ألم في يده وصدره وكتفه، فنادى الأسرى على السجان وطلبوا طبيبًا، إلا أنه رد عليهم بأن اليوم السبت ولا يوجد طبيب".

وتابع، "تحامل أبي على الوجع فهو رياضي سابق في نادي أهلي قلقيلية  لمدة 20 عامًا ، ولم يعاني من قبل من أي مرض، إلا أن الوجع زاد بعدها فتوجه الأسرى للسجان مرة أخرى وشرعوا بالصراخ، فرد عليهم بأنه سوف يحضر طبيب بعد 10 دقائق، ولكن ظل يماطل حتى الساعة 11 صباحًا عندما استشهد بدون أي تدخل علاجي".

بحسرة يقول علاء: "لو تم توفير العلاج في الوقت المناسب عنلتم إنقاذ حياته من الجلطة التي تعرض لها".

بعد أربعة أيام على استشهاده، سلمت سلطات الاحتلال جثمان الشهيد عبد الرحيم في مدينته قلقيلية، وسط حزن كبير من زوجته وأولاده الأربعة وبناته الثلاث، وكافة أقاربه وأحبابه.

وفي بيان صحفي صدر بمناسبة يوم العمال العالمي، قالت مؤسسات الأسرى الفلسطينية، إن جزءًا كبيرًا من الأسرى الفلسطينيين الذين خاضوا نضالهم في سبيل حرية أرضهم وشعبهم هم من الطبقة العاملة. وعمل الاحتلال على مدار عقود على تطوير أدواته وسياساته لاستهدافهم وسلبهم حقوقهم، وفرض المزيد من عمليات السيطرة والرقابة على حقّهم في العمل والحياة.

وأكّدت مؤسسات الأسرى، أنّه ومع تصاعد عدوان الاحتلال وبدء حرب الإبادة الجماعية بحقّ شعبنا في غزة على مدار نحو 7 شهور، شكّلت قضية العمال الفلسطينيين، قضية بارزة وذلك في ضوء تصاعد الجرائم والانتهاكات الممنهجة بحقّهم، ومنها عمليات الاعتقال والملاحقة والتّعذيب، حيث تعرض الآلاف من العمال لعمليات اعتقال جماعية وجرائم ممنهجة، وذلك في إطار سياسة الانتقام الجماعي التي صعّد الاحتلال من ممارستها وبشكل غير مسبوق، مقارنة مع محطات شهدت فيها فلسطين انتفاضات وهبات شعبية واسعة ضد منظومة الاحتلال الإسرائيليّ.

وتابعت مؤسسات الأسرى في بيانها، "أنّ العدد الأكبر من عمليات الاعتقال التي طالت العمال بعد السابع من أكتوبر، استهدفت العمال من أبناء شعبنا في غزة، والذين كانوا يتواجدون للعمل داخل الخط الأخضر".

عدد العمال من غزة الذين تواجدوا داخل الخط الأخضر قبل السابع من أكتوبر، بلغ في حينه ما يقارب 10 آلاف و300 عامل، بينهم 3200 تم إطلاق سراحهم على معبر كرم أبو سالم، والبعض منهم كان لا يزال يضع علامات بلاستيكية على معاصمهم تحمل أرقامًا

وأظهرت معطياتٌ لوزارة العمل، أن عدد العمال من غزة الذين تواجدوا داخل الخط الأخضر قبل السابع من أكتوبر، بلغ في حينه ما يقارب 10 آلاف و300 عامل، بينهم 3200 تم إطلاق سراحهم على معبر كرم أبو سالم  في بداية شهر تشرين أول/نوفمبر 2023، والبعض منهم كان لا يزال يضع علامات بلاستيكية على معاصمهم تحمل أرقامًا.

وبحسب وزارة العمل، فإن ما يقارب 6441 عاملًا من غزة تم ترحيلهم إلى محافظات الضفة الغربية، وتبقى ما يقارب 1000 عامل مفقود في ضوء جريمة الإخفاء القسري المتواصلة بحق معتقلي غزة، ورفض الاحتلال الإفصاح عن أي معطيات بشأنهم، واكتفى بالإعلان عن وجود معسكرين تابعين للجيش لاحتجاز معتقلي غزة، ومنهم معسكر "سديه تيمان" بالقرب من بئر السبع، ومعسكر "عناتوت" بالقرب من مدينة القدس، ولكن لم تقتصر أماكن الاحتجاز على هذه المعسكرات لأن جزءًا من العمال تم احتجازهم في سجن (عوفر).

وصعّد الاحتلال من عمليات ملاحقة العمال واعتقالهم على خلفية الدخول دون تصريح إلى داخل الخط الأخضر للعمل خلال الشهور الماضية، وذلك بالتزامن مع تصاعد سياسات التضييق الممنهجة، وتمدد الاستيطان، وسلب أموال الشعب الفلسطيني، وقد رافق عمليات الاعتقال هذه اعتداءات بطرق مختلفة، وعمليات احتجاز في ظروف قاهرة وصعبة.

وأكدت مؤسسات الأسرى، أنّ الاحتلال يمارس عمليات تنكيل وتعذيب وسلب بحق العمال المعتقلين إلى جانب كافة الإجراءات الانتقامية التي فرضتها على الأسرى والمعتقلين داخل سجونه ومعسكراته ومنها سياسة التجويع والإذلال المتواصل، هذا عدا عن الاعتداءات التي رافقت عمليات اعتقالهم، التي أدت إلى استشهاد ثلاثة عمال في سجون ومعسكرات الاحتلال بعد السابع من أكتوبر.

والشهداء العمال في سجون الاحتلال، هم من بين 16 أسيرًا استشهدوا بعد السابع من أكتوبر، وهم: ماجد زقول، والشهيد الثاني لم يتسنّ للمؤسسات التأكد من هويته، وكلاهما من غزة، إضافة إلى الشهيد عبد الرحيم عامر من قلقيلية.