لم تمرَّ 24 ساعة على تراجع الرئيس محمود عباس عن قرار بقانون يمنح كبار الموظفين امتيازات مالية وغير مالية، حتى بدأ حقوقيون ومحامون بتداول مضمون قرار بقانون آخر يمنح ديوان الرئاسة صلاحيات واسعة، تقول آراء قانونية إنها "تتجاوز القانون الأساسي وتتعدى على صلاحيات مجلس الوزراء".
قرار بقانون يمنح ديوان الرئاسة استقلالية كاملة وصلاحيات تملك الأموال وفتح مقرات في المحافظات، ويمنح رئيس الديوان صلاحيات وزير وراتبه
القرار بقانون 5 لسنة 2000 تم نشره في جريدة الوقائع الرسمية - العدد 165 بتاريخ 19 آذار/مارس، يمنح ديوان الرئاسة صلاحيات واسعة تتجاوز الصلاحيات التي حددتها المادة 63 من القانون الأساسي لرئيس السلطة، تشمل استقلالية كاملة لديوان الرئاسة، وتملّك الأموال، وفتح مقرات في كل المحافظات، إضافة لمنح رئيس الديوان صلاحيات وزير، وراتب وزير وحقوقه التقاعدية.
"حكومة موازية"
هذا القرار بقانون، "لا يُمكن فصله عن بقية القرارات المماثلة التي صدرت مؤخرًا"، وفق رأي رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق عصام عابدين، الذي يدعو إلى "رؤية الصورة كاملة"، مبينًا، أن هذه الرؤية "تكشف عن صراع على النفوذ واقتسام للغنائم، وترك الناس يواجهون مصيرهم في ظل جائحة كورونا".
اقرأ/ي أيضًا: قرار بقانون جديد.. هل ينشئ حكومة ثالثة في الضفة؟
وأضاف، "هناك ذر للرماد في العيون. هذه أكبر عملية تضليل، وأكبر عملية صراع على السلطة والنفوذ".
ويرى عابدين، أن القرار بقانون "يعني وجود حكومة موازية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى"، وهو كما يصفه "فسادٌ مغطى بالتشريع ويستوجب المحاسبة".
حقوقيون: القرار بقانون يعني وجود حكومة موازية ويجب محاسبة من وضعوه
يؤكد على هذا الرأي، مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام عاروري قائلاً: "هذا القرار يعني ازدواجية في الحكم وفي الصلاحيات"، داعيًا إلى محاسبة المسؤولين عن تمرير مثل هذه القرارات بقوانين، لمنع تكرارها.
"قانون غير دستوري"
يؤكد عابدين، أن القرار بقانون "غير دستوري من عدة جوانب، فهو يخرق المادة 43 من القانون الأساسي، إذ لا توجد أي ضرورة لا تحتمل التأخير في صدور هذا القرار بقانون، كما ينتهك حدود الصلاحيات المحدودة للرئيس التي حددتها المادة 38".
عابدين: القرار بقانون يخرق المواد 43 و38 و63 من القانون الأساسي
وأشار عابدين إلى المادة 63 التي تعتبر الحكومة هي الأداة التنفيذية والإدارية العليا، موضحًا، أن الصلاحيات التي منحها القرار بقانون لديوان الرئاسة هي في الأساس من عمل الحكومة. واعتبر هذا القرار، "يعكس مشهد المرحلة القادمة، في وقت يعاني الناس من البؤس وارتفاع معدلات الجوع والبطالة".
هل يعلم مجلس الوزراء بهذه القرارات؟
يرى عابدين، أن الأسانيد في هذا القرار بقانون تُظهر أنه لم يعرض على مجلس الوزراء، "لكن عندما ينشر في الجريدة الرسمية وديوان الفتوى والتشريع التابع للحكومة، فإن الحكومة على علم به"، مطالبًا الرئاسة والحكومة "بتفسير ما يحدث".
من جانبه، يؤكد مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام عاروري، أن الحكومة على علم بصدور هذه القرارات بقانون، "لكن ربما لم تشارك في صياغتها".
وأضاف، "ليس متوقعًا من الحكومة أن تخوض مواجهة مع الرئاسة في ظل الحساسيات الموجودة، وهذا لا يُبرئها، لكن لا نعرف إن كانت قد حدثت نقاشات في الأروقة بين الرئاسة والحكومة".
انتهاز لحالة الطوارئ؟
في بداية شهر آذار/مارس، أعلن الرئيس محمود عباس عن حالة الطوارئ لشهر كامل، من أجل مواجهة تفشي فايروس كورونا، حينها تعهدت الحكومة بعدم استغلال حالة الطوارئ في اتخاذ أي قرارات أو خطوات تتنافى مع غرض حالة الطوارئ، إلا أن تكرّر إصدار هذه القرارات بقوانين أثار مخاوف من عدم الالتزام بهذا التعهد.
يُشير رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك إلى ما وصفه "انفلاتًا في عملية التشريع من حيث العدد والمضمون"، موضحًا، أن بعض هذه التشريع لا ينطبق عليه حالة الضرورة التي قررتها المادة 43 لإصدار مثل هذه القرارات، إضافة إلى أنها لم تخضع للتشاور مع جميع الأطراف المتأثرة بها.
وأضاف، أن الهيئة المستقلة "ترى أنه آن الأوان لتقنين وضبط عملية التشريع في ظل غياب المجلس التشريعي، وحتى تجرى الانتخابات التي نطالب بها يجب أن تكون عملية التشريع شفافة وتشاركية وأن تأتي لخدمة المصلحة العامة، وتتوافق مع القانون الأساسي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت فلسطين عليها".
أما عابدين فيؤكد أنه "يجب وضع حد لإعلان حالة الطوارئ التي لا يوجد أي مبرر لاستمرارها"، مشددًا على أن قوانين الصحة العامة والدفاع المدني وحماية المستهلك كافية لتنظيم الأوضاع.
ودعا إلى وقف القرارات بقانون وإنهاء حالة الطوارئ، وتوجيه الأنظار إلى الترتيب لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية، "وغير ذلك فإننا نتجه نحو المجهول".
عاروري: أوساط متنفذة تحاول استغلال جائحة كورونا في تمرير قرارات مفصلة على مقاسات البعض
من جانبه، يعتقد عاروري، أن "هناك انتهازًا لحالة الطوارئ، ومحاولة استغلال من قبل بعض الأوساط المتنفذة في السلطة التنفيذية لجائحة كورونا في تمرير قرارات، وهناك سباق مع الزمن من البعض لتحقيق مكاسب آنية مفصلة على مقاساتهم".
وأكد عاروري، أن هناك "إفراطًا" في استخدام القرارات بقوانين قبل حالة الطوارئ، إذ يُقارب عددها الآن 300 قرار بقانون، مشيرًا إلى أن العديد من القرارات بقانون التي صدرت "يتعارض مع القانون الأساسي وتشريعات فلسطينية قائمة، وهذا غير مقبول".
اقرأ/ي أيضًا: