يُحكى أنّ خلافًا على قطيع بقر أراد متنفّذٌ في قرية سُمطا سلبه بالقوة، أخرج الجمر من تحت رماد خلافات كبيرة بين القرية ذاتها، وقرى أخرى مجاورة لها، لينتهي إلى حرب أبادت قرية سُمطا وتركت منها الاسم وآثار الحرب. حدث ذلك قبل قرابة ثلاثة قرون، وإذا كنت من عشّاق التجوال فإنّ بإمكانك الوصول إلى سُمطا، وهي البقعة الوحيدة في سهل سميط شمال الضفة الغربية.
قرية سُمطا يُنسب إليها سهل سميط في شمال الضفة الغربية، ولم يبق منها الآن إلا مسجد وآثار منازل مدمرة لن تراها إذا حلّ فصل الربيع
على الطريق الواصل بين نابلس وأريحا، من جهة وادي الباذان، وهو الطريق التاريخيّ القديم، الذي كان يُعرف إبّان العهد العثماني بـ"الطريق السلطاني"، وتحديدًا بين قريتي النصارية والباذان، ستجد أرضًا ومنشآت لجامعة النجاح الوطنية، تُعرف بين أبناء المنطقة باسم "فرن الجيش"، وقد كان على جانبها في السابق معسكر للجيش الأردني، إبان الحكم الأردني للضفة الغربية قبل النكسة.
اقرأ/ي أيضًا: في صانور قلعة منحوسة.. هل تعرفون قصتها؟
بعد نهاية حدود المعسكر، قبل دخولك إلى قرية النصارية، سيقودك طريق فرعي ترابي باتجاه الغرب، بعد السير فيه مسافة "1.7" كيلومتر داخل السهل، إلى أطلال قرية فلسطينية، كان اسمها سُمطا، تطل عليها وتحيط بها من الشمال قرية طمون، والباذان من الجنوب، والفارعة وياصيد وطلوزة من الغرب، والنصارية من الشرق.
في فصل الشتاء، ستشاهد بوضوح أطلال القرية وحدودها، وستلاحظ بقايا حجارة البيوت ومواقعها وقد سويت بالأرض. ثم إذا نبتت الأعشاب في الربيع والصيف، غطّت آثار القرية تمامًا. وقرية سُمطا ممتدة بشكل مستطيل شرقًا وغربًا، أبعاده حوالي 200 متر طولاً، و180 متر عرضًا، وفي كل الأحوال فإنّ حدودها ليست خطوطًا مستقيمة.
[[{"fid":"70842","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":253,"width":460,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
المعلم الوحيد الباقي حتى الآن؛ وبإمكانك مشاهدته في أي وقت، هو أجزاء من مسجد القرية مستطيل الشكل، ووفق سكان المنطقة، فإنه حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي؛ كانت ماتزال قبة المسجد قائمة. وإن اختلفت الأقوال حوال ذلك، فإن الثابت أنّ القبة كانت قائمة حتى عام 1967، وقد ارتفعت على أربع قواعد مبنية من الحجارة، بلغ أبعاد كل قاعدة مترين عرضًا ومترين طولاً، فيما بلغت مساحة الغرفة تحت القبة من الداخل 5 أمتار طولاً، و3.5 أمتار عرضًا.
وإلى الشمال من المسجد، تقع ساحة مسورة بجدار مرتفع من الشرق والشمال، ومنخفض من الغرب، أبعادها 15 مترًا طولاً، و11 مترًا عرضًا، وفي طرفها الغربي الجنوبي يوجد بئر ماء مردوم.
يفيدنا تحديد أبعاد المسجد في تقدير عدد سكان القرية آنذاك، فالمساجد عادة تُبنى بالاتساع الذي يمكّنها من استيعاب سكان المنطقة حين يحضرون جميعًا للصلاة، مثل صلاة العيد. وعلى هذا الأساس يمكن تقدير عدد سكان القرية من الرجال البالغين بحوالي (30 - 35) رجلاً، وهو رقم قريب من رواية أحد كبار السن في المنطقة، إذ أفادنا بأن عدد بيوت القرية كان يتراوح بين 40 إلى 50 بيتًا آنذاك.
تراوح عدد البيوت في قرية سُمطا عند إبادتها بين 40 – 50 بيتًا، وقد كانت قائمة حتى تاريخ 15 أيار 1722
وبالعودة إلى قصة خرابها، حيث بدأنا حديثنا، فهناك قصة واحدة لها راويان يتفقان على أنّ القصة وقعت قبل حوالي 200 – 300 سنة. والثابت أنّ القصة حدثت في يوم ما بعد تاريخ 15 أيار 1722، أي قبل 296 سنة، فالقرية حتى هذا التاريخ كانت قائمة.
اقرأ/ي أيضًا: مارسابا.. قصة دير محرم على النساء
تختلف الروايتان في كثير من التفاصيل، لكنهما تشتركان في أنّ هناك سببين للخلاف. السبب الأول، أنّ متنفذًا من قرية سُمطا استحوذ على قطيع من البقر يملكه شخص أو أكثر من أهالي طمون، ورفض إعادته لأصحابه. أمّا السبب الثاني، فهو الصراع على مصادر المياه في السهل، وهذا أقرب للمنطق في أن يكون سببًا في إشعال حرب تنتهي بتدمير قرية.
وفي ظلّ اختلاف الروايتين وقلة تفاصيلهما، كان من الصعب وضع سيناريو دقيق للقصة، سيما أن الروايات الشفهية تسهب في الحديث عن حادثة البقر، كسبب أدى لقتل عدد من سكان سُمطا وترحيل البقية وتدميرها، وهي حادثة يؤكدها طرفا القصة، لكن هناك حقيقة مثبته يتفق عليها الطرفان، وهي أن هناك خلافًا بين القرى المحيطة وقرية سُمطا بشكل جماعي وليس فردي، وهو خلاف ليس وليد اللحظة كما يُستدل من السياق.
هنا يجب التذكير بأن الزراعة كانت المصدر الأساسي في العيش والحياة للمجتمع بأكمله آنذاك، ما يقودنا لتقدير أهمية الأرض والماء كموارد بالنسبة للسكان كافة، وبالتالي تقدير أهمية هذا المورد، وأنّ القاسم المُشتَرَك بين كل تلك القرى وسُمطا هو ذلك السهل الغني بتربته الحمراء ومنابع المياه.
على هذا الأساس كان الخلاف بين مشايخ القرى من جهة، وشيخ قرية سُمطا من جهة أخرى حول النفوذ، بصفتهم ممثلين للفلاحين. ونحن هنا نقول مشايخ لأن نظام المخترة لم يكن قد ظهر بعد، وبكل الأحوال فشيخ القرية آنذاك هو نفسه القائم بأعمال المختار لاحقًا.
كانت سُمطا على خلاف مع القرى المجاورة حول الماء، وقد أدى احتجاز قطيع بقر إلى تفجير الحرب التي أبادت القرية وأذهبت أهلها بين قتيل ومطرود
يُمكن القول، إن ما حصل نزاع بين سكان القرى على الأراضي السهلية ومصادر المياه، ثم تطور النزاع ليصبح حربًا حيث هاجمها سكان القرى المحيطة بها، نتج عنها تدمير سُمطا، وذهاب سكانها بين قتيل ومطرود. أمّا قصة البقر التي يتفق عليها الطرفان، فلم تكن سوى السبب المباشر الذي أشعل فتيل الحرب.
يقول الشهود، إن سكان قرية سُمطا تشتتوا في قرى مِركة وعرابة وقباطية التابعة لجنين، ودورا القرع في رام الله، ودورا جنوب الخليل، وفي مناطق أخرى في فلسطين وحتى خارجها، مع الإشارة إلى أن أغلب الناجين انتقلوا بعيدًا عن قريتهم خارج حدود قضاء نابلس، أو على الأطراف البعيدة منه، وهذا يعكس عمق خلافاتهم مع جيرانهم من القرى المحيطة، مع بقاء ما حفظته ذاكرتهم وتناقلوه عبر الأجيال.
أحد رواة القصة من القرى المحيطة، يذكر أنه التقى تاجرًا من دورا في الخليل عام 1965، وعندما تعارفا قال التاجر مازحًا إن له عنده ثأر، وعندما سأله الراوي كيف ذلك، أخبره التاجر أنه "سميطي"، وأخذ يحدثه عن القصة، هذه القصة التي لم تكتمل بعد وبقي فيها الكثير ليقال...
اقرأ/ي أيضًا:
دير كريزمان.. البداية من نبيذ الصلاة