"الحرب ما ضيعت جمال رسماتي بل زادتني قوة وإصرارًا"، بهذه العبارات كانت الفنانة محاسن الخطيب تعرّف عن نفسها على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تقتلها قذيفة إسرائيلية فجر السبت الماضي، داخل منزل عائلتها بمخيم جباليا شمال قطاع غزة.
عام ونيف مرَّ على حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، صمدت خلالها الفنانة التشكيلية ورسامة الكرتون في شمال غزة، وكافحت للبقاء على قيد الحياة بعد أن رفضت الإخلاء والنزوح إلى جنوب القطاع كما أمرت قوات الاحتلال.
صديقة وزميلة محاسن: "كانت عندها طاقة إيجابية غير مبررة، حتى في أصعب الظروف كانت تكلمنا وتمنحنا الأمل"
وعلى الرغم من قسوة الأيام التي عاشتها محاسن، مليئة بالخوف، والبرد، والجوع، إلا أنها نجحت في تجسيد الوجوه والأحداث عبر رسوماتها، حتى أصبحت جزءًا من الحدث ذاته، إذ كانت تتوقع استشهادها أكثر من مرة. وقدمت رسوماتها كصدقة جارية عن روحها في حال قتلت خلال الحرب، كما أعلنت مؤخرًا.
السلام عليكم
رابط دورة من دوراتي السابقة بشكل مجاني
بنيه الدعاء والفرج لغزة
وبنية ان متت تبقي صدقة عن روحي .. علم ينتفع به
كثفوا الدعاء وسامحوني https://t.co/M9dYeaCvhNاتفضلوا pic.twitter.com/RKUwG4Hjk5
— mahasen (@MahasenAlkhatib) November 7, 2023
وقد نشرت الفنانة العشرينية صورة شخصية لها عبر حسابها على "فيسبوك" وعلقت قائلة: "عشان بس أموت تلاقوا صورة إلي".
تحولات رسوماتها خلال الحرب
تظهر جولة قصيرة في حساب الفنانة محاسن الخطيب على منصة "إنستغرام" كيف تحولت أهوال الحرب إلى فكرة رسوماتها. كانت رسوماتها تحمل في الماضي معاني الفرح والحياة، وتجسّد شخصيات كرتونية مثل شخصيات "ديزني"، لكن الحرب غيرت مسار فنها بالكامل.
أصبحت رسوماتها الأخيرة شاهدة على الجحيم الذي عاشته، حيث كانت رسمتها الأخيرة مرفقة بعبارة: "قل لي ما شعورك عندما ترى أي شخص يحترق؟". وجسدت فتى فلسطينيًا يدفع النار التي تلتهم جسده بكلتا يديه، في إشارة إلى مأساة استهداف طائرات الاحتلال خيمة عائلته النازحة في ساحة مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة.
ورغم أجواء الحرب القاسية ونقص الإمكانيات، واصلت محاسن التدريب على فنّ الرسم وتقديم الدورات من مكتبها الصغير بجوار خلية طاقة شمسية في منزل عائلتها، متحدية خطورة الجلوس في تلك المنطقة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استمرت الحرب ع قطاع غزة ما يقارب ال3 شهور وخلال ال 3 شهور توقفت نشاطاتي المهنية واعمالي تماما وانقطع مصدر الدخل بسبب الحرب
اقدم لكم عرض ع اخر دورة قمت بتسجيلها قبل الحرب
200 ريال فقط
الدورة مسجلة
اتمني منكم دعمي✌🏻
وتواصل وتساب
00972567817911 pic.twitter.com/TsnxzIQFwI— mahasen (@MahasenAlkhatib) January 6, 2024
إلى جانب الرسم، سعت محاسن لتوفير مصدر دخل يساعد في تلبية احتياجات عائلتها، في ظلّ انقطاع مصادر الدخل وتوقف العمل لدى كثير من المواطنين.
رؤية محاسن وحلمها الذي لم يتحقق
رند صافي، صديقة محاسن وزميلتها في العمل، وصفتها بأنها كانت مدرسة في التفاؤل. تقول رند لـ"الترا فلسطين": "كانت عندها طاقة إيجابية غير مبررة، حتى في أصعب الظروف كانت تكلمنا وتمنحنا الأمل". وأضافت أن محاسن كانت راضية بالحياة رغم صعوبتها، وهذا انعكس على رسوماتها التي نشرتها عبر منصاتها.
شايفين هالمكان
🤍
من هنا بباشر اعمالي
يعد اخطر مكان بالبيت
ولكني لساتني بحاول ولساتني صامدة وبقول يارب pic.twitter.com/Ix9WUcVcJS— mahasen (@MahasenAlkhatib) April 18, 2024
كانت محاسن بارّة جدًا بوالدتها، وتهتم بشقيقيها الكفيفين، حيث حرصت على رعايتهما وتوفير احتياجات العائلة من خلال تنظيم دورات أونلاين في ظل الحرب. لكن رند تتحدث بحسرة: "أكثر ما يؤلمني أنها لم تتمكن من تحقيق طموحاتها، خاصة بعد أن اشترت المعدات الخاصة بإنشاء استوديو تدريبي".
وتضيف: "محاسن كانت مليئة بالخير، تساعد الناس في الشمال، وتشرف على إعداد الطرود الغذائية والصحية النسائية، وتنشر نداءات المساعدة عبر منصاتها". حتى يوم استشهادها، ظلّت صامدة في الشمال.
أثرها الفنيّ والوطنيّ
استخدمت محاسن الفنّ كوسيلة لتجسيد حياة مئات الآلاف من الغزيين الصامدين في شمال غزة، حيث رسمت تفاصيل الفرح البسيط مثل الحصول على دجاجة أو العثور على خسة في السوق، في ظل الحصار. لم تنس كذلك أن تعبر عن حبها للقهوة، إذ كانت تشارك تفاصيلها اليومية مع متابعيها، بحسب ما أكدت رند صافي.
وأضافت أنه قبل الحرب، كانت رسوماتها تركز على الشخصيات الكرتونية والرموز التراثية الفلسطينية. بعد الحرب، تحولت أعمالها إلى تصوير المعاناة اليومية من الجوع، والخوف، والبرد.
بدورها، نعت مؤسسة رواسي فلسطين للثقافة والفنون والإعلام الفنانة التشكيلية محاسن الخطيب، مشيرة إلى أنها تركت قبل رحيلها وخلال حرب الإبادة على قطاع غزة أثرًا فنيًا وطنيًا خالدًا، وقدمت أعمالاً فنية رقمية تلامس واقعنا وجراحنا وحريتنا".
رحيلها مع كوكبة الفنانين
استشهدت محاسن الخطيب في مجزرة إسرائيلية استهدفت منازل قرب منزلها بجباليا، حيث قُتلت مع 33 شخصًا آخرين نتيجة استهداف الاحتلال بالبراميل المتفجرة. وبهذا انضمت محاسن إلى قائمة طويلة من الشهداء العاملين في المجال الثقافي والفنيّ منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
وقتلت إسرائيل عددًا كبيرًا من الفنانين منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بينهم الفنانة البصرية هبة زقوت، الشاعرة والروائية هبة أبو ندى، والشاعر والناشط المجتمعي عمر فارس أبو شاويش، والفنانة التشكيلية حليمة الكحلوت، والمخرج يوسف دواس، وغيرهم.