يتزايد الشعور بـ"القلق" في إسرائيل، من فتوى محكمة العدل الدولية في لاهاي، المقرر صدورها اليوم الجمعة، والتي ستتناول "شرعية الاحتلال الإسرائيلي"، حيث سيكشف عن محتوى الفتوى، عصر اليوم، في بيان يلقيه رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام.
وقبل نشر الفتوى، قال مصدر إسرائيلي مطلع على تفاصيلها، لـ"يديعوت أحرونوت"، إن القرار سيتراوح بين "سيئ جدًا إلى رهيب وفظيع".
وبحسب التقديرات الإسرائيلية، من بين الخيارات المطروحة على الطاولة لقرار المحكمة، بأن هذا احتلال غير قانوني؛ لأن إسرائيل تقوم بأعمال تغيير ديموغرافي من خلال المشروع الاستيطاني ويمثل ضمًا فعليًا. وفي حال قبول هذا القرار، يجوز للمحكمة أن تطالب إسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية، وتدعو دول العالم إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال.
تقديرات في إسرائيل بأن محكمة العدل الدولية ستقر بشرعية عدم الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية
وأوضحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "التشاؤم يهيمن على وزارة العدل والخارجية في إسرائيل، كما أن هناك مخاوف من أن القرار سيزيد من تعقيد موقف إسرائيل على الساحة الدولية وقد يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية، تتجاوز تلك التي رأيناها في الأشهر الأخيرة ضد المجموعات الاستيطانية".
وتوضح: "يمكن للمحكمة أن تقرر أن القانون الدولي يحظر على الدول التعاون مع الاحتلال أو العمل على إنهائه. ومثل هذا القرار من قبل محكمة العدل الدولية قد يدفع مختلف دول العالم إلى اتخاذ إجراءات عملية ضد إسرائيل".
وأحد المخاوف في إسرائيل هو أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي طلبت الرأي، ستسلمه إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، وهو نفسه الذي طلب إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة .
في مثل هذه الحالة، يجوز لرئيس النيابة التحقيق في ملاحقة المسؤولين عن جريمة الاستيطان، سواء في الحكومة الإسرائيلية أو في الجهاز الأمني. والاحتمال الآخر هو أن الرأي سيحدد أن إسرائيل تمارس الفصل العنصري في الضفة الغربية، وهو ما يعد جريمة ضد الإنسانية، وهو "أمر يمكن أن تكون له عواقب وخيمة أيضًا"، بحسب الصحفية الإسرائيلية. وتضيف: "مثل هذا القرار لن يترك للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أي خيار سوى التحقيق مع إسرائيل ضمن الشكاوى التي يحقق فيها. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن فرصة أن تقرر المحكمة العليا أن إسرائيل ترتكب جريمة الفصل العنصري منخفضة".
وتمت صياغة الرأي الاستشاري بناءً على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي شباط/فبراير من هذا العام، عقدت المحكمة سلسلة من المناقشات حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي، بما في ذلك القدس. وقدم الفلسطينيون ونحو 60 دولة عضوة في الأمم المتحدة وثلاث منظمات دولية بيانات شفهية أمام المحكمة، عرضوا فيها موقفهم بشأن شرعية الاحتلال الإسرائيلي.
ومن الدول التي مثلت أمام المحكمة: جنوب أفريقيا، وقطر، وكوبا، والسعودية، وهولندا، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، وفرنسا، والصين، واليابان، والأردن، وباكستان، وإندونيسيا، والمملكة المتحدة، والسودان، وسويسرا.
وقال المحامي الإسرائيلي مايكل سفارد، المستشار القانوني لحركة "السلام الآن" والخبير في القانون الدولي، إنه من بين الدول الستين التي قدمت آراء مكتوبة أو تجادلت شفويًا أمام المحكمة، لا يوجد ولا حتى دولة واحدة، قالت إن إسرائيل تتصرف وفقًا للقانون الدولي، وكان هناك 3 دول، وهي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والمجر، التي قالت إن المحكمة تتمتع بسلطة تقديرية ومن الأفضل عدم إصدار رأي، لأنها مسألة سياسية تتعلق بالمفاوضات.
وسيتعين على المحكمة أن تجيب على سؤال ما هي التزامات دول العالم والأمم المتحدة، في ضوء التحديدات والاستنتاجات التي تم التوصل إليها، أي ما إذا كانت المحكمة تكتفي بالقول إن إسرائيل لا يجب مساعدتها على انتهاك القانون أو ما إذا كان ينبغي الضغط عليه، إشارة إلى العقوبات.
وقدر سفارد أن فرصة أن تدعو المحكمة الدول صراحةً إلى فرض عقوبات على إسرائيل منخفضة، موضحًا: "من المرجح أن تقول المحكمة شيئًا عامًا، مثل أنه يجب على الدول الضغط على إسرائيل لإنهاء الوضع غير القانوني". وقال: "هناك دول تلتزم أنظمتها القانونية بقرارات محكمة العدل الدولية".
وقال المحامي سفارد إن أولئك "الذين يتوقعون حدوث زلزال بين عشية وضحاها مخطئون"، مضيفًا أن "نظام العدالة الدولي أبطأ بكثير. إنه يعمل مثل موجة تتحرك ببطء شديد وتضرب تلك الأجزاء من العالم حيث الأنظمة القانونية ملتزمة بشدة بالقانون الدولي. هذه الفتوى، بالإضافة إلى قرارات المحكمة العليا في الأوامر المؤقتة الصادرة في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وأوامر الاعتقال إذا صدرت عن المحكمة الجنائية الدولية، كل هذا يشكل كتلة حرجة ستكون كبيرة جدًا، ثقيلة على إسرائيل والأنظمة القانونية الغربية".
وأشار إلى احتمال أن "يتم إحالة الرأي الاستشاري إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكن السؤال هنا هو كيف ستتصرف الولايات المتحدة وما إذا كانت ستستخدم حق النقض ضد مثل هذا الإجراء. وإذا دعت المحكمة دول العالم إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، فسيُسمح للدول بفرض العقوبات بنفسها".
بدورها، قالت الأستاذة كلية أونو الأكاديمية ومعهد الفكر الإسرائيلي: تمار هوستوفسكي براندز: "الرأي غير ملزم، من الناحية القانونية الرسمية، صحيح. الوضع الرسمي للرأي هو الوضع الاستشاري. ومع ذلك، فإن محكمة العدل الدولية هي الهيئة القضائية الأكثر أهمية في الساحة القانونية الدولية. ولذلك، فإن قرارها له وزن كبير فيما يتعلق بكيفية فهم الدول والهيئات الدولية للوضع القانوني، وفيما يتعلق بسلوكها بعد ذلك". مضيفة: حال صدور "قرار من المحكمة بأن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني وأنه يجب على الدول الامتناع عن الاعتراف به، فإنه يمكن أن يوفر قوة دافعة لفرض عقوبات من قبل الدول والهيئات الدولية ضد دولة إسرائيل، لتوسيع العقوبات المفروضة بالفعل على الكيانات والهيئات في المستوطنات".
#محكمة_العدل_الدولية تعلن موقفها اليوم من الاحتلال الإسرائيلي.. ماذا يعني القرار؟ وكيف سينعكس على الاحتلال؟ pic.twitter.com/C6RGsS2l3K
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) July 19, 2024
عقوبات قادمة؟
بدورها، قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "رغم أن الرأي غير ملزم ولن يجبر إسرائيل على الفور، إلا أن الحكم ضد إسرائيل من المرجح أن يؤدي إلى فرض عقوبات دولية أكبر على حركة الاستيطان".
وقال ناشطون في مجال حقوق الإنسان مطلعون على التفاصيل المقدمة للمحكمة، إن صدور قرار يقضي بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية سيشكل خطوة أخرى في النضال من أجل إنهاء الاحتلال، وخاصة على الساحة الدولية.
وأضافت "هآرتس": "رغم أن مثل هذا القرار لن يكون أكثر من مجرد نصيحة، فإنه من شأنه أن يزيد من الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل فيما يتصل بالمستوطنات. وقد يؤدي إلى فرض عقوبات أوسع نطاقًا على الأفراد والمنظمات المرتبطة بحركة الاستيطان".
ما هو التوقع الفلسطيني؟
السفير عمار حجازي، مساعد وزير الخارجية الفلسطيني للعلاقات متعددة الأطراف، قال لـ "الترا فلسطين": "من المتوقع أن تعلن المحكمة، أن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهذا يعني أنّ على إسرائيل كدولة احتلال مسؤولية إنهاء الاحتلال بالسرعة القصوى الممكنة".
وأضاف حجازي المتواجد حاليًا في لاهاي حيث مقرّ محكمة العدل الدولية: نتوقع أن يؤكد قرار المحكمة على كون الشعب الفلسطيني هو الوحيد صاحب السيادة على الأرض، و"هذه إعادة تأكيد مهمة".
وأشار إلى أنّ رأي المحكمة يعني اعتبار استمرار "إسرائيل" وإصرارها على احتلال الأرض يصل إلى درجة العدوان، وهذا يأتي في سياق فرض نظام فصل عنصري (أبارتهايد) على الأرض.
وحول ما يترتب على دول العالم بعد قرار محكمة العدل الدولية، قال إنّ هناك التزامات تترتب على الأطراف الثالثة أي الدول الأخرى، وهي أن تساهم في هذه العملية عبر عدم المشاركة لا من بعيد ولا من قريب في استمرار الاحتلال، ما يعني عدم تسليح إسرائيل، أو التعاون الاقتصادي معها، كما أنّ على هذه الدول أن تنفّذ سلسة إجراءات وعقوبات الضاغطة على "إسرائيل" كي تنصاع لقرار المحكمة.
أمّا مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين، فقال لـ "الترا فلسطين"، إن ما ستنظر به المحكمة الجمعة، هو سؤال قانوني لا سياسي، طرحته عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة. فالمحكمة لا تنظر في مسائل سياسية، وإنما هو رأي استشاري يتم ردّه إلى الجمعية العامة، وبالتالي جهة الطلب هي الجمعية العامة التي تمثّل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الرسمي.
وعن رأي المحكمة المنتظر، توقّع جبارين أن يكون القرار إيجابيًا وجيّدًا، وذلك لسبب بسيط، فهو يتصل بموضوع الآثار الناشئة عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وطبيعتها، وهذا هو السؤال الذي وُجِّه للمحكمة، والمحكمة قبلت بالموضوع بسبب اختصاصها فيه، والدول قدمت آراءها المختلفة، والمجتمع المدني قدّم رأيه بأشكال مختلفة، بالتالي سيكون الرأي الاستشاري وازنًا، وينظر في طبيعة هذا الاحتلال؛ لأنه احتلال غير عادي حسب القانون الدولي والتوجهات والقواعد المستقرّة للقانون الدولي.