12-أغسطس-2018

أنقاص مبنى مؤسسة سعيد المسحال في غزة بعد قصفه - تصوير علي جاد الله

يشعر معظم سكان "الإقليم" بحالة من الضياع والتآمر وفقدان البوصلة، هذا في ظل اللحظة التاريخية التي ظهرت فيها صورة قوى الاستعمار العالمي بوضوح منقطع النظير وبدون أي تجميل كاذب؛ خلافًا لما اعتدنا عليه طيلة سنوات الصراع السابقة. ولذلك اعتقدت قوى النظام العالمي أن باستطاعتها القفز خطوات كبيرة للأمام بسرعة فائقة، مستغلة فرصة قد لا تتكرر، بعد أن أخضعت إرادة جميع الأنظمة العربية والإسلامية بنخبها وأحزابها، حتى تلك التي كانت عنوانًا للقومية وبنت شرعيتها بادعائها دعمًا للمقاومة، حتى اتضح أن كل ماسبق لم يعدو كونه توزيعًا للأدوار بين مقاومة ووسطية محكومة بسقف النظام العالمي الظالم، الذي زرع إسرائيل باستعماله حق القوة دون اعتبار لقوة الحق التي شكلت شرعية النضال الفلسطيني والعالمي ضد هذا الظلم.

نحن مقبلون على موجة اغتيالات وحرب مدمرة، إسرائيل تستعد لها بعد أن أمَّنت جبهة الشمال وأخذت تهيئ الرأي العام العالمي والداخلي لتحمل خسائر مؤلمة

هذا الوجدان العالمي الذي مازال رافضًا بكل قوة لمصير الهنود الحمر، لا يزال يرفض مشاريع التسوية والإخضاع التي كانت آخرها "صفعه القرن" التي على الرغم من كل ما أُشيع حول رفض أنظمة "الإقليم" لها، إلا أنها لازالت تجهز أرضها وإمكاناتها لتمريرها. فسيناء أصبحت جاهزة، ومعارضة نظام الأردن أُسكتت بما حصل في الشهور السابقة، وسوريا والعراق لاتقويان على معارضتها بعد أن أعاد التحالف الإسرائيلي الروسي الأمريكي أنظمتها إلى سدة الحكم.

في غزة لازالت المعادلة مختلفة، فبين من يعتقد أنه يجب الانحناء أمام العاصفة خوفًا من مصير الرقة وحلب والموصل، لازال هناك من يقدم المبدأ ويعلي صوت الحق على المصالح والظروف المعيشية. في مرحلة سابقة، حاولت إسرائيل نزع السلاح ففشلت، لتتحول إلى استراتيجية تكبيل حامليه وتطويعهم انتظارًا لاستخدامهم كحرس حدود، كما حدث في جبهات الجولان والجنوب اللبناني! أما في رام الله، فقد ضاقت الخيارات وأُحرقت أوراق القوة ولم يتبقَّ منها سوى القليل، إلا أن موقف أبو مازن الرافض للصفقة أسال لُعاب البعض للتجربة والبحث عن من يقبل بها.

في العادة، فإن الداعمين يمتلكون القدرة على التأثير على حلفائهم، ورام الله وغزة ليست استثناء، تلك هي طبيعة الأنظمة والبشر. في غزة تأرجحت الأمور بين تصعيد وتهدئة، رافضين للتهدئة والمصالحة وداعمين لها، إلا أن الخيارات لم تحسم بعد، ولم تتضح تلك المعسكرات، حتى أن المتتبع لبواطن الأمور يدرك جيدًا أن هناك خيارين آخذان بالتبلور. تلك مرحلة تشبه ما كان يحصل في أواخر الانتفاضة الثانية، وقبل موافقة حماس على دخول الانتخابات والتخلي عن العمليات الاستشهادية كخيار استراتيجي، والدخول كفصيل يسعى لأخذ دوره ضمن النظام العالمي.

في إسرائيل حدثوا قواعد البيانات، وأكاد أجزم أنهم أصبحوا على دراية شبه كاملة في من هم الذين يقفون فعليًا أمام مشروع التهدئة كمرحلة أولى لبدء تنفيذ "صفقة القرن". الحوار الدائر منذ شهور وكذا جولات التصعيد والاجتماعات مع المصريين والأمم المتحدة، أعطت إسرائيل تقدير موقف واضح بأنه لا بد من التخلص من تلك الرؤوس قتلاً بعد أن فشلت التهديدات والترغيب في تغيير وجهة نظرهم، ليتمكن من يبقى بعدهم من أخذ القرار في قبول التهدئة، وحينها يتقبل الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي تلك التنازلات التي ستكون ضرورية لإنهاء الحرب القادمة .

للأسف، نحن مقبلون على موجة اغتيالات وحرب مدمرة، إسرائيل تستعد لها بعد أن أمَّنت جبهة الشمال وأخذت تهيئ الرأي العام العالمي والداخلي لتحمل خسائر مؤلمة في تلك الحرب. هذه الحملة المدروسة التي تتهم حكومة الاحتلال ونتياهو بالخوف والجبن، تهدف لخلق ردة فعل عكسية، وما منع إسرائيل من تنفيذ هذا المخطط في الجولة الأخيرة هو غياب عنصر المفاجأة فقط.

الإسرائيليون الآن بصدد عملية خداع استراتيجي وتهيئة ميدانية وعملياتية للميدان، وللأسف المسألة وقت ليس إلا، والتضحيات قادمة، لكن المسألة تسير عكس مايرغبون هم، ولذلك فهم مجبرون على السير نحو "وعد الآخرة".

لهذا الشعب من البشريات والإيمان والعقيدة ما يجعله قادرًا دائمًا على المواجهة تحت أصعب الظروف. لسنا هنودًا حُمْر.


اقرأ/ي أيضًا:

تلميح إسرائيلي بالعودة إلى الاغتيالات

بن كسبيت يكتب عن التفاوض مع حماس تحت النار

الجنود الأسرى يعرقلون اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل