فجأة ودون سابق إنذار، عادت بعض وسائل الإعلام اللبنانية إلى العزف على لحن التهويل من خطورة المخيمات الفلسطينية، وضخ كميات كبيرة من المعلومات "الأمنية" حول مخططات جهنمية تستهدف كل لبنان انطلاقًا من التجمعات الفلسطينية حصرًا.
البعض يعمل بشكل حثيث على استهداف وجود وأمن الفلسطينيين في لبنان والتحريض عليهم، ضمن الحملة التحريضية على اللاجئين ككل
المنابر "الإعلامية" المعروفة أصلًا بتحريضها المتواصل على الوجود الفلسطيني وبث الشائعات المختلفة حول المخيمات، بدأت حملة ممنهجة قبل أيام لتقليب الرأي العام ضد اللاجئين، عبر وسائل إعلام مرئية وأخرى مكتوبة تتحدث عن مخطط يستهدف الاستقرار اللبناني انطلاقًا من مخيم عين الحلوة جنوب لبنان.
اقرأ/ي أيضًا: للعنصرية أيضًا بيئتها الحاضنة في لبنان
المقالات "العنصرية" تُظهر بوضوح مستوى التحريض العالي على اللاجئ الفلسطيني، وجميعها تستند إلى "أوساط ضليعة في عالم الأمن"، و"مصادر أمنية" وهي مصادر معلومات غالبًا ما تكون من نسج الخيال لا سيما أن الصحافي في لبنان يتمتع بحق عدم الإفصاح عن مصادر معلوماته. ويهدف بعض الصحفيين من خلال بث هذه الإشاعات إما تنفيذ أجندات سياسية معينة، وإما زيادة نسبة المتابعين بأسوأ الأحوال.
ولعل قراءة مقتطفات سريعة من بعض المواد المنشورة يظهر جليًا كيف يمكن لوسائل الاعلام أن تتحول منبرًا مأجورًا بعيدًا عن أخلاقيات ومهنية الصحافة المفترضة.
فعلى سبيل المثال، جاء في مقال إسكندر شاهين في جريدة الديار أن "الطبق الرئيسي الذي يعده «داعش» ومشتقاته فيتمثل بالدور الذي يتم الإعداد له في «مخيم عين الحلوة» وفق أوساط ضليعة في عالم وعلم الأمن وأن استهداف القاع والسيطرة الفعلية للفصيلين التكفيريين على بلدة عرسال تبقى في خانة توجيه الأنظار ناحيتهما للتمويه على الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه التكفيريون".
أما جريدة الجمهورية فقد قالت إن "الأخطر في هذا السياق، هو التحضيرات الإرهابية للإطباق على بعض المناطق، وسعيُ تلك المجموعات لسيطرة كلّ مِن تنظيم "داعش" على مخيّم عين الحلوة، بإمرة المدعو عماد ياسين، وجبهة "النصرة" بإمرة المدعو هيثم الشعبي".
اقرأ/ي أيضًا: الجدول الزمني لصعود وهبوط الانقلاب في تركيا
ما يخطط له العقل الجهنمي الداعشي الممسك بالملف اللبناني سيكون نسخة عراقية عبر المخيمات الفلسطينية وفي طليعتها «عين الحلوة» المتخم بالتكفيريين الذين توحدوا تحت راية «الشباب المسلم» الذي يضم مشتقات «القاعدة» من «جند الشام» إلى «فتح الإسلام» ناهيك بالوافدين من عرب وأجانب وفي طليعتها النازحون الفلسطينيون من مخيم اليرموك الدمشقي الذي يتقاسم «داعش» و«النصرة» السيطرة عليه إضافة إلى مجموعة مصرية تابعة «لولاية سيناء» التي بايعت «داعش» وسبق للأجهزة الأمنية أنها كشفت خطة لهذه المجموعة لخطف أطباء مصريين يعملون في المستشفى الميداني المصري في بيروت انطلاقا من مخيم شاتيلا وفق المعلومات".
ما تم نشره هو غيض من فيض المعلومات الكثيرة والتي تحمل صفة الاتهام المباشر لتجمعات فقيرة تضم أكثر من مائتي ألف لاجئ فلسطيني وسوري وأجانب، إلا أن الغريب هو تبرئة من كتبوا هذه المقالات لجميع الأطراف داخل وخارج لبنان من أي تهم لزعزعة الأمن وإلصاقها حصرًا باللاجئ الفلسطيني!
لماذا لم يطرح هذا الصحفي "المهني" أو ذاك تساؤلًا حول كيفية دخول المجموعة المصرية المزعومة والتابعة لداعش إلى الأراضي اللبنانية دون أن يتم اكتشاف أمرها على الحدود؟ وكيف دخلت إلى المخيمات التي بأغلبها محاصرة بالحواجز الأمنية؟
هذا كله طبعًا إذا افترضنا جدلًا أن هذه المعلومة صحيحة، فهل من العدل أن يتحمل المخيم تبعات الفلتان الأمني على كامل الأراضي اللبنانية؟ وهل الهجمات الإرهابية التي ضربت لبنان سواء في البحصاص وطرابلس (شمال) أو عبرا (جنوبا) أو القاع وعرسال (شرق) أو تفجيرات بيروت (غرب) وغيرها الكثير الكثير من العمليات جميعًا مرتبطة بالمخيمات الفلسطينية؟
بالمحصلة، مما لا شك فيه أن البعض يعمل بشكل حثيث على استهداف وجود وأمن الفلسطينيين في لبنان والتحريض عليهم وهو أمر لم يعد خافيًا على أحد، خاصة أن من يرفع فزّاعة المخيمات هو نفسه المعروف بمواقفه المناهضة لكل ما هو غير لبناني!
اقرأ/ي أيضًا: