14-يونيو-2024
مستشفى الأقصى "يلفظ أنفاسه" والجرحى يفترشون الممرات

مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بات الوحيد لنحو مليون شخص

أطلقت صرخة سمعها من تواجدوا في أروقة مستشفى شهداء الأقصى، ثم ركضت باتجاه الأطباء، مطالبةً إيّاهم بتفقّد جروح زوجها الأصمّ، التي بدأت بالتعفّن. فمنذ خمسة أيام تبحث إسلام مصلح زوجة الجريح أحمد مصلح عن سرير لزوجها في أحد أقسام "مستشفى شهداء الأقصى" في دير البلح، دون أن تنجح، وذلك بعد إصابته في مجزرة إسرائيلية راح ضحيتها 40 شهيدًا إثر استهداف مدرسة تابعة للأونروا في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

تفيض أروقة وأقسام مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بالمصابين والمرضى، الذين يفترشون الممرات والمداخل وحتى الساحات، لعدم وجود أسرّة أو أماكن فارغة، في ظل سيل من الإصابات والمرضى

وتفيض أروقة وأقسام مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح بالمصابين والمرضى، الذين يفترشون الممرات والمداخل وحتى الساحات، لعدم وجود أسرّة أو أماكن فارغة، في ظل سيل من الإصابات والمرضى الذين يتواردون على المستشفى الوحيد في المحافظة الوسطى، والذي بات يستوعب أكثر من أربعة أضعاف قدرته السريرية، بعد موجة النزوح من رفح باتّجاه المنطقة الوسطى.

تفيض أروقة وممرات مستشفى شهداء الأقصى بالجرحى والمرضى.jpeg
تفيض أروقة وممرات مستشفى شهداء الأقصى بالجرحى والمرضى

ولا تخلوا ممرّات وسلالم الصعود في "مستشفى شهداء الأقصى" من حركة المرضى وذويهم والطواقم الطبية فيما يشبه تظاهرة حاشدة ليس لها نهاية، إلى الدرجة التي تجعل الحركة الطبيعية للفرد صعبة.

تقول الشابة إسلام مصلح لـ "الترا فلسطين": عندما تم نقل زوجي إلى ’مستشفى الأقصى’ لم نجد له متسعًا سوى في خيمة مصنوعة من النايلون في ساحة المستشفى، رغم حاجته الماسّة إلى عملية جراحية، قبل أن يحالفني الحظ وأقوم بنقله إلى سرير يتناوب عليه مع مصاب آخر داخل أحد الممرات هربًا من الحر الشديد والذباب.

إسلام مصلح مع زوجها داخل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح
إسلام مصلح مع زوجها داخل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح

وتضيف إسلام مصلح: بعد خمسة أيام من إصابة زوجي كان من المقرر أن يغيّر له الأطباء ضمادات جروحه، إلّا أن وقوع مجزرة النصيرات في ذلك اليوم أشغل الأطباء عن ذلك، وأثناء تفقدي لجروحه بعد تكرر شكواه لاحظت خروج دود أبيض صغير من جروحه، مع رائحة عفن كريهة، ما أصابني بالفزع.

وإلى حين توفّر سرير طبي ومتّسع في غرف العمليات الخمسة العاملة على مدار الساعة في المستشفى، على المصاب مصلح (41 عامًا) أن يبقى ممدًا في أحد ممرات المستشفى، كحال عدد كبير من المرضى والمصابين.

مرضى على الأرض

المصاب مصلح، لم يكن أفضل حالًا من المصاب إبراهيم القصاص (39 عامًا) والذي لم يجد هو الآخر متسعًا لحمّالة الإسعاف والتي وضعت بداخلها فرشة غير طبية تمدد عليها أمام بوابة أحد مصاعد الكهرباء المتعطلة داخل أروقة المستشفى.

المصاب إبراهيم القصاص
المصاب إبراهيم القصاص

 

وأصيب القصاص النازح من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بجروح صعبة في قدميه، في ذات المجزرة التي أصيب فيها الشاب مصلح، ومنذ ذلك الحين لم يتمكن من تغيير ملابسه التي أصيب بها والتي والملطخة ببقع الدماء، والثقوب جراء شظايا القذائف الإسرائيلية التي انهالت على المدرسة.

المصاب إبراهيم القصاص بحاجّة ماسّة لعملية جراحية في قدمه اليمنى
المصاب إبراهيم القصاص بحاجّة ماسّة لعملية جراحية في قدمه اليمنى

 

يقول القصاص الأب لستة أطفال لـ "الترا فلسطين" إنه بحاجة ماسّة لعملية جراحية في قدمه اليمنى إلا أن الأطباء أخبروه بأنهم غير قادرين على إجرائها الآن، لأن فترة التشافي التي تتبع العملية تتطلب توفّر سرير طبي وغرفة داخل القسم.

المعبر مغلق

وفي أحد ممرات مبنى الجراحة في "مستشفى الأقصى" وجد المصاب عادل أبو سعيد (45 عامًا) والمصاب ببتر في قدمه اليمنى وجروح في قدمه الأخرى، فرصة للراحة على سرير طبي بعد أربعة أشهر من التنقل بين ساحات وممرات المستشفى.

 المصاب عادل أبو سعيد
المصاب عادل أبو سعيد

 

يقول أبو سعيد لـ "الترا فلسطين" إنه أصيب ببتر في قدمه بعد استهدافه بقذيفتين أثناء توجهه لتفقّد منزله المدمر شرق مخيم المغازي وسط قطاع غزة، وقد بقي ينزف لثلاث ساعات قبل أن يعود حصانه إلى مكان نزوح العائلة، والعودة إلى مكان إصابته مرة ثانية برفقة شقيقيه.

ويثني أبو سعيد على جهود الطواقم في تقديم الخدمات الطبية، مشيرًا إلى أن نقص الطواقم والمعدات الطبية هي السبب وراء تأخُّر تقديم الخدمة الطبية الكاملة والمناسبة لحالته.

ويأمل 

إعادة فتح معبر رفح وانسحاب آليات الاحتلال منه حتى يتمكّن من السفر خارج قطاع غزة لإكمال رحلته العلاجية وتركيب طرف صناعي يمكّنه من العودة لممارسة حياته من جديد.

مستشفى لمليون نسمة

ويؤكد خليل الدقران المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى أن المستشفى هو الوحيد في المحافظة الوسطى، وبات يقدّم الخدمة الصحية لحوالي مليون نسمة، بعد ازدياد أعداد النازحين الى المحافظة إثر اجتياح دبابات الاحتلال لمدينة رفح.

 

مستشفى شهداء الأقصى.. مستشفى لمليون نسمة.jpeg
مستشفى شهداء الأقصى.. مستشفى لمليون نسمة.

 

ويقول الدقران في حديث لـ "الترا فلسطين" إن قوات الاحتلال ارتكبت خلال الأيام الماضية عددًا من المجازر في المحافظة الوسطى، آخرها مجزرة مدرسة الأونروا ومجزرة سوق النصيرات الأخيرة والتي راح ضحيتها 274 شهيدًا 698 مصابًا، الأمر الذي اضطر إدارة المستشفى إلى تنويم المرضى في الممرات والساحات الخارجية وعلى الأرض في قسم الاستقبال.

أعداد المصابين التي وصلت مستشفى شهداء الأقصى مع الأعداد السابقة فاقت القدرة السريرية بأكثر من 4 أضعاف 

ويوضح الدقران أن عدد الإصابات الكبير شكّل ضغطًا كبيرًا على المستشفى، خاصة أن إدارته لم تتمكن من تحويل بعض الإصابات إلى مستشفيات خارج المحافظة الوسطى بسبب أن غالبية المستشفيات في خانيونس مكتظة أو أخرجها الاحتلال عن الخدمة.

غرف عمليات ومولّد الكهرباء

ويشير الدقران إلى أن غرف العمليات الخمسة في مستشفى الأقصى تعمل على مدار الساعة منذ بداية العدوان، ويقول إنّ عددًا من المصابين في المجازر الأخيرة فارقوا الحياة بسبب الاكتظاظ.

وأعرب الدقران عن أسفه من تعطّل أحد المولدين الذين يعتمد عليهما المستشفى في توفير التيار الكهربائي، مبديًا خشيته من تعطّل المولد الثاني في ظل تشغيله لعدد كبير من الساعات.

مستشفى شهداء الأقصى.. مدخل الطوارئ
مستشفى شهداء الأقصى.. مدخل الطوارئ.

وتابع، إذا توقف المولد الثاني ستكون هناك كارثة صحية داخل المستشفى، وسيفارق عدد كبير من المرضى الحياة، خاصة أننا نعتمد اعتمادًا كليًا على مولد الكهرباء في أقسام العناية المكثفة والكلية الصناعية والحضانة وغرف العمليات والاستقبال.

تقليص جلسات الغسيل

ويبيّن الدقران أن هناك نقصًا كبيرًا في أجهزة الكلية الصناعية، خاصة أن المرضى الموجودين في المستشفى ازداد عددهم لأكثر من أربعة أضعاف، فكان العدد قبل العدوان 150 مريضًا والآن يفوق العدد 600 مريض.

ويتابع: اضطررنا لتقليص عمليات غسيل الكلى من 4 ساعات إلى ساعتين فقط، وبدلًا من 3 عمليات غسيل أسبوعيًا الى مرتين، مردفًا: "هذا يشكل خطر كبير على حياتهم، و للأسف عدد كبير منهم فارق الحياة".

نقص المعدات

ويوضح أن المستشفى لا يوجد بداخله جهاز رنين مغنطيسي، كما أنّ جهاز الـ CT (التصوير المقطعي) قد تعطّل، إضافة إلى الحاجة الماسّة إلى عدد كبير من أجهزة التنفس الصناعي اللازمة في غرف العناية المكثفة.

ويشير إلى أن المستشفى يفتقر إلى بعض الأجهزة اللازمة في غرف العمليات لتثبيت الكسور الداخلية والخارجية، وأجهزة تثبيت كسور العمود الفقري، إذ يقوم الأطباء بعمليات تثبيت للكسور بشكل بدائي.

العلاج بالخارج

ويوجد في قطاع غزة 12 ألف مصاب بحاجة ماسّة إلى العلاج في الخارج، إضافة إلى 10 آلاف مريض سرطان لا تتوفر الخدمة الصحية المناسبة لحالتهم.

وناشد الدقران المجتمع الدولي للتدخل لإعادة فتح معبر رفح البري من أجل سفر هؤلاء المرضى الذين فارق عدد كبير منهم الحياة، بسبب الانتظار وعدم وجود أدوية كافية تنقذ حياتهم.