"ما يحدث في الضفة الغربية لا يبقى في الضفة الغربية"، من هذه النقطة وما حولها، ينطلق الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ليستعرض الواقع الاستيطانيّ الذي يحاول فرضه زعيم "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموترتيش، مستغلًا موقعه كوزير للمالية، ومسؤول عن "الإدارة المدنية" داخل وزارة الجيش.
يعمل سموتريتش بإصرار، يُقرّب غلاة المستوطنين منه، ويضعهم في مواقع رسمية لمحاربة الفلسطينيين أكثر، ويُفسح لهم المجال لتنفيذ ما يعتنقون من أفكار "إرهابية إقصائية"، ويعلن صباح مساء عن أهدافه بلا مواربة: أسعى لانهيار السلطة الفلسطينية، ومنع إقامة دولة فلسطينية، وفرض إجراءات قاهرة على الفلسطينيين الذين يعيشون بين النهر والبحر.
في السطور التالية، يترجم الترا فلسطين مقال ناحوم برنياع، الذي حمل عنوان: "الضمّ الفعليّ: هكذا سيطر سموتريتش على الحياة المدنيّة خارج الخط الأخضر":
قبل بضعة أسابيع، التقيتُ أحد قادة المستوطنين في الضفة الغربية، وهو عضو في حزب الليكود. سألته عن تقييمه للوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يعتبران المشروع الاستيطاني جزءًا أساسيًا من أجندتهما. أجاب قائلًا: "يا رجل، أشعرُ بخيبة أمل. كل ما يقدّمه مجرّد كلام. في الواقع أنا راضٍ تمامًا عن سموتريتش".
كرر بتسلئيل سموتريتش القول أكثر من مرّة أنّ مهمة حياته تتلخّص في إحباط إمكانية قيام دولة فلسطينية
يثير هذا الرأي جدلًا حول مدى فعّالية إيتمار بن غفير. لكن المؤكد أن الإشادة بسموتريتش كانت في محلّها. خلال الأشهر العشرين من عمر الحكومة الحالية، أحدث سموتريتش تغييرات جذرية في وضع اليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية. وفي الوقت الذي تُركّز العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام على العمليات العسكرية فإن التحوّل التاريخي الحقيقي يحدث خلف الكواليس، ويتم ترجمته إلى واقع ملموس.
وفقًا للقانون (الإسرائيلي) الجيش هو الجهة صاحبة السيادة [في الضفة]. ومع ذلك، فإن السلطة الفعلية في الضفة الغربية انتقلت إلى مجموعة سياسيّة متطرّفة، قامت بالتمرد على سياسة رجل واحد وتقدّمت وفقًا لخطة مسيانية (المجموعة التي تؤمن بقدوم المسيح كمُخلِّص)، حيث يتبنى رئيس الحكومة إمّا دعمها أو عدم التدخل، والتي تتقدم بمقاومة ضعيفة من الجيش الإسرائيلي.
سيطر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش على الضفة الغربية عبر استراتيجية مُحكمة: الذراع الأولى هي سلطاته كوزير للمالية، والذراع الثانية هي سلطاته كوزير للجيش، وهدفه المحدد منذ عام 2017 لم يتغيّر: انهيار السلطة الفلسطينية، ومنع قيام دولة فلسطينية، وفرض 3 خيارات على 7 ملايين عربي يعيشون بين نهر الأردن والبحر المتوسط: إمّا الموت في المعركة، أو الهجرة إلى الخارج، أو البقاء كمواطنين من الدرجة الثانية.
تتمثّل المهمة المباشرة في تفكيك السلطة الفلسطينية، وطرد السكان من المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وخلق واقع على الأرض يمنع أي احتمال للتقسيم الجغرافي. وبصفته وزيرًا المالية، يقوم سموتريتش بتجميد أو تأخير أو منع تحويل أموال الضرائب التي تجمعها "إسرائيل" لصالح السلطة الفلسطينية، ما يقلّص قدرتها على دفع رواتب موظفيها، بما في ذلك قواتها الأمنية التي تقاتل (الإرهاب). وبسبب الأزمات المالية، تدفع السلطة الفلسطينية حاليًا نسبًا من رواتب موظفيها.
ثمّة طريقة أخرى متطوِّرة اخترعها القضاء التابع لسموتريتش لإفقار السلطة الفلسطينية "القسم ب من قانون تعويض ضحايا الإرهاب"، الذي صادق عليه الكنيست بناءً على طلب وزير العدل ياريف ليفين ورئيس اللجنة الدستورية سيمحا روثمان، والذي ينص على خصم 5 ملايين شيقل من أموال السلطة الفلسطينية تحت بند "مكافأة الإرهاب"، وهذا الإجراء يعتبر مضللًا، حيث يتم بموجبه خصم الأموال من صناديق الضرائب التابعة للسلطة الفلسطينية بسبب عمليّات فلسطينيّة.
مصدر رئيس آخر لحصول السُّكان الفلسطينيين على المال هو العمل في "إسرائيل"، وهذا تم تجميده بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر. جهاز الشاباك الذي كان قلِقًا من أنّ الأزمة الاقتصادية قد تؤدي لتعاظم العمليّات الفلسطينيّة ضدّ أهداف إسرائيليّة، أعدّ خطة لدخول بعض العمال إلى "إسرائيل" لشغل وظائف دائمة، لكن تحت ضغط من سموتريتش وعدد من المحيطين به، تم رفض الخطة. وبالتالي، يعتمد السكان الآن على مساعدات خارجية، بما في ذلك أموال تُهرِّبُها إيران إلى حماس والجهاد.
في وزارة الجيش، أسس بتسلئيل سموتريتش امبراطوريّته الخاصة، وعيّن المقرّبين منه بهدف تكدير حياة الفلسطينيين واقتلاعهم
في وزارة الجيش، أسس بتسلئيل سموتريتش امبراطوريّته الخاصة في الطابق الخامس عشر من المكتب، حيث عيّن هليل روث كمدير تنفيذي، وهو الذي كان من سكان مستوطنة يتسهار (جنوب نابلس) والآن يسكن مستوطنة ربابا (غرب سلفيت، وبالقرب من قرية دير استيا). إنّ تعيين سموتريتش لروث هو تعيين شخصي وسياسي، ولديه لقب مضلل كـ "نائب رئيس الإدارة المدنية للشؤون المدنية".
البروفيسور دان ترنر من مستوطنة كفار أدوميم، أرسل لي قبل عشرة أيام رسالة طويلة سمح لي بنشرها، أشار فيها إلى أنه في سياق إقامة بؤرة استيطانية جديدة على بعد 300 متر من الخان الأحمر، هناك عمليات واسعة النطاق تحدث في الضفة الغربية. وقد أعطت الحكومة سموتريتش صلاحيّات كبرى لتنفيذ خطّته بسرعة، والتي تشمل الضم الفعلي، وطرد الفلسطينيين من المنطقة (ج)، وقد تم تفويض جميع صلاحيات رئيس الإدارة المدنية إلى هليل روث، الذي يتبع فعليًا لإدارة الاستيطان في مكتب سموتريتش بوزارة الجيش.
كما أن تعيينات مدراء الأقسام في "الإدارة المدنية" والتي من المفترض أن تكون مهنية، تم ملؤها تدريجيًا بأفراد من الحزب. ومؤخرًا تم تعيين أحد سكان مستوطنة ربابا، الذي كان مهندسًا في المجلس الاستيطاني لشمال الضفة الغربية الإقليمي شمرون، في منصب مدير مكتب التخطيط في الإدارة المدنية، وتم إعفاء المستشار القانوني للهيئة من منصبه، وتعيين أكثر من 20 محاميًا جديدًا لتنفيذ سياسة الضمّ الفعلي وتهويد الضفة الغربية.
الصحفي الإسرائيلي ناحوم برنياع: كُلّ شيء يُدار من طرف سموتريتش ورجالاته
في "الإدارة المدنية" حاليًا ليس هُنا حرّاس بوابات، ولا توجد رتبة مهنية، ولا يوجد الجيش، كل شيء يدار من خلال كيانات مدنية وسياسية، وكان منح مسؤولية تقديم الخدمات لجهات مدنية إحدى وسائل سموتريتش ورجاله لتحرير أنفسهم من سيطرة الجيش الإسرائيلي، والسعي إلى الضمّ الفعلي. أنا شخصيًا ليس لديّ مشكلة مع الضم، طالما يتمتّع الجميع بحقوق متساوية وفرص متساوية. هذا ليس هو الحال. في آخر عام ونصف لم يتم إصدار أي ترخيص بناء لـ 300,000 فلسطيني يعيشون في المنطقة (ج) ولم تكن هناك تصاريح بناء. وفي الوقت نفسه، يتم تنفيذ عمليات الهدم بشكل روتيني، بما في ذلك الصهاريج والمدارس. ويتم التنفيذ بشكل سريع وانتقائي.
وعند الحديث عن الشرطة الإسرائيلية فإنّها تتصرّف بروح إيتمار بن غفير، بحيث يتم تجنّب وقف الإرهاب اليهودي، وغالبًا ما يتم إطلاق سراح المعتقلين الإسرائيليين على الفور. ولا يتردد بن غفير بالتدخل في كل تفاصيل عمل الشرطة، وهذا هو الضمُّ الفعلي بتحويل المسؤولية عن تقديم الخدمات لسيطرة حزب يتمتّع بالحقوق المدنية لليهود فقط. وأتساءل عما إذا كانت هذه هي تعاليم الديانة اليهودية، أو إذا كانت هذه هي قيم الصهيونية. الأمر المؤكد هو أن ذلك لن يساعد المناقشات ضدّنا في لاهاي.
الإدارة الأميركية مهتمة بالتغييرات في الضفة الغربية بقدر قلقها على الجمود في غزة
سمعتُ أشياء مماثلة الأسبوع الماضي من مسؤولين في المنظومة. القلق هناك هو تأثير سيطرة الكاهانية في الضفة الغربية على صعود الإرهاب. والقلق الآخر هو الحكم الصارم الذي أصدرته المحاكم في لاهاي. ليس من المؤكد أنّ سؤال أي لجنة ستحقق في إخفاقات 7 تشرين الأول/أكتوبر هو الذي يوجّه بقية القضاة هناك، لكن ما يشبه الفصل العنصري ومصادرة وضم الضفة الغربية يثير اهتمامهم الكبير. ويبدو أنه سبب مناسب لإصدار أوامر اعتقال بحق وزراء في الحكومة الحالية، وربما حتى على رئيس الحكومة. إن الإدارة الأميركية مهتمة بالتغييرات في الضفة الغربية بقدر قلقها على الجمود في غزة، وما يحدث في الضفة الغربية لا يبقى في الضفة الغربية.
ومؤخرًا، كتب بتسلئيل سموتريتش في منشور على منصّة "اكس": "إلى أي مدى يجب أن يكون المرء منفصلًا عن الواقع؟ ليستمرّ حتى بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر في دعم إقامة ’دولة إرهابية’ (يقصد دولة فلسطينية) في قلب البلاد ومهاجمة أولئك الذين يعملون على منعها؟ إنه منفصل عن واقعه. خصوصًا بعد الهجوم الذي قُتل فيه ثلاثة يهود. إن مهمّة حياتي هي بناء أرض إسرائيل وإحباط إقامة دولة فلسطينية من شأنها أن تعرّض دولة إسرائيل للخطر. إنها ليست دوافع سياسية حزبية. إنها وطنية وجودية، ولهذا السبب أخذت على عاتقي، بالإضافة إلى منصب وزير المالية، تولي مسؤولية القضايا المدنية في الضفة الغربية".
وكتب سموتريتش في منشوره أيضًا: "سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتّع نصف مليون مستوطن يتواجدون على خطّ المواجهة وتحت النار بحقوق كل مواطن في إسرائيل، وتكريس الحقائق على الأرض التي تمنع قيام كيان فلسطيني إرهابي لا سمح الله، سيكون قاعدة أمامية إيرانية للمجزرة القادمة في كفار سابا ورعنانا ووسط البلاد بأكمله".