بخلاف ما جرت عليه العادة من هجمات إرهابيّة عشوائية يشنّها المستوطنون على القرى الفلسطينية في الضفة الغربيّة، فإن شهادات أهالي "جيت" شرق قلقيلية تشير إلى أن عشرات المستوطنين المدرّبين والمنظّمين هُم من هاجموا القرية مساء الخميس، ونفّذوا فيها أعمال حرق وتخريب استمرّت 4 ساعات، في وانته باستشهاد شاب، وسط حماية وتواطؤ من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي.
لم يكن هجوم المستوطنين الأخير على قرية جيت شرق قلقيلية ردّ فعل على عمليّة للمقاومة كما حدث في الهجمات على حوارة والمغيّر ودوما وقصرة وترمسعيا
وشكّل هجوم المستوطنين على بلدة حوارة جنوب نابلس يوم 27 شباط/ فبراير 2023 نقلة نوعية، من حيث شروع المستوطنين بالهجمات الجماعية على القرى والبلدات الفلسطينية، حيث كانت الاعتداءات قبل ذلك، سريعة خاطفة وبأعداد محدودة تقوم على الحرق والتكسير وإطلاق النار أو السرقة، ثم الفرار سريعًا.
الرابط المشترك بين الهجمات الجماعية التي تلت هجوم حوارة الكبير وما شهدته قرى وبلدات ترمسعيا ودوما والمغير وقصرة وبرقة وغيرها من البلدات، أنّها كانت ردّات فعل عشوائية وعنيفة بعد عمليات فدائية، أو اعتداءات فردية على فلسطينيين على أطراف البلدات، سرعان ما تتطور عبر حشد المستوطنين لأنفسهم من خلال مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي، غير أنّ هجوم "جيت" الأخير كان مختلفًا.
نحو 100 مستوطن مُقنّعي الوجوه، ويرتدون زيًا أسود، وبخطّة مدروسة هاجموا قرية جيت شمال شرق قلقيلية مساء الخميس (15 آب/ أغسطس 2024) عند الساعة 7:40 دقيقة، بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، وليس ردّ فعل مباشر على حدثٍ ما .
الهجوم شنّه نحو 100 مستوطن كانوا مقنّعي الوجوه، ويرتدون زيًا أسود، وتقسّموا على مجموعات
أسفر هجوم المستوطنين الإرهابيّ عن استشهاد الشاب رشيد السدة وإصابة آخر بجراح خطيرة، وحرق منزلين و3 مركبات، إضافة لعشرات الإصابات بالرضوض والكسور والاختناق، خلال محاولة أهالي القرية صدّ هجوم المستوطنين المسلّحين.
يروي الشاب حسن عرمان لـ"الترا فلسطين"، أنه كان مع صديقيه يتسامرون أمام منزلهم، وإذا بعشرات المستوطنين يتقدّمون نحوهم، يرتدون الزي الأسود ويضعون الأقنعة على وجوههم، ومعهم كلّ أنواع الأسلحة، من هراوات وعلب غاز فلفل وأسلحة نارية وحجارة وعبوات بنزين للحرق.
في تلك اللحظة، تفرّق الأصدقاء الثلاثة، ذهب سارع إلى الحقول، وآخر هرول باتجاه الشارع، وبقي حسن (30 عامًا) على سطح المنزل. شرع عدد من الشبّان برشق المستوطنين بالحجارة في محاولة لصدّهم، غير أن المستوطنين المسلّحين تمكنوا من تحطيم زجاج إحدى المركبات المركونة أمام المنزل، سكبوا البنزين داخلها، وهبّت النار.
بعد ذلك، حاول المستوطنون اقتحام المنزل وتحطيم سيارتين في فناء المنزل الذي بداخله نساء وأطفال، إلا أنّ الشبّان تمكنوا من طردهم، واستمر الهجوم ومحاولات التصدي ورميهم بالحجارة لنحو نصف ساعة أخرى، حتى بدأ أهالي القرية بالتوافد، ونجحوا بإجبار المستوطنين على التراجع.
يقول حسن عرمان في روايته لـ الترا فلسطين إنّ المستوطنين توجّهوا نحو حارة ثانية في القرية وأحرقوا منزلًا، وحاولوا حرق آخر، كما أحرقوا مركبتين، واشتدّت المواجهات أثناء ذلك.
ومع هبوط الليل تفرّق المستوطنون بين أشجار الزيتون وبدأوا إطلاق النار على الشبّان، وهو ما أدى لاستشهاد الشاب رشيد وإصابة شاب آخر، وكان الغاز المسيل للدموع يصيب آخرين بالاختناق.
لا يمكن أن يكون هذا العدد الكبير من المستوطنين الذين شنّوا الهجوم من مستوطنة "حفات جلعاد" القريبة
المستوطنة الأقرب لقرية جيت شرق قلقيلية هي مستوطنة "حفات جلعاد". ويقول الشاب عرمان إنّ هذا العدد الكبير من المستوطنين المدرّبين لا يمكن أن يكون من مستوطنة واحدة فقط، ويتوقع أن يكون تم جمع هذا العدد من مستوطني تنظيم "فتية التلال" الإرهابيّ من أكثر من مستوطنة.
اللافت بحسب عرمان، أنّ المستوطنين اقتحموا القرية وهم يعرفون ماذا يريدون. موضحًا أن المستوطنين توزّعوا على مجموعات، واحدة للحرق، وأخرى لرشق الحجارة، ومجموعة ثالثة لاقتحام المنازل، وثمّة مجموعة أخرى تطلق الرصاص وتوفّر التغطية على بقيّة المجموعات "من كان يحطّم الزجاج لا يحرق، ومن يحرق لا يحمل الحجارة، والمسلّح يغطي عليهم بالرصاص" يروي حسن.
بالتوازي مع هجوم المستوطنين، أغلق جيش الاحتلال مدخل القرية ومنع دخول الإسعاف والدفاع المدني لنحو ساعة ونصف، وأفسح المجال للمستوطنين لإكمال مهمّتهم، ودخل القرية بعد انتهاء الهجوم.
هجوم منظّم وليس كسابقاته
يؤكد رئيس مجلس قروي جيت ناصر السدة على ما تقدم به "حسن"، بأن هجوم المستوطنين كان منظّمًا، ورُتّب له بشكل مسبق، وليس عشوائيًا، يتبعه الهروب كما في هجمات مماثلة سابقًا.
ويقول في حديثه لـ الترا فلسطين إن المستوطنين كان معهم كُلُّ أدوات الاعتداء من أسلحة نارية وغاز ومواد حارقة وعصيّ حتى الحجارة كانت محمولة على أكتافهم في شنطات خاصة (حرجاية)، ويشدد على أنّ جيش الاحتلال أفسح المجال للمستوطنين لتنفيذ هجومهم.
وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن تحقيق الاحتلال الأوليّ، يقول إن "جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي وقفوا مكتوفي الأيدي بينما هاجم المستوطنون اليهود قرية جيت وأحرقوا المباني والمركبات وهاجموا السكان".
ووفق نتائج تحقيق جيش الاحتلال، فإن أفراد فرقة أمن بؤرة "حفات جلعاد" الاستيطانية كانوا حاضرين أيضًا أثناء الهجوم الذي وقع في جيت، بالإضافة إلى جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير إن الجنود "لم يفعلوا أي شيء لوقف المذبحة"، على الرغم من أنهم شهدوا الأحداث. وأضاف: "لقد وقفوا فقط بجانبهم، وشاهدوا كل ما حدث ولم يفعلوا شيئًا". كما أكد مسؤولون أمنيون أن "جهاز (الشاباك) والجيش الإسرائيلي لم يكن لديهما معلومات استخباراتية عن الهجوم قبل وقوعه.
وأشارت "هآرتس" إلى أنّه شارك في اقتحام القرية عشرات المستوطنين الملثمين، معظمهم من منطقة بؤرة "حفات جلعاد" ومستوطنة شيلو، حيث دخل المستوطنون إلى القرية بالسيارات، وأضرموا النيران في المركبات، وأقدموا على تخريب الممتلكات، والاعتداء على المواطنين، ما أدى إلى استشهاد شاب بالرصاص.
وفي أعقاب الهجوم الكبير، يواصل جيش الاحتلال اقتحام قرية "جيت" بشكل يومي وعلى مدار الساعة، وفق رئيس المجلس، وذلك بادّعاء استكمال التحقيقات.
ويبدو السدة غير متفائل بجديّة هذه التحقيقات قائلاً لـ "الترا فلسطين"، إنّه يعتقد أن سبب اهتمام الجيش بالموضوع هذه المرّة اهتمام الإعلام العالمي، وحجم الإدانات الدولية.
تتعرض قرية جيت بشكل يوميّ لاعتداءات المستوطنين وبخاصّة على المزارعين الذين يتم طردهم من أراضيهم
وتتعرض قرية جيت بشكل يوميّ لاعتداءات المستوطنين وبخاصّة على المزارعين الذين يتم طردهم من أراضيهم، كما يقول رئيس مجلس قروي جيت ناصر السدة الذي يشير إلى أنّ المستوطنين قطعوا 500 شجرة زيتون، ومنعوا الوصول إلى 2500 دونم، وأغلقوا الطرق الزراعية بعد السابع من أكتوبر.
ويحيط الاستيطان بقرية "جيت" من ثلاث جهات وفق السدة، حيث أقيمت مستوطنات "كدوميم" التي تطورت على ثلاث مراحل، بالإضافة إلى "حفات جلعاد" وفقط لديهم منفذ واحد على الشارع الالتفافي من جهة الشرق.
273 حريقًا أشعله المستوطنون في الضفة بعد 7 أكتوبر
ووفق أحدث المعطيات التي نشرتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فإنّ المستوطنين وجيش الاحتلال أشعلوا 273 حريقًا في الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر.
وتركّزت هذه الاعتداءات في محافظات نابلس بـ 120 حريقًا، ثم رام الله بـ 42 حريقًا، وجنين 26 حريقًا. وتنوعت هذه الحرائق ما بين 77 طالت أراض وحقول ومزروعات، في حين استهدف 196 حريقًا ممتلكات من شقق سكنية ومبانٍ وسيارات وغيرها.