في الوقت الذي تستمر في المشاريع الاستيطانية على أراضي النقب، وتستمر محاولات تهجير أهالي النقب الفلسطينيين بشكلٍ مادي، يستمر العنف الموجه ضدهم بشكلٍ رمزي وفعلي دون أن يصل في الوقت المادي للتهجير أو القتل المباشر، لكن يبقى ضمن إطار محاولة دفع السكان للرحيل طوعًا عن أراضيهم، وضمن السياسة الإسرائيلية الساعية للحصول على أكبر كم ممكن من الأرض خاليةً من الوجود الفلسطيني، وبحسب تحقيقات نشرتها صحيفة "هآرتس" العبرية، فقد قامت السلطات الإسرائيلية بقطع المياه عن قرية بدوية فلسطينية في النقب، فيما قامت إدارة متنزه بمنع السكان من الدخول إليه.
في وسط فصل صيف يُعد من الأشد الفصول حرارةً خلال السنوات الماضية، قررت شركة "ميمي هنيغف" قطع المياه عن عشرات السكان في قرية رحمة البدوية بالقرب من مستوطنة يروحام الإسرائيلية، بدعوى عدم تسديد أهالي القرية ديونهم في الوقت المحدد. فيما تم هذا الإجراء خلافًا للقانون الذي يحظر فصل المياه الإجباري إلا في الحالات القصوى وبعد موافقة اللجنة الاستشارية لمدير سلطة المياه.
في وسط فصل صيف يُعد من الأشد الفصول حرارةً خلال السنوات الماضية، قررت شركة "ميمي هنيغف" قطع المياه عن عشرات السكان في قرية رحمة البدوية
وعلمت "هآرتس" أن الشركة لم تقدم طلبات فصل إلى اللجنة على الإطلاق. وبعد اتصال "هآرتس" في بداية الأسبوع للاستفسار حول القضية، جددت الشركة الإمداد للعائلات التي تُركت بدون ماء لمدة تتراوح بين ثلاثة وعشرة أيام.
يعيش عودة كلاب وحوالي 50 فردًا من عائلته الممتدة بين يروحام ومنطقة الخضيرة (النقب). وفي ظهر يوم الجمعة الماضي، تم قطع المياه عنهم بسبب دين بقيمة 1900 شيكل. وفي اليوم السابق للانقطاع، ذهب عودة إلى مكتب البريد في يروحام لدفع 1500 شيكل وبالتالي خفض الدين، لكن قيل له أن ذلك ليس ممكنا لأسباب فنية. وفي صباح اليوم التالي اكتشف أنه ليس لديه ماء.
قال كلاب: "ليس لدي كل المال في الوقت الحالي، لكنني لن أهرب وسأدفع"، مضيفًا، "لدي أربعة أطفال صغار، لدي حيوانات، كلاب وقطط وماعز وجمال وحمير ولدي فرس. وجميعهم يعتمدون على الماء وأنا أقوم بدفع ثمنها منذ ثلاث سنوات، فلماذا يتم قطع المياه عني بسبب 400 شيكل؟"، في الوقت الذي فيه القطع حدث قبل عطلة نهاية الأسبوع وخلال هذه الفترة يتم إغلاق الشركة ولا يوجد أي طريقة للاتصال بها. ووفقًا له، خلال الأسبوعين الماضيين، تم قطع المياه عنه مرتين، مرة لمدة يومين ثم مرة أخرى لمدة خمسة أيام، إلى أن اتصلت صحيفة "هآرتس" بالشركة.
كما اكتشف حمد كلاب، وهو أب لستة أطفال ويعمل سائق جرار في منطقة ميشور روتيم الصناعية، يوم الجمعة الماضي أنه قد تم قطع المياه عنه. وقدم إيصالاً لـ"هآرتس" اعتبارًا من الثلاثاء الماضي، يثبت أنه دفع ديناً للشركة بقيمة 1400 شيكل. على الرغم من ذلك، فقد تُرك هو وزوجته وأطفاله الستة في نهاية الأسبوع الماضي بدون ماء لمدة ثلاثة أيام. وبحسب قوله "هذه هي المرة الثالثة التي ينقطع فيها الماء عني في الأشهر الثلاثة الماضية".
ونفت شركة "ميمي هنيغف" في ردها أنها قطعت المياه عن حمد كلاب الذي "دفع ديونه ولم يكن هناك سبب لقطع المياه عنه". وفي توضيحها حول قطع المياه عن منزل عودة كلاب ذكرت الشركة أنه مدين بـ 2250 شيكل منذ أربعة أشهر، "ولم يقم بالرد على جميع الطلبات لسداد الدين". ولهذا السبب تنوي ميمي هانيغف التقدم "في الأيام المقبلة إلى سلطة المياه للحصول على إذن بقطع المياه عنه".
مما سبق يتضح أن قرار قطع المياه، يتضاعف إثره في منطقة مثل النقب، خاصةً في ظل نمط الحياة الذي يعتمد جزئيًا على تربية الحيوانات وحاجاتها لكميات كبيرة من المياه، بالإضافة إلى أن فترة القطع كانت حساسة في ظل ظروف طقس صعبة. ومن خلال موضعتها -هذه القضية وغيرها- ضمن السياق الاستعماري، والذي يخبرنا الكثير عن ذوبان الحدود الفاصلة بين مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، والشركات الخاصة والحكومية، والسعي المحموم من أجل الحصول على الأراضي، يمكن أن نحصل على فهم أعمق لهكذا أحداث تبدو فرديةً أو محصورةً ضمان سياقات محددة. وفي سياق قريب ننتقل إلى تحقيق "هآرتس" الثاني حول منع البدو الفلسطينيين من الدخول إلى حديقة مقامة على أراضيهم.
منع مجلس لهافيم المحلي في الأشهر الأخيرة المواطنين البدو المقيمين خارجه من دخول الحديقة الواقعة على أراضيها، بحسب أدلة حصلت عليها صحيفة "هآرتس".
وردا على طلب من جمعية عدالة، اعترف المجلس بأنه أغلق حديقة الطيور أمام غير سكان لهافيم بسبب قيود فيروس كورونا مدعيًا أن الحديقة الآن مفتوحة للجمهور العام بدون قيود، وأن السلطة المحلية لا يمكنها تقييد الدخول إلى حدائق المدينة بشكلٍ خاص والحركة في الأماكن العامة بشكلٍ عام.
ومنذ تفشي وباء كورونا، بدأ مجلس لهافيم بفتح المنتزه في أيام وساعات محددة. فمنذ آب/أغسطس 2020 وحتى آب/ أغسطس 2021، أعلنت عن إغلاقها لغير سكان لهافيم لاعتبارات كورونا. واستمرت القيود بشكل متقطع حتى وقت قريب، وعندما نُشر آخر إعلان للمجلس بشأن الأمر في منتصف حزيران/ يونيو من هذا العام، وبعد فترة طويلة من ذروة الوباء، كتب أحد السكان على صفحة المجلس على فيسبوك "هذا عذر جنوني"، "من الواضح للجميع أن الحديقة أغلقت بعد زيارات يوم أمس، حيث كان هناك غضب شديد من حقيقة وجود مواطنين من رهط [أي فلسطينيين] في الحديقة".
فيما جمعت "هآرتس" شهادات حول منع فلسطينيين، فقد قالت "أ" (34 عامًا) من سكان رهط وأم لطفل يبلغ من العمر عامين، إنها تُركت خارج الحديقة منذ ثلاثة أسابيع ومنعت من الدخول إليها. وحول تفاصيل ما حدث، تقول:"أخبرتني أخت زوجي أنها لم تفعل أيّ شيء مع الأطفال لفترة طويلة، واقترحت أن نأخذهم إلى حديقة قريبة، لذلك في فترة ما بعد الظهر، بعد أن انخفضت درجات الحرارة قليلاً، ذهبنا الى حديقة الطيور في لهافيم، وكنت أذهب إلى هذه الحديقة من وقت لآخر بعد الذهاب للتسوق أو إلى البنك في لهافيم، لكن هذه المرة تم إغلاقها ولم نفهم السبب".
وفقا لـ "أ"، تم إغلاق بوابة الحديقة المسيّجة وكان العديد من الآباء والأطفال ينتظرون بجانبها، مضيفةً: "شعر الأطفال بخيبة أمل، لذلك بدأنا نفكر إلى أين نذهب، ولكن بعد ذلك وصلت دورية شرطة المدينة وفتحت البوابة، وكانت طفلة أخت زوجي وهي في الصف الثالث، تسير نحو البوابة، فيما صرخ الحارس في وجهها، إلى أين أنت ذاهبة؟ إلى أين؟ وصل الناس [اليهود الإسرائيليين] ففتحه لهم وأغلقه مرةً أخرى".
وأضافت "أ" سألت الحارس: "لماذا يغلق عندما يكون هناك أناس آخرون [بدو] ينتظرون وأجاب: الأمر يتعلق بي، ليس من شأنك". وقال "أ" كانت الفتاة تبكي بشكل هستيري ولم أعرف ماذا أقول وما إذا كان ما يفعله قانونيًا أم غير قانوني". وأخيرًا سألت الحارس لماذا لم يسمح لنا بالدخول، فرد علي قائلًا: "أين تسكنين؟ اذهبي إلى حيث تسكنين، هنا فقط لسكان لهافيم وغادر".
وكشف تحقيق صحيفة هآرتس أنه في ثلاث حالات الأسبوع الماضي، سُمح ليهودي بدخول الحديقة دون التأكد من مكان إقامته، ومن ناحية أخرى، قالت إحدى ساكنات لهافيم من الفلسطينيين البدو لـ"هآرتس" إنه طُلب منها مؤخرًا الإفصاح عن عنوانها عند مدخل الحديقة من أجل التحقق من مكان إقامتها.