الترا فلسطين | فريق التحرير
"قال لي أنه يريد الانضمام لوحدة عسكرية معينة. سألته لماذا هذه الوحدة بالذات؟ فقال لي لأنها تقتل العرب". بهذا الاقتباس من ذاكرته، يلخص وزير جيش الاحتلال الأسبق موشي يعلون "التغييرات البنيوية العميقة" -كما وصفها- التي طرأت على جيش الاحتلال في السنوات الأخيرة، وهو ما رصده ضباط سابقون ومعلقون عسكريون إسرائيليون مؤخرًا، مؤكدين تزايد الانحيار لنشطاء اليمين والمستوطنين في جيش الاحتلال.
أعرب موشي يعلون عن اعتقاده أن الرغبة في الانضمام إلى الجيش لقتل العرب سوف تتزايد في الفترة المقبلة، في ظل استغلال القادة السياسيين للشعبوية، بينما نتنياهو يمتطي الموجة
ورأى موشي يعلون، أن ارتفاع معدل التصويت بين الجنود الشباب -في الانتخابات الأخيرة- لقائمة المتطرفين ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش سببها أنهم يعدونهم بحلولٍ "أبيض وأسود"، ويقولون لهم إن الحل للصراع هو أن نقتل العرب، متسائلاً: "هل نحن لا نقتل المخربين عندما يتوجب علينا ذلك؟".
وأعرب عن اعتقاده أن الرغبة في الانضمام إلى الجيش لقتل العرب سوف تتزايد في الفترة المقبلة، في ظل استغلال القادة السياسيين للشعبوية، مضيفًا: "بدل أن يواجه المسؤولون الذين يعرفون المعطيات مثل نتنياهو هذا الواقع القائم، يمتطون الموجة".
من جانبه، ألون بن دافيد، المعلق العسكري للقناة 13، الذي يعمل في هذا المجال منذ 35 سنة، قال إن غالبية جنود الاحتلال يؤيدون الإعدامات الميدانية للجرحى الفلسطينيين، مشيرًا لإعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل قبل سنوات، "فلو سألت الجنود إن كان الجندي عزاريا قد تصرف بشكل صحيح، ستجد أن 80-90% منهم سيقولون إنه لم يُخطئ".
وبعدما أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة دعم غالبية الجنود لقائمة المتطرف ايتمار بن غفير، علق يوآف ليمور، المعلق العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم" قائلاً: "في الانتخابات السابقة، حصل بيني غانتس على دعم واسع من الجنود، لقد اعتبروه وزيرهم الذي يحرسهم. والآن هذا اللقب ذهب إلى إيتمار بن غفير، فقد عرف بن غفير كيف يركب المشاعر القومية، نتيجة لموجة التصعيد التي استمرت منذ شهر شباط (2022) أو بشكل أدق منذ عملية حارس الأسوار (مواجهة أيار 2021)، وغياب هيبة أجهزة إنفاذ القانون في النقب وأجزاء من الجليل".
ألون بن دافيد، المعلق العسكري للقناة 13، الذي يعمل في هذا المجال منذ 35 سنة، قال إن غالبية جنود الاحتلال يؤيدون الإعدامات الميدانية للجرحى الفلسطينيين
وأضاف يوآف ليمور، أن القيادة العليا في جيش الاحتلال مطالبة أن تسأل نفسها كيف وثق جنودهم بشخص مدان بسلسلة جرائم ولم يتم تجنيده في الجيش بسبب تطرفه وسلوكه السيئ.
بوادر الوضع الحالي في جيش الاحتلال بدأت في ثمانينات القرن الماضي، بحسب رأي عالم الاجتماع يغيل ليفي، وهو باحث متخصص في علاقة الجيش بالمجتمع والسياسة في "إسرائيل"، حيث تحول المجتمع الإسرائيلي (في الثمانينات) لمجتمع اقتصاد السوق، وصارت العائلات الثرية والمجموعات القوية في "إسرائيل" ترسل أبناءها وبناتها على نحو متزايد لشغل أدوار في الجيش لا تشكل خطرًا على الحياة، مثل الوظائف الإدارية، أو الوظائف في المنظومة التقنية، منوهًا أن السنوات الأخيرة أظهرت بوضوح أن أداء الخدمة العسكرية في أجهزة الاستخبارات والحرب الإلكترونية يحقق عائدًا اقتصاديًا كبيرًا بعد نهاية الخدمة العسكرية".
وأوضح ليفي، أن عزوف أبناء الطبقات القوية اقتصاديًا -الأشكنازية والعلمانية- عن الخدمة كجنود في الجيش أحدث فراغًا ملأته مجموعات سكانية كانت مكانتها هامشية في الجيش، مثل الشرقيين والطبقة الوسطى فما دون، والمهاجرين من الاتحاد السوفيتي وأثيوبيا، إضافة إلى تيار الصهيونية الدينية الذي ملأ الفراغ بطريقة مكثفة منذ الثمانينات.
وتابع: "تدريجيًا، أدركت الأسر والمجموعات السكانية التي تؤدي الخدمة العسكرية القتالية، أن العبء الرئيس يقع على عاتقها، وبات لديها القدرة على فرض قيمها، وتطالب هذه المجموعات من الجيش إعادة بلورة ثقافته مجددًا على نحو يتوافق مع قيمها، سواءً كان ذلك متعلقًا بتعليمات إطلاق النار، أو سياسة العقوبات التي تفرض على الجنود".
يؤكد اللواء نتيسان ألون، القائد السابق للمنطقة الوسطى (الضفة الغربية) في جيش الاحتلال، انحياز جنود الاحتلال لنشطاء اليمين والإرهابيين اليهود، مبينًا أنه في جرائم تنظيم "تدفيع الثمن" كانت ردة فعل الجنود هي الشلل التام وفقدان القدرة على العمل.
يؤكد هذا التغيير الجوهري في جيش الاحتلال والتعاطف مع المستوطنين، العقيد (احتياط) دورون مينيرت، الرئيس السابق لإدارة تخطيط عمليات هيئة الأركان العامة، مبينًا أن خريجي الصهيونية الدينية استحوذوا على المناصب القيادية في الضفة الغربية، في حين غاب الجنود والقادة الليبراليون الذين كانوا في السابق يوازنون الصورة، وأصبح من بقي منهم أضعف من أن يكون له تأثير.
وسائل التواصل الاجتماعي والرأي العام الإسرائيلي تترك أثرًا كبيرًا على الجنود وفي تصرفاتهم، إلى حد أحدث انفصالاً بينهم وبين قيادتهم
وفي شرحه للتغييرات الحاصلة، أوضح ألون المعلق العسكري ألون بن دافيد، أن وسائل التواصل الاجتماعي والرأي العام الإسرائيلي تترك أثرًا كبيرًا على الجنود وفي تصرفاتهم، رغم أنها أحيانًا تتناقض مع تعليمات قادتهم. أحد الأمثلة على ذلك، وفق بن دافيد، تنكيل أحد جنود لواء "غفعاتي" بالناشط اليساري في الخليل، إذ أبلغ قائد الكتيبة الجنود أن ما حدث خطأ، بينما الرأي العام والمشاهير على مواقع التواصل أيدوا الاعتداء وشجعوا الجندي على مواصلة القيام بهذه الأفعال.
كما أكد المعلق العسكري يوآف ليمور تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الجنود، إلى حد أحدث انفصالاً بينهم وبين قيادتهم.
وفي مقال كتبه عاموس هرئيل، المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس"، قال إن التطرف بين جنود الاحتلال وصل إلى مستوى غير مسبوق، مبينًا أن هناك فجوة في التواصل بين الجنرالات وقادة الألوية الذين هم في سن الخمسينات والأربعينات من جهة، وبين الجنود الذين تتراوح أعمارهم في حدود 18-19 سنة، "فمن وجهة نظر الجنود، القيادة العليا منشغلة بالحديث عن الأخلاق لكنها معزولة عن الميدان وأزماته اليومية" حسب هرئيل.