تُعمّق وسائل الإعلام الإسرائيليّة تغطيتها هذه الأيّام حول تطورات وفرصة تحقيق تقدّم في المفاوضات بلبنان وقطاع غزة، وتركّز أكثر على التحديات التي تواجه الحكومة الإسرائيلية في سعيها لتحقيق "تسوية"، بالتوازي مع ضّغوط عسكرية متزايدة وتحديّات أمنية متفاقمة.
عاموس هرئيل: إطالة أمد الحرب والخسائر الكبيرة التي يتكبّدها الجيش الإسرائيلي تدفع هيئة الأركان لإنهاء الحرب في الجبهتين
صحيفة "هآرتس" نشرت تقريرًا لمُعلِّقها العسكري عاموس هرئيل تحدّث فيه عن أنّ "المفاوضات في لبنان تتقدّم، لكن صفقة المخطوفين (بغزة) بعيدة المنال". وقال إنّ قنوات التلفزة الإسرائيلية تُقدّم توقعات متفائلة بشأن تقدّم محادثات وقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة، غير أنّ الواقع على الأرض لا يعكس هذا التفاؤل.
ويوضح هرئيل أن المبعوثين الدبلوماسيين يتجوّلون في الشرق الأوسط، كما أنّ الإدارة الأميركية "تكثّف" جهودها قبل الانتخابات الرئاسية، وعلى الرّغم من "تأييد" أجهزة الأمن الإسرائيلية القويّ لإبرام اتفاق، إلّا أنه لا يوجد تقدّم ملحوظ في الاتصالات غير المباشرة مع حماس.
ويشير إلى أنه على الرغم من كون الاتصالات حول لبنان تبدو أكثر إيجابية، إلا أن هناك حاجة كبيرة لمزيد من العمل، مع عدم توقع حدوث تقدّم قبل الانتخابات الأميركية.
ويضيف المعلّق العسكري أن "موقف الجيش المدعوم من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية الأخرى، يبرز الحاجة الملحّة لإبرام اتفاقات، بعد أن "حققت إسرائيل معظم إنجازاتها العسكرية الممكنة في لبنان وقطاع غزة"، ما يتطلب من الجيش استباق الأمور، خاصة مع الظروف القاسية التي يتعرض لها الأسرى في غزة، الذين يحتجزون منذ 13 شهرًا، ما يزيد من المخاطر على حياتهم.
الشتاء يقترب
وفي لبنان، فإنّ اقتراب فصل الشتاء يعقّد القتال، حيث يسعى الجيش لاستكمال العمليات الأخيرة مع إصدار أوامر إخلاء لعشرات الآلاف من السكان في بعلبك قبل تنفيذ هجوم جوي.
ورغم أنّ أمين عام حزب الله الجديد، نعيم قاسم عبّر صراحة عن رفضهم لمبدأ الفصل بين الجبهات. غير أن هرئيل أشار إلى أنه "يمكن أن يكون هناك سيناريو متفائل يتمثّل في الفصل بين الجبهات، ما يعني التوصّل إلى وقف إطلاق النار في لبنان، بينما يستمر القتال في غزة"، وأضاف أنه يمكن أن تظهر مرونة من جانب لبنان فيما يتعلق بمطالب إسرائيل، مثل إنشاء آلية فعّالة لمراقبة تنفيذ أي اتفاق مستقبليّ، وقال إن إيران تؤدي دورًا مهمًا، إذ يبدو أنها تسعى لإنهاء الحرب، رغم استمرار تهديداتها ضدّ "إسرائيل".
ويكشف المعلق العسكري لصحيفة هآرتس، عن أنّ "إطالة أمد الحرب والخسائر الكبيرة التي يتكبّدها الجيش تدفع هيئة الأركان إلى التأكيد على ضرورة إنهاء الحرب في الجبهتين، وهو ما يتّضح في النقاشات الجارية حول العبء العسكري على جنود الخدمة الاحتياطية وموضوع إعفاء الحريديم المتشددين (دينيًا) من الخدمة العسكرية".
حاييم تومر: المشكلة الأساسية أن حكومة نتنياهو ليست مهتمة بصفقة
ويرى حاييم تومر، رئيس شعبة الاستخبارات والتنسيق الدولي السابق في الموساد، أن "الضربات العسكرية القاسية التي وجهتها إسرائيل لحزب الله وحماس تمهّد الطريق للتوصل إلى تسوية مستقبلية".
ويقول إنّ هناك استعدادًا من الأطراف جميعها، بما فيها طهران، للوصول إلى تسوية تتيح التوصّل لاتفاق لوقف النار. وسيكون هذا الاتفاق، طويل الأمد، إلا أن "المشكلة الأساسية تكمن في أن حكومة إسرائيل ليست مهتمة بصفقة من هذا القبيل".
"تسوية سياسيّة في الشمال هي الأنسب حاليًا"
وتكشف دانا فايس، محللة الشؤون السياسية في قناة الإسرائيلية 12، عن المقترحات المطروحة من قبل الحكومة الإسرائيلية بشأن التسوية السياسية في الشمال. وأشارت إلى دور في هذا السياق للوزير رون ديرمر، وزير الشؤون الإستراتيجية في إسرائيل، وقالت إن "ما يُطرح على الطاولة فيما يتعلق بالتسوية يعتمد على توصية مقدّمة من فريق يقوده الوزير ديرمر، ويضم أجهزة الأمن والجيش وعدد من مسؤولي وزارة الخارجية".
وبحسب دانا فايس، فإن خلاصة هذه التوصية هي أنّ الوقت الراهن هو الأنسب لتحقيق تسوية سياسيّة في الشمال. غير أنّهم بانتظار القرار الذي سيتخذه بنيامين نتنياهو. فالوزير المقرّب منه، رون ديرمر يقود هذه الخطوة، ومن ناحية أخرى، أجرى نتنياهو مشاورات قبل هذه النقاشات مع وزراء، دون حضور وزير الجيش وأجهزة الأمن، وكان إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) من بين الحاضرين.
اتّفاق قبل أن تتآكل الإنجازات
ويبرز نير دفوري، مراسل الشؤون العسكرية في قناة 12، أهمية تحقيق تقدّم سياسي باعتباره "فرصة" في الوقت الحالي، ويؤكد ضرورة الحفاظ على ما أسماها "الإنجازات العسكرية" وهو الأمر الذي يشدد عليه قادة الجيش والمخابرات في إسرائيل، والذين يرون أن الوقت الحالي هو الأنسب لدفع العملية السياسية نحو الأمام والتوصّل لاتفاق قبل أن تتآكل الإنجازات.
ويتحدث روعي شارون، محلل الشؤون العسكرية في التلفزيون الإسرائيلي الرسمي (قناة كان)، عن الخيارات المتاحة للمستوى السياسي فيما يتعلّق بالعملية العسكرية في لبنان، ويقول إنه "إذا قرر المستوى السياسي توسيع العملية البرية والانتقال إلى استهداف خط ثانٍ من القرى اللبنانية، فإنهم قادرون على اتخاذ مثل هذا القرار وإصدار تعليمات للجيش للبقاء في جنوب لبنان، لكن في الوقت الراهن، وفي ظل الأهداف التي حددت للجيش من قبل المستوى السياسي، فإن الجيش يُشير إلى أنه على وشك إنهاء العملية البرية جنوب لبنان.
ألون بن دافيد: "إسرائيل" دولة جريحة بحاجة إلى خطة استشفاء
ويؤكد ألون بن دافيد، محلل الشؤون العسكرية في القناة الـ13 الإسرائيلية، على ضرورة وضع أهداف واقعية للعملية العسكرية، ويحذّر من التوجه نحو أهداف غير قابلة للتحقيق. ويقول إن على "إسرائيل" الابتعاد عن تحديد هدف القضاء على آخر عنصر في حماس أو حزب الله، فهذا أمر لن نستطيع تحقيقه، وهو هدف غير واقعيّ، ومبالغ فيه، ولا يستحق الثمن الذي ندفعه من أجله؛ نحن دولة جريحة، ويجب العمل على خطة استشفاء شاملة لكل قطاعات ومرافق الدولة.
وفي مقابلة مع القناة 13، طرح أوري مسغاف، الكاتب في صحيفة "هآرتس"، والعقيد احتياط في جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، تساؤلات جوهرية حول الاستراتيجية العسكرية والأهداف المرسومة، قائلًا: "لدينا 28 قتيلًا في الأسبوع الأخير، 28 جنديًا في لبنان وغزة، وأربعة مدنيين نتيجة القصف الصاروخي. أتساءل هنا بلغة عسكرية: ما هو الهدف؟ ما هي المهمة؟ ما هو النهج؟ وما هو الإنجاز المطلوب؟ وإلى أين سنمضي بهذه الحرب التي لا تنتهي؟".