26-أغسطس-2024
سجن عوفر

سجانون وعناصر أمن أمام سجن عوفر غربي رام الله

أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير نشرته يوم الإثنين، أن إسرائيل اعتقلت بشكل تعسفي فلسطينيين يعملون في مجال الرعاية الصحية، في قطاع غزة، وأخضعتهم لتعذيب جسدي عنيف واعتداءات جنسية.

أفاد ثلاثة من الكوادر الطبية بأن الجنود يستخدمون الكلاب العسكرية لتخويف الأسرى وإيقاظهم في الليل وإرهابهم

ونشرت "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها، إفادات لأطباء وممرضين كانوا قد تعرضوا للاعتقال بين تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، وتحدثوا للمنظمة عن تعرضهم لاعتداءات جنسية خلال احتجازهم، وحرمانهم من الرعاية الطبية، إضافة إلى إذلالهم وضربهم ووضعهم في وضعيات مجهدة قسرية لفترات طويلة.

وقال طبيب جرّاح، إنه كان يرتدي زيه الطبي عندما اعتقلته قوات الاحتلال أثناء حصارها لمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بغزة، في كانون أول/ديسمبر، مبينًا أنه احتُجز في "سديه تيمان"، حيث تم تعليقه بسلسلة مربوطة بالأصفاد، وصُعق بالكهرباء، وحُرم من الرعاية الطبية لعلاج كسور ضلوعه الناتجة عن الضرب، وأعطي ما يعتقد أنه مُخدّر ذو تأثير نفسي قبل التحقيق معه.

ولم تسمح سلطات الاحتلال للوكالات الإنسانية المستقلة بالتواصل مع الأسرى الفلسطينيين منذ إطلاق حربها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر.

ومن الإفادات التي أوردتها "هيومن رايتس ووتش"، رواية الطبيب الجراح إياد عابد (50 عامًا)، الذي اعتقل أثناء عملية إخلاء منسقة في المستشفى الإندونيسي، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، حيث قال: "كنا نتعرض للضرب في كل دقيقة. في جميع أنحاء الجسم، على المناطق الحساسة بين الساقين، والصدر، والظهر. تعرضنا للركل في جميع أنحاء الجسم والوجه".

وأضاف إياد عابد، أن الجنود استخدموا في ضربهم الجزء الأمامي من أحذيتهم ذات الطرف المعدني، ثم استخدموا أسلحتهم، مبينًا أنه أصيب بكسر في الضلوع، وكسر في العصعص، نتيجة الاعتداء الجسدي، ولم يلتئم بعد مرور شهرين.

ونقلت "هيومن رايتس ووتش" إجماعًا من عمال الرعاية الصحية الذين تحدثت معهم على تعرضهم للضرب ورشهم برذاذ الفلفل، وحرمانهم من الماء، أثناء ترحيلهم من غزة إلى منشآت الاحتجاز، إضافة إلى إجبارهم على الجلوس في وضعيات مؤلمة مع تعصيب أعينهم وتقييد أيديهم وأقدامهم طوال الطريق.

وبيْنَ من تحدثت "هيومن رايتس ووتش" معهم، سائق سيارة إسعاف احتجز لخمسة أشهر، وقال إنه تعرض إلى استجواب يومي على مدار أسبوع كامل، حيث كانوا يربطونه على كرسي وهو في ملابسه الداخلية لمدة بين 10 و15 ساعة يوميًا في غرفة فيها مكيف هواء شديد القوة.

وأكد السائق، أنه حرم من الوصول إلى المرحاض، كما تعرض للضرب، وأُجبر على الجلوس لساعات طويلة، وهذا سبّب له ألمًا شديدًا في عموده الفقري. وبعد نقله إلى سجن عوفر، ألقى الحراس الماء البارد عليه وعلى فراشه أثناء نومه في الليل.

وأفاد ثلاثة من الكوادر الطبية بأن الجنود يستخدمون الكلاب العسكرية لترهيب الأسرى.

وقال أحد الأطباء: "كانوا يهددون بإطلاق النار علينا. كان هذا مرعبًا. وأحضروا كلابًا عسكرية. صرختْ، وكانت تلك أسوأ لحظة في حياتي، لأنني كنت لا أزال مقيدًا ومعصوب العينين، ولا أرى من أين تأتي الكلاب".

بينما قال طبيب آخر، إن الكلاب تُجلب في وقت متأخر ليلا لإيقاظ الأسرى وإرهابهم.

كما أكد ثلاثة من الكوادر الطبية أنهم تعرضوا لتهديدات باعتداءات جنسية.

وقال خضر أبو ندى (30 عامًا)، وهو ممرض في مستشفى بيت حانون شمال غزة، إنه عندما نفى أي انتماء لحماس أثناء استجوابه الأول في قاعدة عسكرية في غزة، هدده الضابط باغتصابه "بعصا كهربائية".

وبيّن خضر أبو ندى، أن الضابط سأله بعد ذلك عن مكان والدته، وهدد بإحضارها من الحاجز الذي اعتقل فيه وتجريدها من ملابسها أمام الجميع. قال: "عندما سمعت هذا، تحطمت نفسيا. شعرت بالذل".

وأكد أبو ندى، أنه تعرض للتهديد بالاغتصاب مرة أخرى قبل إطلاق سراحه.

بيّن خضر أبو ندى، أن الضابط هدده باغتصابه "بعصا كهربائية"، وهدد بإحضار والدته من الحاجز الذي اعتقل فيه وتجريدها من ملابسها أمام الجميع

وأجمع عمال الرعاية الصحية، في شهاداتهم، أن الطعام في الاعتقال كان "فظيعًا" وغير كاف، والمراحيض "غير صالحة حتى للحيوانات"؛ وتنبعث منها رائحة كريهة، والفرش والبطانيات رقيقة، والليالي الباردة "لا تطاق".

وقال الجراح إياد عابد: "أعطونا كيسًا للقمامة. وكنا نملؤه بالماء ونشرب منه فيما بعد. كانت الرائحة كريهة، لكن لم يكن أمامنا خيار آخر".

وبحسب الشهادات التي نقلتها "هيومن رايتس ووتش"، فإن جنود الاحتلال أجبروا بعض الأسرى، وبعضهم عاملون في الرعاية الصحية، على القيام بدور "الشاويش"، أي "كمستخدمين" بين الحراس والأسرى، وهذا لا يتم إلا بعد التأكد أن الأسير ليس له أي صلة بحركة حماس.

و"الشاويش"، هو الوحيد الذي لا يتم تعصيب عينيه طوال الوقت، أما يداه فيتم تقييدهما باستمرار، ويتم تكليفهم بمساعدة الأسرى على تناول الطعام واستخدام المرحاض، وتنظيف الغرف، ونقل المحتجزين للاستجواب، وتوفير الرعاية الطبية الأساسية.

الممرض خضر أبو ندى، كان أحد من تم تكليفهم بمهمة "الشاويش"، وذلك في اليوم الخامس بعد اعتقاله، حيث قال له الجندي "لم نجد شيئًا يُدينك. لكننا سنواصل التحقيق".

رافق أبو ندى أسرى مكبلين ومعصوبي الأعين من "المستودع" إلى غرفة التحقيق. ويقول: "طوال الطريق إلى التحقيق، كان الجنود يركلون الأسرى. كنت أبكي عند نقلهم، لأنني أنا من أوصلهم إلى هذا العذاب. طلب مني الجنود أن أدير وجهي حتى لا أنظر بينما استمروا في ركل وضرب المحتجزين".

وقالت بلقيس جراح، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في المنظمة، إن إسرائيل "تواصل إساءة معاملة الكوادر الطبية الفلسطينية بعيدًا عن الأعين"، داعية إلى "إجراء تحقيق شامل في التعذيب وغيره من ضروب إساءة معاملة الأطباء والممرضين والمُسعفين، ومعاقبة الجناة بشكل مناسب، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية".

وأكدت "هيومن رايتس ووتش"، أن الاحتجاز التعسفي المطول وإساءة معاملة الكوادر الطبية  فاقم الأزمة الصحية في غزة.

وأفادت أن في المستشفيات العاملة في قطاع غزة أقل من 1500 سرير للمرضى المقيمين، بينما سمحت إسرائيل بمغادرة 14 ألف جريح ومريض فقط للعلاج في الخارج، في حين أن أكثر من 92 ألف شخص أصيبوا منذ اندلاع الحرب.

أكدت "هيومن رايتس ووتش"، أن السلطات الإسرائيلية لم توفر على مدى عقود مساءلة موثوقة عن التعذيب وغيره من الانتهاكات ضد المحتجزين الفلسطينيين

وأشارت إلى تقارير سابقة نشرتها "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان"، ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، ووسائل إعلام إسرائيلية، جميعها أكدت استخدام إسرائيل صنوفًا من التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين، بما يشمل الضرب، والعنف الجنسي، وسحب الاعترافات قسرًا، والصعق بالكهرباء.

وأكدت "هيومن رايتس ووتش"، أن السلطات الإسرائيلية لم توفر على مدى عقود مساءلة موثوقة عن التعذيب وغيره من الانتهاكات ضدالأسرى الفلسطينيين. رغم أن 1830 شكوى تم تقديمها ضد ضباط إدارة سجون الاحتلال بين عامي 2019 و2022، ولم يسفر أي منها عن إدانة جنائية.