23-مايو-2024
شيقل

بعد التوصيات التي أرسلها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش لرئيس حكومته بنيامين نتنياهو، ومنها عزمه عدم تمديد فترة "التعويض" للبنوك الإسرائيلية التي لديها معاملات مع بنوك فلسطينية، "بهدف سحق السلطة الفلسطينية"، أصدرت سلطة النقد بيانًا، الخميس، قالت فيه إنّ قطع بنوك إسرائيلية علاقتها المصرفية مع بنوك فلسطينية، سيكون له أثر سلبيّ على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي، وأيضًا على العلاقات التجارية، وبيّنت أنها تعمل مع جهات فلسطينية وأطراف دولية للحفاظ على العلاقة المصرفية، ومنع أي أزمة قد تقع.

سلطة النقد:  قطع بنوك إسرائيلية علاقتها المصرفية مع بنوك فلسطينية، سيكون له أثر سلبيّ على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي 

وقدّم الوزير المتطرّف سموتريتش، 5 توصيات إلى نتنياهو، ردًا على اعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين، أو نيّتها فعل ذلك، أوّلها أنّه لن يحوّل 600 مليون شيقل شهريًا من عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية،

وثانيها، مطالبة النرويج بإعادة الأموال التي حوّلتها "إسرائيل" في الأشهر السابقة وفق الآليّة المتفق عليها، وثالثها، المصادقة على 10 آلاف وحدة استيطانية وإقامة مستوطنة جديدة مقابل كل دولة تعترف بدول فلسطين، ورابعها، إلغاء تصاريح كبار الشخصيات VIP لكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية وعائلاتهم، أمّا النقطة الخامسة، فتتمثّل بعدم تمديد التعويض للبنوك الإسرائيلية التي لديها معاملات مع بنوك فلسطينية، في نهاية الشهر المقبل، ما أثار مخاوف من إمكانية عزل البنوك العاملة في المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية عن العالم الخارجي، وهو ما دفع سلطة النقد لإصدار بيانها اليوم.

وبموجب بروتوكول باريس الاقتصادي الذي ينظّم العلاقة الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" فإنّ أي بنك فلسطيني يستطيع إتمام معاملاته المصرفية مع بنك وسيط في أي دولة كانت بما فيها بنوك وسيطة داخل "إسرائيل"، وهو بنك خارج الأراضي الفلسطينية ويقوم بإجراء أعمال تخص عملاء البنك الفلسطيني.

والإجراء الإسرائيلي الذي تحدّث عن سموتريتش في نيسان/ الماضي، وجدد التأكيد عليه في رسالته الأخيرة لنتنياهو، يعني قطع العلاقة المصرفية مع البنوك الفلسطينية، رغم أن مصلحة الطرفين اقتصاديًا، تقتضي الإبقاء على هذه العلاقة، وفق ما قال مدير عام جمعية البنوك في فلسطين لـ الترا فلسطين في وقت سابق.

وتتعامل البنوك العاملة في فلسطين، وفق بروتوكول باريس الاقتصادي، مع بنكين إسرائيليين وسيطين، هما "ديسكونت" و"هبوعليم" (لإتمام المعاملات المالية بعملة الشيقل بين الطرفين)، وقد طالبا منذ عام 2009 بإنهاء التعاملات مع البنوك الفلسطينية تخوفًا من توريطهم في قضايا "تمويل الإرهاب"، وذلك بعد رفع دعاوى على بنوك فلسطينية في المحاكم الأمريكية، غير أنّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قدّمت ورقتي ضمانات للبنكين الإسرائيليين طوال السنوات الماضية؛ واحدة من وزارة العدل الإسرائيلية تفيد بأن الحكومة ستدافع عن البنكين في أي قضايا تمسهما بدعوى "تمويل الإرهاب"، والثانية من وزارة المالية الإسرائيلية تؤكد على أنها ستقوم بتعويضهما نتيجة أي خسائر قد يتكبدها البنكان بسبب هذه الدعاوى، وذلك في حالة أدينت بنوك فلسطينية. مع العلم أن إدانة بنوك فلسطينية في قضايا "إرهاب" يعني إدانة ضمنية للبنوك الوسيطة الإسرائيلية، وهو ما أثار تلك المخاوف لدى البنكين. وتسري كتب الضمانات هذه من وزارتي المالية والعدل الإسرائيليتين منذ عدة سنوات، وتتجددان بشكل تلقائي سنويًا أو مرة كل سنتين، وآخر هذه الكتب انتهت في 31 آذار/ مارس من الشهر المنصرم.

وأكدت سلطة النقد الفلسطينية لـ"الترا فلسطين" أنه جرى تمديد العمل برسائل الضمانات حتى نهاية شهر تموز/ يوليو المقبل، وأن العلاقة المصرفية حاليًا مستمرة بين الطرفين، غير أنّ بتسلئيل سموتريتش، قدّم مقترحًا بعدم تمديد العمل بهذه الضمانات للبنوك الإسرائيلية نهاية الشهر المقبل.

وقال محللون في حوارات منفصلة مع "الترا فلسطين" إن ضررًا سيلحق بالاقتصاد الفلسطيني، فيما لو واصلت حكومة الاحتلال وقف تحويل عائدات الضرائب (المقاصة) للسلطة الفلسطينية، إلى جانب وقفها التعامل مع البنوك الفلسطينية.

البنوك ستواجه مشاكل تتعلّق بـ "فائض الشيقل"

وبيّن المحلل الاقتصادي مؤيد عفانة لـ "الترا فلسطين" أن قرار منح التفويض لبنكي "ديسكاونت"، و"هبوعليم" الإسرائيليين يصدر عن وزير المالية الإسرائيلي، ويمدد من حين لآخر، غير أن سموتريتش قال إنه لا يعتزم تمديد التفويض لهذه البنوك في استمرار التعامل مع البنوك الفلسطينية، ما يعني -بحسب عفانة أن البنوك الفلسطينية ستواجه مشاكل تتعلّق بـ "فائض الشيقل" والتبادل التجاري، وتحويل الشيقل للدولار، الأمر الذي من شأنه خلق حالة عزلة للبنوك الفلسطينية عن العالم.

ويقول المحلل الاقتصادي مؤيد عفانة إت البنوك الفلسطينية منفتحة على العالم ليس فقط من خلال البنوك الإسرائيلية، لكنه أوضح أن هذه البنوك بوابات للبنوك الفلسطينية، وعلى سبيل المثال في حال كان لدينا في السوق الفلسطيني فائض شيقل، أين سيتم الذهاب به.

ويوضح مدير الأبحاث في معهد السياسات الاقتصادية "ماس" رباح مرار، أن عدم التمديد لهذه البنوك بالتعامل مع البنوك الفلسطينية أمر كارثي، لأن البنوك الفلسطينية تعاني من فائض شيقل، وهناك تعاملات تجارية واستيراد وتصدير.

وبيّن خلال حديثه لـ الترا فلسطين أن العملات الأساسية في فلسطين هي الدينار والدولار والشيقل، ووقف التعامل يعني أن هذه البنوك لن تعطيني عملة الشيقل، ولن تأخذ مني الشيقل، ولا يستورد التجار من الخارج بعملة الشيقل، وبالتالي البنوك تتخلص من الشيقل بتحويله للبنوك الإسرائيلية، وتأخذ مقابله الدولار.

وبحسب مرار فإنّ وقف هذا التعامل يعني إطلاق رصاصة الرحمة الأخيرة على اتفاق باريس الاقتصادي، لافتًا إلى أنه في الأزمات المالية السابقة دومًا ما كانت تهدد إسرائيل بذلك، لكنها لم تتخذ هذا الإجراء.

وحول البند المتعلق بالتجارة، أوضح مرار، أن التاجر عندما يستورد من الخارج- ونحن نتحدث عن استيراد سنوي بمليارات الدولارات، يقوم التاجر بطلب اعتماد مالي ويودع عند البنك شيقل، ويأخذ مقابله دولار، بالتالي البنوك قد لا يتبقى لديها كمية دولار كافية للاعتمادات التجارية للاستيراد من الخارج.

وبسّط مرار الأمر بأن التاجر بكل بساطة يبيع بالشيقل، ويودع في البنك بالشيقل، ويستورد من الخارج بالدولار، والبنك بدوره يرسل الشيقل لـ "إسرائيل" ويأخذ مقابله دولار حتى يبقى هناك توازن. وفي حال توقف التعامل، قد نصل لمرحلة فقدان الدولار كما يجري في لبنان ومصر، وتصبح لدينا سوق سوداء لشراء الدولار في فلسطين.

واستبعد مرار الوصول لهذه المرحلة رغم حجم تطرف سموتريتش، لكنه لم يغفل أن وضع السلطة الفلسطينية المالي متضرر بشكل كبير، وتنفيذ هذا الإجراء يقضي على ما تبقى من حياة في الاقتصاد الفلسطيني، بالتالي قد تتدخل دول مثل أميركا والاتحاد الأوروبي لمنع الوصول لهذه المرحلة.

أما فيما يتعلق بوقف تحويل المقاصة وما سيلحق بالاقتصاد الفلسطيني من ضرر، قال مؤيد عفانة، إن المقاصة متوقفة منذ شهر نيسان/ ابريل، ولغاية اليوم لم تفرج "إسرائيل" عنها، لذا سيكون هناك ضرر كبير على الموازنة الفلسطينية، فالمقاصة تشكل ثلثي الإيرادات (68 في المئة) من الموازنة الفلسطينية، أو من أموال الخزينة العامة.

وفي ضوء عدم تحويل أموال المقاصّة لن تستطيع السلطة الفلسطينية بأي حال من الأحوال الوفاء بالتزاماتها سواء للموظفين أو المورّدين أو التكاليف التشغيلية والتطويرية والرأسمالية.