26-أغسطس-2024
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار

تقف "إسرائيل" حائرة أمام الكيفيّة التي يتواصل فيها الرجل الأهم في حماس، يحيى السنوار، مع قيادة الحركة خارج قطاع غزة، ويدير من خلالها ملف المفاوضات من تحت الأرض، وهي التي جنّدت أحدث التقنيّات التكنولوجية، واستعانت بالقدرات الاستخبارية للدول الغربيّة، وأنشأت وحدة خاصّة لتعقّبه. 

تحدّث يحيى السنوار بشكل مباشر مع قيادة حماس في الدوحة بداية الحرب، ورصدت المخابرات الأميركية والإسرائيلية المكالمة، غير أنها لم تتمكن من تحديد مكانه، وبات يتجنّب الهاتف الآن

في تقرير مطوّل، تتبّعت صحيفة "نيويورك تايمز" رحلة الاختفاء والغموض التي يسلكها "زعيم حماس المراوغ" الذي يُنسب له التخطيط لعمليّة "طوفان الأقصى" التي نفّذتها كتائب القسام صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ومحاولات "إسرائيل" الحثيثة بالاستعانة بجهود استخباريّة أميركية وغربيّة وبينها بريطانية، لمعرفة مكان تواجده داخل شبكة الأنفاق، أو رصد مكالماته الهاتفيّة.

فرصة سانحة؟ لم تكن كذلك

اعتقد مسؤولون إسرائيليون وأميركيون في 31 كانون ثان/ يناير 2024، أنّ الفرصة سنحت للوصول إلى واحد من أكثر المطلوبين في العالم، حينها شنّ جيش الاحتلال الإسرائيليّ غارة على مجمّع أنفاق معقّد في خانيونس جنوب قطاع غزة بناء على معلومات استخباراتية، أفادت أن يحيى السنوار (61 عامًا)، زعيم حماس، كان متواجدًا هناك.

يحيى السنوار
يحيى السنوار

تقول "نيويورك تايمز" نقلًا عن مصادر أنّ السنوار كان موجودًا في المكان الذي جرى استهدافه، لكنّه كان غادره قبل أيام، تاركًا وراءه وثائق وأموال. لم تتوقّف الملاحقة الإسرائيليّة، غير أن السنوار لم يكن يترك ما يدل على وجوده، وصار البحث عنه أو الوصول إليه، يزداد صعوبة؛ فهو لا يظهر في الأماكن العامة أبدًا، ونادراً ما يرسل رسائل إلى أتباعه.

يعتقد مسؤولون أميركيون أن القضاء على يحيى السنوار سيتيح لنتنياهو إيجاد تبرير لإنهاء العمليات العسكرية في غزة، بادّعاء تحقيق نصر عسكري

بحسب مسؤولين أميركيين وإسرائيليين تخلّى السنوار عن الاتصالات الإلكترونية، ونجح في تجنُّب شبكة استخباراتية معقّدة، ويُعتقد أنه يتواصل مع المستويات القياديّة في حركة حماس، من خلال شبكة من الرسل البشريين، غير أنّ عمل هذه الشبكة ما يزال بمثابة لغز، وهو أمر بدا أنه مثار إحباط لمن يلاحقونه.

وتنقل "نيويورك تايمز" عن دبلوماسيين يشاركون في مفاوضات وقف إطلاق النار في الدوحة بقطر، القول إن ممثلي حركة حماس يُصرّون على أنهم بحاجة إلى رأي السنوار قبل اتخاذ القرارات الكبرى في المحادثات. وباعتباره الآن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خلفًا لإسماعيل هنية، فهو الشخص الوحيد القادر على ضمان تنفيذ أي قرار يتم اتخاذه.

وأجرت الصحيفة الأميركية مقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً في "إسرائيل" والولايات المتحدة، وجميعهم أكّدوا أن البلدين أنفقا موارد هائلة في محاولة للوصول إلى السنوار.

وحدة خاصّة لتتبُّع السنوار ورادار يخترق الأرض

بحسب الصحيفة أنشأت "إسرائيل" وحدة خاصّة داخل جهاز المخابرات الإسرائيليّة الداخلية "الشاباك"، كما كُلِّفت وكالات التجسس الأميركية باعتراض اتصالات يحيى السنوار، وقدّمت الولايات المتحدة لـ "إسرائيل" رادارًا يخترق الأرض للمساعدة في ملاحقته وقادة حماس الآخرين.

ويعتقد المسؤلون الأميركيون أن قتل السنوار أو إيقاعه في الأسر، من شأنه أن يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسيلة لادّعاء انتصار عسكري كبير، وربما يجعله أكثر استعدادًا لإنهاء العمليات العسكرية في قطاع غزة.

بعد هجوم 7 أكتوبر.. أنشأت شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) وجهاز الشاباك وحدة خاصة مهمتها تحديد مكان السنوار

وشكلت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أيضًا قوة مهام، وأرسلت وزارة الدفاع الأميركية قوات عمليات خاصة إلى "إسرائيل" لتقديم المشورة لقوات الجيش الإسرائيلي بشأن الحرب الوشيكة في غزة. وأنشأت واشنطن وتل أبيب قنوات لتبادل المعلومات حول مكان وجود السنوار وغيره من كبار قادة حماس والرهائن.

وقال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض: "لقد كرّسنا جهودًا وموارد كبيرة للإسرائيليين من أجل مطاردة القيادة العليا، وخاصة السنوار. لقد كان لدينا أشخاص في إسرائيل يجلسون في الغرفة مع الإسرائيليين يعملون على حل هذه المشكلة. ومن الواضح أن لدينا الكثير من الخبرة في مطاردة الأهداف ذات القيمة العالية".

يحيى السنوار
يحيى السنوار

ونشر الأميركيون رادارًا يخترق الأرض للمساعدة في رسم خرائط لمئات الأميال من الأنفاق التي يعتقدون أنها تحت غزة، مع صور جديدة مقترنة بمعلومات استخباراتية إسرائيلية تم جمعها من مقاتلي كتائب القسام الذين تم اعتقالهم عليهم، وكميات كبيرة من الوثائق لبناء صورة أكثر اكتمالاً لشبكة الأنفاق.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن الدعم الاستخباراتي الأميركي كان "لا يقدر بثمن"، مضيفًا أن الإسرائيليين والأميركيين لديهم مصلحة مشتركة في تحديد مكان قادة حماس والعشرات من الرهائن، بما في ذلك الأميركيين، الذين ما زالوا في غزة.

تواصل السنوار صار أكثر صعوبة

وقال مسؤولون إسرائيليون وقطريون ومصريون وأميركيون لصحيفة "نيويورك تايمز" إن التواصل مع السنوار أصبح أكثر صعوبة. وكان يرد على الرسائل في غضون أيام، لكن الأمر بات يستغرق وقتًا أطول بكثير للحصول على رد منه في الأشهر الأخيرة، وأن بعض نوابه كانوا في بعض الأحيان وكلاء له في تلك المناقشات.

ويقول مسؤولون أميركيون إنه ورغم أن الضغوطات على السنوار جعلت من الصعب عليه التواصل مع القادة العسكريين وتوجيه العمليات اليومية، إلّا أنه ما يزال لديه القدرة على إملاء الاستراتيجية العامة للمجموعة.

ويقرّ المسؤولون بأنه ليس من الواضح مدى التأثير الذي قد يخلفه غياب السنوار عن المشهد، على المفاوضات لإطلاق سراح الإسرائيليين الذين تم احتجازهم في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأن إزاحته قد يجعل خلفاءه أقلّ استعدادًا لإبرام صفقة.

لا يستخدم الهاتف ويحرص على نشرة أخبار الثامنة

خلال الأسابيع الأولى من الحرب، يعتقد مسؤولون استخباراتيون وعسكريون إسرائيليون أن السنوار كان يعيش في شبكة من الأنفاق تحت مدينة غزة، أكبر مدينة في القطاع وواحدة من أولى المدن التي استهدفتها القوات الإسرائيلية.

وخلال إحدى الغارات المبكرة على نفق في مدينة غزة، عثر جنود إسرائيليون على مقطع فيديو تم تصويره قبل أيام للسنوار، أثناء نقل عائلته إلى مكان اختباء تحت المدينة. ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية أن السنوار احتفظ بعائلته معه لمدة ستة أشهر على الأقل خلال الحرب.

بحسب مصادر الصحيفة، فإنه في ذلك الوقت، كان السنوار ما يزال يستخدم الهواتف الخلوية والفضائية من داخل الأنفاق، وكان يتحدّث من وقت لآخر إلى مسؤولين من حماس في الدوحة. وكانت وكالات التجسس الأميركية والإسرائيلية قادرة على مراقبة بعض تلك المكالمات، لكنّها لم تتمكن من تحديد موقعه.

لماذا طلب غالانت إدخال الوقود لغزة؟

وأشارت الصحيفة إلى أنه ومع نفاد الوقود في غزة، ضغط وزير جيش الاحتلال يؤآف غالانت من أجل إرسال شحنات جديدة إلى غزة لتشغيل المولدات اللازمة لإبقاء شبكات الهاتف الخليوي قيد التشغيل، حتى تتمكن عمليات التعقّب والتنصت الإسرائيلية من الاستمرار، وذلك رغم اعتراضات أعضاء اليمين المتطرّف في الحكومة الإسرائيلية الذين أرادوا قطع شحنات الوقود لمعاقبة سكان غزة.

وخلال هذه الفترة، تمكنت وكالات التجسس من الحصول على لمحات عن حياة السنوار تحت الأرض، بما في ذلك حرصه على متابعة وسائل الإعلام الإخبارية الإسرائيلية، وإصراره على مشاهدة نشرة أخبار الثامنة مساءً على التلفزيون الإسرائيلي.

في نوفمبر/تشرين الثاني، وصف أحد الرهائن الإسرائيليين الذين تم الإفراج عنهم في صفقات التبادل، كيف خاطب السنوار عددًا كبيرًا من الأسرى الإسرائيليين بعد فترة وجيزة من هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ووفقًا لروايته، فقد أخبرهم السنوار باللغة العبرية، التي تعلمها خلال سنواته في سجن إسرائيلي، أنهم آمنون حيث هم، ولن يلحق بهم أي أذى.

يخرج من النفق أحيانًا!

وقال مسؤولون إسرائيليون إن جميع عناصر حماس المختبئين تحت الأرض، حتى السنوار، يضطرون أحيانا إلى الخروج من الأنفاق لأسباب صحية. لكن شبكة الأنفاق واسعة ومعقدة للغاية ــ ويملك مقاتلو حماس معلومات استخباراتية جيّدة عن أماكن تواجد القوات الإسرائيلية، لدرجة أن السنوار قد يخرج أحيانًا إلى السطح دون أن يتم اكتشافه.

ويعتقد الإسرائيليون أن السنوار انتقل السنوار إلى خان يونس، المدينة التي ولد فيها، وربما سافر من هناك إلى مدينة رفح عبر نفق.

خرج السنوار أكثر من مرة من الأنفاق دون الكشف عنه، ولم يُرصد إلا بعد عودته للأنفاق

وقال مسؤولون إسرائيليون إن السنوار كان قد فرّ عندما تمت مداهمة مخبأ خان يونس في 31 يناير/كانون الثاني. وأضافوا أنه كان متقدّمًا بخطوة واحدة على مطارِديه، الذين كانوا في بعض الأحيان يدلون بتعليقات حول مدى قربهم من العثور عليه.

وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2023، عندما بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي بحفر الأنفاق، تباهى غالانت أمام الصحفيين بأن السنوار "يسمع جرافات الجيش الإسرائيلي فوقه، وسوف "يواجه فوّهات بنادقنا قريبًا".