13-أكتوبر-2024
غارة إسرائيلية على مخيّم جباليا شمال قطاع غزة (أكتوبر/ 2024)

غارة إسرائيلية على مخيّم جباليا شمال قطاع غزة (أكتوبر/ 2024)

قالت وكالة أسوشيتد برس إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدرس خطّة لقطع المساعدات الإنسانيّة عن شماليّ قطاع غزة، ومحاصرة وتجويع مئات آلاف الفلسطينيين الرافضين لمغادرة منازلهم، بمن فيهم مقاتلي كتائب القسام، الجناح العسكريّ لحركة حماس.

نتنياهو يدرس خطّة لإخلاء شمال قطاع غزة، وقطع المساعدات والغذاء والماء والدواء عمّه بقوا، ويرفضون النزوح ومغادرة منازلهم

وخلال الحرب الإسرائيلية المستمرّة على قطاع غزة منذ أكثر من سنة، واصل جيش الاحتلال إصدار أوامر إخلاء لسكان قطاع غزة الذين اضطروا للنزوح من مكان لآخر، وآخر أوامر الإخلاء كانت قبل نحو أسبوع لسكان مناطق شماليّ القطاع، قبل إعلانها منطقة عسكرية مغلقة، وفرض حصار عليها، بمنع إدخال الغذاء والماء والدواء والوقود، وهو ما كان اقترحه مجموعة من الجنرالات المتقاعدين على نتنياهو والكنيست الإسرائيلي، بهدف زيادة الضغط على حماس، وصولًا لكسرها، وإجبارها على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.

وتنص "خطّة الجنرالات" على أن تحتفظ "إسرائيل" بالسيطرة على شماليّ قطاع غزة، في محاولة لإنشاء إدارة جديدة بدون حماس، وهو ما سيؤدي إلى تقسيم قطاع غزة إلى قسمين.

ورغم أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي لم تتخذ أي قرار بتنفيذ خطة الجنرالات بشكل كامل، وليس من الواضح مدى جديّة النظر فيها، بحسب أسوشيتد برس، إلّا أن مسؤولًا (إسرائيليًا) قال إن نتنياهو "قرأ ودرس" الخطة، "مثل العديد من الخطط التي وصلت إليه طوال الحرب"، لكنّه لم يذكر ما إذا كان أي منها قد تم تبنيه.

 وقال مسؤول إسرائيلي آخر إن أجزاء من الخطة يجري تنفيذها بالفعل، دون تحديد الأجزاء. ولم تكشف الوكالة عن أسماء المسؤولين الإسرائيليين الذين تحدّثا لها، لأن الخطة "لا يُفترض مناقشتها علنًا".

وذكرت أسوشيتد برس أنه ومنذ طرح الجنرالات المتقاعدين والضباط رفيعي المستوى، الخطة، اتصل بهم مسؤولون من مكتب نتنياهو للحصول على مزيد من التفاصيل، بحسب مهندس الخطة الرئيس، غيورا إيلاند، الذي شغل سابقًا منصب السابق رئيس مجلس الأمن القومي. فيما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن نتنياهو أنه قال خلال جلسة مغلقة للجنة الدفاع البرلمانية إنه يدرس الخطة.

وبداية الأسبوع الماضي شنّ جيش الاحتلال الإسرائيليّ اجتياحًا لمخيم جباليا للاجئين شمال مدينة غزة، ترافق مع قصف مكثّف للطيران والمدفعية، بالتوازي مع منع أي شاحنات محمّلة بالغذاء أو الماء أو الأدوية من الوصول إلى شمال القطاع.

ويتذرّع جيش الاحتلال بأنّ حركة حماس أعادت تنظيم صفوف مقاتليها شمال القطاع، بعد اجتياحات إسرائيلية متكررة خلال سنة من الحرب، وأطلقت الصواريخ مجددًا على مستوطنات غلاف غزة.

ومطلع أيلول/ سبتمبر الماضي قدّم اللواء الاحتياط غيورا آيلاند، الذي شغل سابقًا منصب رئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، خطة مع مجموعة من الجنرالات المتقاعدين والضباط رفيعي المستوى، معتقدين أنها ستؤدي إلى القضاء على حماس، وعنوانها الأبرز دفع سكان شمال غزة إلى "الاستسلام أو الموت جوعًا".

يعتقد غيورا آيلاند أن الحصار القاسي على شمال قطاع غزة سيجبر حماس على إطلاق سراح نحو 100 إسرائيلي ما يزالون محتجزين لديها منذ 7 أكتوبر 

وقال آيلاند إن الطريقة الوحيدة لوقف حماس وإنهاء الحرب المستمرة منذ عام هي منع وصول المساعدات إليها، مضيفًا: "سيتعيّن عليهم الاستسلام أو الموت جوعًا. وهذا لا يعني بالضرورة أننا سنقتل كل شخص. لن يكون ذلك ضروريًا، لأنهم لن يتمكنوا من العيش هناك. سوف تجف المياه".

وتقول وكالة أسوشيتد برس إنها حصلت على نسخة من الخطة، وقد جاء فيها أنه إذا نجحت الاستراتيجية في شمال غزة، فيمكن تكرارها في مناطق أخرى بقطاع غزة.

 

ونشرت صحيفة "هآرتس" تقريرًا لمراسلها للشؤون العسكرية يانيف كوبوفيتش، بعنوان: "تقييم مسؤولين كبار في الجيش وجهاز المخابرات الشاباك: الحكومة تخلت عن المفاوضات وتعمل لتنفيذ ضم زاحف لغزة". 

وأشار التقرير إلى أن "القادة العاملين في قطاع غزة ذكروا أن قرار التحرك نحو الشمال تم اتخاذه دون مناقشة متعمقة، ويبدو أن الهدف منه هو زيادة الضغط على المدنيين هناك. في حين كان هناك قلق في المؤسسة العسكرية والاستخباراتية من أن هذا القرار قد يعرض حياة المختطفين للخطر".

ووفقًا لتقرير "هآرتس"، نقلًا عن مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات الشاباك، فإن "الحكومة الإسرائيلية لا تهدف إلى التوصل الى لصفقة الرهائن، بل المستوى السياسي يضغط نحو ضم زاحف لأجزاء كبيرة من قطاع غزة، بدلًا من إنهاء الحرب وإعادة المختطفين، فيما فرصة التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة الرهائن باتت ضئيلة، خاصة مع توقف المفاوضات وغياب المحادثات مع الأطراف الدولية. ولم يتم عقد أي نقاش بين المستوى السياسي وكبار المسؤولين العسكريين حول وضع المختطفين منذ فترة".

وتنقل هآرتس عن قادة عسكريين ميدانيين قولهم: "إن قرار التحرك نحو شمال القطاع لم يُتخذ بعد دراسة معمقة، ويبدو أنه يستهدف بشكل رئيسي الضغط على سكان غزة لإجبارهم على الانتقال نحو الساحل، رغم قرب فصل الشتاء، وما يجري حاليًا قد يكون تمهيدًا لقرار سياسي يهدف إلى تنفيذ خطة الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند التي تشمل حصارًا وتجويعًا للشمال، ودفع السكان للانتقال نحو الجنوب، حيث سيتم تصنيف من يبقى في الشمال كناشط في حماس وبالتالي يمكن استهدافه".

وأشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي، استعد "لتنفيذ توغل واسع في شمال القطاع بعد فشل المفاوضات بشأن صفقة الرهائن، لكن الفرقة 162، التي بقيت جنوب القطاع، طُلب منها الاستعداد لتنفيذ اجتياح واسع في جباليا رغم غياب معلومات استخباراتية كافية تبرر هذه الخطوة، ولم يتفق جميع ضباط الجيش والشاباك على ضرورة هذا الخطوة، حيث خشيت بعض القيادات من تعريض حياة المختطفين للخطر، وتبين أن الجنود الذين دخلوا جباليا لم يواجهوا مقاومة مسلحة مباشرة".

وتابعت "هآرتس"، بالقول: "الجيش الإسرائيلي أكد مؤخرًا أن العمليات البرية قد تعرض حياة المختطفين للخطر، خاصة بعد العثور على ستة مختطفين قتلى جراء اقتراب القوات من موقع احتجازهم".

وبناءً على تقديرات استخباراتية، أشارت "هآرتس" إلى أن "شمال القطاع يضم حوالي 4000 ناشط معروف قبل الحرب، بينما يُعتقد أن عددهم في الجنوب أكبر، العديد من المسلحين غادروا مناطق القتال قبل وصول الجيش الإسرائيلي، فيما لا يزال ناشطون آخرون يعملون في مخيمات وسط القطاع، وهي مناطق لم تدخلها القوات الإسرائيلية بعد".

وأضاف التقرير أن حماس تسيطر بشكل كامل على كافة جوانب الحياة المدنية في القطاع. ورغم دعوات الجيش الى ضرورة الدفع نحو تدخل دولي، في هذا الملف إلا أن "المستوى السياسي رفض مقترحات قادة المؤسسة الأمنية بهذا الشأن". كما أوضح أن حماس أنشأت "وحدة شرطة جديدة تعمل على قمع أي محاولات لإضعاف قبضتها على القطاع".

ما هي خطّة الجنرالات؟

والخطّة التي قدّمها غيورا آيلاند تأتي بعد فشل خطّة الضغط العسكري التي نفّذها جيش الاحتلال في تحقيق أهداف الحرب، وتستند إلى أنه لا يمكن هزيمة حركة حماس طالما أنها تتحكّم في المساعدات.

ومنتصف الشهر الماضي، كشف ميخائيل شيمش، مراسل الشؤون السياسية في قناة "كان 11"، أن الجيش الإسرائيلي يدرس خطة دراماتيكية تهدف إلى تحقيق الانتصار على حركة حماس.

وأضاف أن ثمّة قادة في الجيش يفكرون في تبني خطة غيورا آيلاند بالكامل أو تبني أجزاء منها، وإذا تّمت الموافقة على الخطة، فإنها ستتضمن إجلاء مئات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة من منازلهم وتحويل المنطقة إلى منطقة عسكرية مغلقة.

وقدمت مجموعة من الضباط الإسرائيليين من "منتدى الضباط والمقاتلين في الاحتياط" خطة استراتيجية لمواصلة الحرب في قطاع غزة، تحت إشراف غيورا آيلاند، تُعرف بـ "خطة الجنرالات"، وتهدف لتعديل مسار العمليات العسكرية الحالية التي تُعتبر غير فعّالة.

تهدف "خطة الجنرالات" لتعديل مسار العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية (الضغط العسكري) والتي تُعتبر غير فعّالة، ولم تحقق أهداف الحرب

وتتضمن خطة آيلاند مرحلتين رئيسيتين؛ الأولى تركز على تهجير السكان المتبقين في شمال قطاع غزة وتحويل المنطقة إلى "منطقة عسكرية مغلقة"، وتتطلب هذه المرحلة نزوح حوالي 300 ألف فلسطيني من شمال القطاع خلال فترة زمنية قصيرة.

وبعد إتمام المرحلة الأولى، يفرض الجيش الإسرائيلي حصارًا عسكريًا كاملًا على شمال القطاع، وبحسب واضعي الخطة فإن ذلك قد يدفع المقاتلين إلى الاختيار بين الاستسلام أو الموت.

وهذه الخطة، التي حظيت بدعم عدد كبير من الضباط، يعتقد واضعوها بأن حركة حماس لا يمكن هزيمتها طالما أنها تتحكم في المساعدات الإنسانية. ويهدف الحصار إلى إضعاف قدرة حماس على الصمود من خلال قطع الإمدادات الأساسية، ما قد يجبر المقاتلين على الاستسلام أو التسبب في تدهور حالتهم إلى حدّ الموت جوعًا.

وانتقد غيورا آيلاند بشدة الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، التي تركّز على الضغط العسكري فقط، واصفًا إياها بـ الفاشلة في تحقيق الأهداف المرجوة، واعتبر أن هذه الاستراتيجية لم تنجح في إعادة الأسرى أو إنهاء الصراع.