لتأمين المجهود الحربي للتنظيمات السرية العسكرية الصهيونية عام 1945، كان الحشيش يُهرَّب في طائرةٍ بين مصر وفلسطين، "وقد كانت المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل –الأرغون- ضالعةً في تهريب الحشيش إلى مصر لتمويل حربها في فلسطين" وفق ما كشفه الصحفي في يديعوت أحرونوت العبرية، آفي عيز غولان.
كان الحشيش يُهرَّب في طائرةٍ ما بين مصر وفلسطين، وقد كانت منظمة الأرغون ضالعةً في تهريبه
"الهاغاناة" كانت الجسم العسكري المركزي للحركة الصهيونية في فلسطين قبل النكبة، وانشق عنها قائدها في القدس "أبراهام تهومي"، بعد عجزها عن التصدي لثورة الشعب الفلسطيني عام 1929، التي أسفرت عن مقتل 133 مستوطنًا، واستشهاد 116 فلسطينيًا، بحجة أن "الهاغاناة" لم تكن مستعدة لقمع الثورة.
من رحم ذلك الفشل تمخّض الانشقاق رسميًا عام 1931، وانضم إليه غالبية قادة فرع "الهاغاناة" في القدس، فكان ذلك ميلاد "المنظمة العسكرية القومية" المعروفة اختصارًا في الأدبيات البريطانية العربية باسم "الأرغون"، وفي الأدبيات العبرية باسم "إتسل".
لاحقًا انشق عن "الأرغون"، تنظيم "مقاتلي حرية إسرائيل –ليحي-"، المعروف اختصارًا في الأدبيات العربية باسم مؤسسه "شتيرن"، بعد خلافٍ بين قادته حول التحالف مع بريطانيا أو النازية.
التنظيم الأم (الأرغون، اختار بريطانيا، والثاني (شتيرن) سعى للتحالف مع النازيّة ضد بريطانيا، أما التنظيم العسكري الرئيس "الهاغاناة" فحارب كلا المنظمتين، وسقط قتلى جراء ذلك الصراع من كل الأطراف، لكن اليد العليا في النهاية كانت لـ "الهاغاناة" التي كانت أشبه بجيشٍ خاضعٍ لسلطةٍ سياسيةٍ يهودية، هي الوكالة اليهودية.
السلاح الذي هربته "الأرغون وشتيرن" عبر سوريا ولبنان، جاء بقيمة الأموال التي جناها التنظيمان من صفقات الحشيش
في السنوات التي سبقت نشأة "إسرائيل"، وفي سنوات عمرها المبكرة، كانت الصحف تحرص على كشف وتوثيق كل ما ينزع عن "الأرغون" و"شتيرن" صفة البطولة في الرواية الصهيونية. ذلك تلاشى لاحقًا لتتغير الصورة بشكل معاكس؛ وهذا ما يفسر وجود شهادات في الصحف العبرية في تلك الفترة عن استغلال "الأرغون وشتيرن" -الذين تطلق عليهما "الهاغاناة" وصف المنشقين- تجارة الحشيش لتأمين المال والسلاح اللازم، من أجل تنفيذ حملات التطهير العرقي بحق الفلسطينين.
أرشيف "الهاغاناة" يتضمن أنها درست مشروعًا للإتجار بالحشيش، من أجل تمويل حربها على الفلسطينيين، لكن المعلومات المتاحة -حتى الآن- لا توضح إذا ما كانت خلاصة تلك الدراسات، قد شقت طريقها نحو الواقع أو لا.
الوثائق التي كشفها المؤرخ الإسرائيلي حاغاي رام في كتابه الذي صدر مؤخرًا ""تخدير صهيون: التاريخ الاجتماعي من فلسطين أثناء الانتداب البريطاني إلى إسرائيل"، حملت بينها مقتطفات من صحف عبرية تابعة للتيار المركزي للحركة الصهيونية، تؤكد ضلوع "المنشقين" في تجارة الحشيش لتمويل شراء السلاح.
فقبل ثلاثة أيام من الإعلان عن إقامة "إسرائيل" في الحادي عشر من شهر آيار/مايو لعام 1948 –تكشف صحيفة معاريف العبرية- أن السلاح الذي هربته "الأرغون وشتيرن" عبر سوريا ولبنان، جاء بقيمة الأموال التي جناها التنظيمان من صفقات الحشيش.
ويلفت الكتاب إلى أن صحيفة "هستوفيه" التابعة للصهيونية الدينية، أوردت نبأً قبل ذلك بثلاث سنوات، يفيد بأن "عصابةً من المنشقين"، اعتقلتها السلطات المصرية بتهمة تهريب الحشيش والأفيون إلى مصر على نطاق واسع.
اعتقلت السلطات المصرية عصابة صهيونية بتهمة تهريب الحشيش والأفيون إلى مصر على نطاق واسع
"شاي" باللغة العبرية، تمثل الحروف الأولى من جملة "خدمة المعلومات" باللغة العبرية، وهو جهاز استخبارات "الهاغاناة"، وكان مكونًا من عدة أقسام أهمها القسم العربي، الذي جمع معلومات مفصلة عن الفلسطينين، وقُراهم، وأعدادهم، وقوائم بأسماء المجاهدين الذي انخرطوا في ثورة 1936 تمهيدًا لاستهدافهم. أما القسم الثاني فكان القسم الداخلي الذي تخصص بالتجسس على التنظيمات اليهودية العسكرية المنشقة "الأرغون" و"ليحي".
حاغاي رام، استعرض في كتابه تقارير أعدها "شاي"، حول "تجارة المنشقين" بالحشيش لتمويل منظماتهم، وتحدث في مقابلةٍ أجراها معه الصحفي الإسرائيلي المخضرم يرون لوندون، عن ضلوع "الهاغاناة" في تهريب المخدارات من لبنان عبر فلسطين إلى مصر، لتمويل الحرب التي تشنها في فلسطين، لكنه أكد أنه من الصعب عليه الحديث حول "استغلال المخدرات وتهربيها" بعد قيام "إسرائيل"، خشيةً من الرقابة العسكرية، وأوامر حظر النشر حول هذه الملف.
في حين استعرض يوسي مليمان، خبير الشؤون الاستخبارية في صحيفة "هآرتس" كتاب حاغاي رام، وأشار إلى تقريرٍ قدمه الجنرال المصري عبد العزيز صفوت، رئيس مكتب مكافحة المخدرات في جامعة الدول العربية، للأمم المتحدة، بعد فترةٍ وجيزة من مايو عام 1955، أشار فيه لضلوع "إسرائيل" في تهريب المخدّرات للدول العربية، خصوصًا مصر.
جنرال مصري في جامعة الدول العربية: هناك بالتأكيد مصانع صغيرة في إسرائيل لتصنيع الكوكايين والهيروين
وجاء على لسان الجنرال المصري: "هناك بالتأكيد مصانع صغيرة في إسرائيل لتصنيع الكوكايين، والهيروين والمخدرات الصناعية، التي يجري الترتيب لتهريبها إلى دول معينة في الشرق الأوسط".
ثم يسأل مليمان المؤلف: "هل بمقدورك تصديق مزاعم الجنرال المصري صفوت والآخرين في مصر، التي تفيد بأن إدارة عمليات تهريب المخدرات للدول العربية "ممنهج مؤسسيًا"؟"، ليجيبه البرفسور رام: "لست أدري. لكنني لا أستبعد ذلك، خصوصًا عند قراءة تقارير نشرتها مصادر إسرائيلية، تقول إن "إسرائيل" حاولت تسميم آبار المياه في مصر، وتطوير فايروسات ضد العرب الفلسطينيين في عكا عام 1948، لا سيما ذلك التقرير الذي كتبه "تيد كروس" حول ضابطٍ في الاستخبارات الإسرائيلية، قام بتمويل نشاطه في مصر، خلال الفترة الواقعة بين عامي 1948م، و1950م، عبر تهريب الحشيش والاتجار به".
اقرأ/ي أيضًا: