11-يوليو-2024
أطفال غزة يموتون بالشظايا

(Getty) الأطفال أكثر عرضة لأي إصابة نافذة؛ لأن أجسامهم أصغر حجمًا

تناول تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية، قيام جيش الاحتلال، باستخدام قنابل تنثر الشظايا المعدنية، في غزة على نطاق واسع، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا، وتأثيرات قاتلة على مستوى الأطفال على الأخص.

قال جراحون أجانب عملوا في غزة في الأشهر الأخيرة لصحيفة "الغارديان" إن الأسلحة الإسرائيلية المصنعة والمصممة لنثر مستويات عالية من الشظايا تسبب إصابات مروعة للمدنيين في غزة، وتؤذي الأطفال بشكل كبير.

تحدثت صحيفة "الغارديان" إلى ستة أطباء أجانب عملوا في مستشفيين في غزة، المستشفى الأوروبي ومستشفى الأقصى، خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ووصف جميعهم مشاهدتهم لجروح بالغة ناجمة عن أسلحة "شظايا"

ويقول الأطباء إن العديد من الوفيات وبتر الأطراف والجروح التي غيرت حياة الأطفال الذين عالجوهم جاءت نتيجة إطلاق الصواريخ والقذائف، في مناطق مكتظة بالمدنيين، المحملة بمعدن إضافي مصمم للتفتت إلى قطع صغيرة من الشظايا.

وأوضح أطباء متطوعون في مستشفيين في غزة، أن أغلب العمليات التي أجروها كانت على أطفال أصيبوا بشظايا صغيرة تخلف جروحًا بالكاد يمكن تمييزها، ولكنها تسبب دمارًا واسع النطاق داخل الجسم. وقالت منظمة العفو الدولية إن هذه الأسلحة مصممة على ما يبدو لزيادة عدد الضحايا إلى أقصى الحدود.

وقالت فيروز سيدهوا، وهي طبيبة متخصصة في جراحة الصدمات من كاليفورنيا، وعملت في المستشفى الأوروبي في جنوب غزة في شهر نيسان/أبريل: إن "نصف الإصابات التي عالجتها كانت لأطفال صغار. لقد رأينا الكثير من الإصابات التي يطلق عليها إصابات الشظايا، والتي كانت صغيرة جدًا لدرجة أنه من السهل تفويتها في أثناء فحص المريض. كانت أصغر بكثير من أي شيء رأيته من قبل، ولكنها تسببت في أضرار جسيمة في الداخل".

وقال خبراء الأسلحة إن الشظايا والجروح تتوافق مع الأسلحة المصنعة في إسرائيل والمصممة لإحداث أعداد كبيرة من الضحايا على عكس الأسلحة التقليدية المستخدمة لتدمير المباني. ويتساءل الخبراء عن سبب إطلاقها على مناطق مكتظة بالمدنيين.

وتحدثت صحيفة "الغارديان" إلى ستة أطباء أجانب عملوا في مستشفيين في غزة، المستشفى الأوروبي ومستشفى الأقصى، خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ووصف جميعهم مشاهدتهم لجروح بالغة ناجمة عن أسلحة "شظايا"، والتي قالوا إنها ساهمت في ارتفاع معدلات البتر بشكل مثير للقلق منذ بدء الحرب. وقالوا إن الإصابات شوهدت لدى البالغين والأطفال، لكن الضرر الذي لحق بهم كان من المرجح أن يكون أكثر شدة بالنسبة للأجسام الأصغر سنًا.

وأضافت فيروز سيدهوا "إن الأطفال أكثر عرضة لأي إصابة نافذة؛ لأن أجسامهم أصغر حجمًا. وأجزاؤهم الحيوية أصغر حجمًا وأسهل تعرضًا للتلف. وعندما يصاب الأطفال بتمزق في الأوعية الدموية، تكون أوعيتهم الدموية صغيرة بالفعل إلى الحد الذي يجعل من الصعب جدًا إعادة تجميعها. والشريان الذي يغذي الساق، الشريان الفخذي، لا يزيد سمكه عن سمك المعكرونة عند الأطفال الصغار. إنه صغير جدًا. لذا فإن إصلاحه وإبقاء طرف الطفل متصلًا به أمر صعب للغاية".

وأكد مارك بيرلموتر، جراح العظام من ولاية كارولينا الشمالية، وعمل في المستشفى نفسه الذي كانت تعمل فيه سيدهوا: أن "الجروح الأكثر شيوعًا هي الجروح التي تدخل وتخرج من الجسم بقطر مليمتر أو مليمترين".

واستمر في القول: "أظهرت الأشعة السينية عظامًا مهشمة بها جرح به ثقب صغير على أحد الجانبين، وثقب صغير على الجانب الآخر، وعظمة تبدو وكأن مقطورة جرار مرت فوقها. كان لدى معظم الأطفال الذين أجريت لهم العمليات الجراحية نقاط دخول وخروج صغيرة".

وتابع بيرلموتر، قائلًا: إن "الأطفال الذين أصيبوا بقطع متعددة من الشظايا الصغيرة غالبًا ما يموتون، والعديد من الناجين فقدوا أطرافهم".

وأوضح: "معظم الأطفال الذين نجوا كانوا يعانون من إصابات عصبية وإصابات في الأوعية الدموية، وهو سبب رئيسي للبتر. حيث تتضرر الأوعية الدموية أو الأعصاب، ويأتون بعد يوم واحد وقد ماتت الساق أو ماتت الذراع".

وتمكن سانجاي أدوسوميلي، وهو جراح أسترالي عمل في مستشفى الأقصى في وسط غزة في شهر نيسان/أبريل، من انتشال شظايا مكونة من مكعبات معدنية صغيرة يبلغ عرضها حوالي ثلاثة ملليمترات أثناء إجراء عملية جراحية لصبي صغير. ووصف الجروح الناجمة عن الأسلحة المتفجرة بأنها تتميز بشظايا تدمر العظام والأعضاء بينما تترك خدشًا فقط على الجلد.

قنابل بشظايا

وقال خبراء المتفجرات الذين راجعوا صور الشظايا، وأوصاف الأطباء للجروح، إنها تتفق مع القنابل والقذائف المزودة بـ "غلاف شظايا" حول الرأس الحربي المتفجر من أجل زيادة الخسائر إلى أقصى حد. كما وُثِّق استخدامها في الهجمات الإسرائيلية السابقة على غزة.

وقال تريفور بول، وهو فني سابق في الجيش الأميركي متخصص في التخلص من المتفجرات، إن المتفجرات تتناثر منها مكعبات التنغستن [معدل ثقيل وصغير الحجم] وكرات معدنية أكثر فتكًا من الانفجار نفسه.

وأوضح: "إن هذه الكرات والمكعبات هي المصدر الرئيسي للتفتيت الناتج عن هذه الذخائر، حيث يوفر غلاف الذخيرة جزءًا أصغر بكثير من تأثير التفتيت. وتعتمد معظم قذائف المدفعية والقنابل التقليدية على غلاف الذخيرة نفسه بدلًا من بطانات التفتيت المضافة".

وقال بول إن مكعبات المعدن التي استعادها أدوسوميلي توجد عادة في أسلحة إسرائيلية الصنع مثل أنواع معينة من صواريخ سبايك التي تطلق من طائرات مُسيّرة. مضيفًا أن روايات الأطباء عن الجروح الصغيرة التي تدخل الجسم تتوافق أيضًا مع القنابل الانزلاقية وقذائف الدبابات المزودة بأكمام متشظية مثل قذيفة M329 APAM، المصممة لاختراق المباني، وقذيفة M339 التي تصفها شركة Elbit Systems في حيفا بأنها "شديدة الفتك بالمشاة".

وأوضح بول "إن المشكلة تكمن في كيفية استخدام هذه الذخائر الصغيرة. فحتى الذخيرة الصغيرة نسبيًا المستخدمة في مساحة مزدحمة، وخاصة في مساحة لا تتوفر فيها سوى حماية ضئيلة أو معدومة ضد التفتت، مثل مخيم للاجئين يضم خيامًا، يمكن أن تؤدي إلى وفيات وإصابات بالغة".

أطفال وشظايا

وتمكنت منظمة العفو الدولية لأول مرة من التعرف على الذخائر المعبأة بالمكعبات المعدنية المستخدمة في صواريخ سبايك في غزة في عام 2009.

وفي تقرير صدر حينئذ، قالت منظمة العفو الدولية: "يبدو أن هذه القنابل مصممة للتسبب في أقصى قدر من الإصابات، وفي بعض النواحي، تبدو وكأنها نسخة أكثر تطورًا من الكرات أو المسامير والبراغي التي غالبًا ما تضعها الجماعات المسلحة في الصواريخ البدائية والقنابل الانتحارية".

وقال بول إن الأسلحة المزودة بأغلفة شظايا هي "ذخائر صغيرة نسبيًا" مقارنة بالقنابل التي لها منطقة انفجار واسعة، والتي ألحقت أضرارًا، أو دمرت أكثر من نصف المباني في غزة. ولكن لأنها معبأة بمعادن إضافية، فهي مميتة للغاية في المناطق المجاورة مباشرة. وعادة ما تقتل الشظايا من صاروخ سبايك، وتسبب إصابات خطيرة على مسافة 20 مترًا.

وتساءل خبير أسلحة آخر، رفض الكشف عن اسمه؛ لأنه يعمل في بعض الأحيان لصالح الحكومة الأميركية، عن استخدام مثل هذه الأسلحة في مناطق مكتظة بالمدنيين في غزة.

وأضاف أن "الادعاء هو أن هذه الأسلحة أكثر دقة وتحد من الخسائر في منطقة أصغر. ولكن عندما تُطْلَق على مناطق ذات تركيزات عالية من المدنيين الذين يعيشون في العراء، وليس لديهم مكان للاحتماء، فإن الجيش يعرف أن معظم الضحايا سيكونون من هؤلاء المدنيين".

وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إن أعداد الأطفال الذين أصيبوا في الهجوم الإسرائيلي على غزة "مذهلة". وتقدر الأمم المتحدة أن إسرائيل قتلت أكثر من 38 ألف شخص في غزة في الحرب الحالية، ومن بينهم 8 آلاف طفل على الأقل، رغم أن الرقم الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير.

وفي حزيران/يونيو، أضافت الأمم المتحدة إسرائيل إلى قائمة الدول التي ترتكب انتهاكات ضد الأطفال في أثناء النزاع، ووصفت نطاق القتل في غزة بأنه "نطاق وكثافة غير مسبوقين من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال"، وخاصة من قبل الجيش الإسرائيلي.

وتتعلق العديد من الحالات التي يتذكرها الجراحون بأطفال أصيبوا بجروح بالغة عندما سقطت الصواريخ في المناطق التي يعيش فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين في الخيام أو بالقرب منها بعد أن أجبروا على النزوح من منازلهم بسبب الهجوم الإسرائيلي.

ووصف بيرلموتر تعرضه على نحو متكرر لجروح مماثلة. وقال "معظم مرضانا كانوا دون سن 16 عامًا. مخرج الجرح لا يزيد حجمه عن بضعة ملليمترات. جرح الدخول بهذا الحجم أو أصغر. لكن يمكنك أن ترى أنه سريع للغاية بسبب الضرر الذي يلحقه بالداخل. عندما يكون لديك عدة شظايا صغيرة تتحرك بسرعات جنونية، فإنها تسبب تلفًا للأنسجة الرخوة يفوق حجم الشظية بكثير".

ووصف أدوسوميلي علاج طفل يبلغ من العمر ست سنوات وصل إلى المستشفى بعد غارة صاروخية إسرائيلية بالقرب من الخيمة التي تعيش فيها أسرته بعد فرارهم من منزلهم تحت القصف الإسرائيلي. وقال الجراح إن الطفل كان يعاني من جروح طفيفة لا تشير إلى حجم الضرر تحت الجلد.

ووصف حالته، بالقول: "لقد اضطررت إلى فتح بطنه وصدره. كان يعاني من جروح في الرئة والقلب وثقوب في أمعائه. كان علينا إصلاح كل شيء. لقد كان محظوظًا؛ لأنه كان هناك سرير في وحدة العناية المركزة. ولكن على الرغم من ذلك، توفي ذلك الصبي الصغير بعد يومين".

جوري.. قصة طفلة في غزة

وقال طبيب طوارئ أميركي يعمل الآن في وسط غزة، ولم يشأ الكشف عن اسمه خوفًا من تعريض عمله هناك للخطر، إن المسعفين يواصلون علاج الجروح العميقة التي أحدثتها شظايا القنابل العنقودية. وأضاف الطبيب أنه كان يعمل للتو على علاج طفل يعاني من جروح في قلبه وأوعيته الدموية الرئيسية، وتراكم الدم بين أضلاعه ورئتيه؛ مما جعله يعاني صعوبة في التنفس.

وقال سيدهوا إن "نحو نصف المرضى الذين عالجناهم كانوا من الأطفال". وسجل ملاحظات عن العديد منهم، بما في ذلك فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات، تدعى جوري، أصيبت بجروح خطيرة بشظايا في غارة جوية على رفح.

ووصف الطفلة جوري، بقوله: "وجدنا جوري وهي تحتضر بسبب الإنتان [الإنتان هو حالة خطيرة تحدث عندما يكون لدى الجهاز المناعي في الجسم استجابة شديدة للعدوى. ويسبب رد فعل الجسم ضررًا لأنسجته وأعضائه] في إحدى الزوايا. أخذناها إلى غرفة العمليات، ووجدنا أن أردافها كانت ممزقة بالكامل. وكانت العظمة السفلى في حوضها مكشوفة بالفعل على الجلد. وكانت هذه الجروح مغطاة باليرقات. وكانت ساقها اليسرى تفتقد جزءًا كبيرًا من العضلات في مقدمة ومؤخرة الساق، ثم حوالي بوصتين من عظم الفخذ. وكانت العظمة في الساق قد اختفت للتو".

وقالت سيدهوا إن الأطباء تمكنوا من إنقاذ حياة جوري وعلاج الصدمة الإنتانية. ولكن من أجل إنقاذ ما تبقى من ساقها، قصرها الجراحون خلال عمليات متكررة. وأشارت سيدهوا إلى أن المشكلة هي أن جوري ستحتاج إلى رعاية مستمرة لسنوات قادمة، ومن غير المرجح أن تجدها في غزة، قائلةً: "إنها تحتاج إلى تدخل جراحي متقدم كل سنة أو سنتين مع نموها لإعادة عظم الفخذ الأيسر إلى الطول الذي يحتاجه ليتناسب مع ساقها اليمنى، وإلا فإن المشي سيكون مستحيلًا. إذا لم تخرج من غزة، وإذا نجت، فإنها ستصبح معاقة على نحو دائم وكامل".

وقال الطبيب أدوسوميلي إن الأسلحة المتفجرة أدت إلى ارتفاع عدد حالات البتر بين الأطفال الناجين. وأوضح: "لقد كان عدد عمليات البتر التي اضطررنا إلى إجرائها لا يصدق، وخاصة على الأطفال. والخيار المتاح لك لإنقاذ حياتهم هو بتر ساقهم أو أيديهم أو أذرعهم. لقد كان هناك تدفق مستمر من عمليات البتر كل يوم".

وأجرى الدكتور أدوسوميلي عملية جراحية لفتاة تبلغ من العمر سبع سنوات أصيبت بشظايا صاروخ سقط بالقرب من خيمة عائلتها. وأوضح: "لقد جاءت وقد بُترت ذراعها اليسرى بالكامل. أحضرت عائلتها الذراع ملفوفة بمنشفة وداخل حقيبة. كانت تعاني إصابات بشظايا في بطنها، لذا كان عليّ فتح بطنها والسيطرة على النزيف. انتهى بها الأمر إلى بتر ذراعها اليسرى".

واستمر في القول: "لقد نجت، ولكن السبب الذي يجعلني أتذكرها هو أنه عندما كنت أسرع إلى غرفة العمليات، ذكّرتني بابنتي وكان من الصعب جدًا قبول الأمر عاطفيًا".

وتشير تقديرات اليونيسف إلى أنه خلال الأسابيع العشرة الأولى من الصراع وحدها، فقد نحو ألف طفل إحدى ساقيهم أو كلتيهما بسبب البتر.

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إن أعداد الأطفال الذين أصيبوا في الهجوم الإسرائيلي على غزة "مذهلة"

وقال الأطباء إن العديد من الأطراف كان يمكن إنقاذها في ظروف أكثر طبيعية، لكن نقص الأدوية وغرف العمليات حد من قدرة الجراحين على إجراء عمليات طارئة لإنقاذ الأرواح. وتحمل بعض الأطفال عمليات البتر دون تخدير أو مسكنات للألم بعد ذلك، مما أعاق تعافيهم إلى جانب تحديات تفشي العدوى بسبب الظروف غير الصحية ونقص المضادات الحيوية.

وقال أدوسوميلي إنه نتيجة لذلك، فإن بعض الأطفال الذين أُنْقِذُوا على طاولة العمليات ماتوا في وقت لاحق عندما كان من الممكن إنقاذهم في ظروف مختلفة.

وختم بالقول: "الجزء المحزن في الأمر هو أنك تفعل ما بوسعك لمحاولة مساعدة هؤلاء الأطفال. ولكن في نهاية الأمر، فإن حقيقة أن المستشفى مكتظ للغاية، ولا تتوفر فيه الموارد اللازمة للعناية المركزة، تجعلهم في النهاية يموتون في وقت لاحق".