28-يوليو-2024
القنابل الحارقة في غزة

القنابل الحارقة لا تتسبب عادة في انهيار المبنى بشكل كامل

"بعد منتصف الليل بقليل، ألقت طائرة كواد كابتر إسرائيلية قنبلة حارقة على مدخل منزلنا، فاشتعلت النار في خيمة النازحين في حديقة المنزل، وأُحرقت عدة أشجار، بعدها تلقينا اتصالاً باسم جيش الاحتلال، مفاده أننا كما أحرقنا منزلكم، سنحرقكم أحياء". لم يُبين الضابط الإسرائيلي سبب الاستهداف، أو المطلوب من العائلة فِعْلَهُ مقابل عدم تنفيذ التهديد، لكن رسالة التهديد هذه أعقبتها رسائل أخرى لعائلات في دير البلح، وهجمات أخرى بقنابل حارقة في المنطقة ذاتها.

القصف بالصواريخ الحارقة لا يتسبب عادة في انهيار المبنى بشكل كامل، ولكنه يوصل الانفجار واللهب لكافة أرجاء المكان، ويكون الاعتماد الأكبر في ضرره على الحرق أكثر من الشظايا

وفي شهادته لـ الترا فلسطين، يقول شابٌ من دير البلح، طلب عدم كشف هويته، إنه في اليوم التالي لاستهداف مدخل منزلهم وتهديدهم بالحرق، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي منزلين، الأول في منطقة ملعب العنان وارتقى فيه 12 شهيدًا، والآخر في شارع البيئة وارتقى فيه شهيدان وأصيب 10 آخرون، حيث استمر اشتعال النار في المنزل أكثر من 6 ساعات.

وبيّن، أن قصف المنزلين بالصواريخ الحارقة دفعهم إلى إخلاء منزلهم فورًا، تحسبًا لأن ينفذ الاحتلال تهديده، "وتشتتنا عن بعضنا، ولا نزال ننتظر مصيرنا المجهول" أضاف الشاب.

القنابل الحارقة
زاد جيش الاحتلال بشكل كبير من استخدامه للصواريخ الحارقة

وفي الآونة الأخيرة، زاد جيش الاحتلال بشكل كبير من استخدامه للصواريخ الحارقة المحمولة على الطائرات الحربية في استهداف منازل المدنيين في قطاع غزة، كما أدخل مهمة إضرام النيران لطائرة الكواد كابتر من خلال إلقاء القنابل الحارقة الصغيرة، التي تستهدف الحقول والمنازل ومخيمات النزوح بهدف إحداث ضرر كبير، وإفزاع النازحين.

وكانت مجزرة الخيام في رفح، يوم 26 أيار/مايو 2024،  إحدى المجازر التي استخدم فيها هذا النوع من الذخيرة بواسطة الطيران الحربي، حيث كان السبب الأساسي لارتقاء معظم الشهداء هو الحروق الشديدة التي تعرضوا لها، كما خلفت إصابات مستعصية، بشتى أنواع الحروق.

وحسب ما عاينه الترا فلسطين في عدد من المنازل المستهدفة بالصواريخ الحارقة، فإن القصف من هذا النوع لا يتسبب عادة في انهيار المبنى بشكل كامل، ولكنه يوصل الانفجار واللهب لكافة أرجاء المكان، ويكون الاعتماد الأكبر في ضرره على الحرق أكثر من الشظايا.

القنابل الحارقة في غزة
القصف بالصواريخ الحارقة لا يتسبب عادة في انهيار المبنى بشكل كامل
القنابل الحرارية في غزة
القصف بالصواريخ الحارقة يوصل الانفجار واللهب لكافة أرجاء المكان

وقال محمد سرحي، وهو شاهد عيان على استهداف الاحتلال لمنزل في مخيم 2 في النصيرات وسط القطاع، إن الطائرات أطلقت صاروخًا تجاه الطابق العلوي في المنزل المستهدف، ما تسبب في حريق هائل، إذ لم يتم انشال سوى جثث الشهداء التي دفع بها الانفجار خارج المنزل، أما باقي الجثث فلم يتم انتشالها إلا بعد قدوم الدفاع المدني ونجاحه في إخماد الحريق.

وأوضح محمد سرحي لـ الترا فلسطين، أن القصف حوّل جثامين الشهداء إلى كومة من اللهب، "رأيت طفلاً أطرافه مشتعلة، يصرخ ويستغيث، ويعيش ألمًا هائلاً، حاولنا أن ننتشله، ولكنه فارق الحياة قبل ذلك، رغم أن إصابته في الأطراف، ولكن الألم نال منه، ووصل مستشفى العودة شهيدًا".

ويضيف، "سمعنا أصوات المصابين في المنزل وهو يستغيثون، ثم كانت الأصوات تختفي تدريجيًا، فنعلم أنهم قضوا حرقًا. مجرد سماع تلك الأصوات كان يبين لك مدى الألم والمعاناة التي عايشوها حتى فارقوا الحياة".

وبين محمد، أن المنزل المستهدف لوحظت فيه رائحة غريبة بعد الاستهداف، أشبه برائحة الغاز، التي كانت تشم بوضوح مع رائحة الجثث المحروقة.

القنابل الحارقة في غزة
كان الحريق غريبًا، لم يتوقف حتى أحرق كل ما في المنزل

وتابع، "كان الحريق غريبًا، لم يتوقف حتى أحرق كل ما في المنزل، واستغرق وقتًا طويلا قبل السيطرة عليه، وكأن النار تتجدد، ثم بعد إخماده دخلنا المنزل لنرى بعدها مشاهد مرعبة، بقايا من جثث محروقة، وكل شي محترق تمامًا، حتى الجدران بدأت بالتشقق والانهيار جراء قوة اللهب".

من جانبه، جمال العصار، مسؤول التمريض في أقسام الحروق في مجمع الشفاء الطبي، والمتطوع في مستشفى العودة في النصيرات حاليًا، يقول إن أكثر من 85% من جثامين الشهداء في هذه الفترة من الحرب يلاحظ عليها حروق شديدة وغريبة، "ربما نراها لأول مرة كمختصين في مجال علاج الحروق".

وبين جمال العصار لـ الترا فلسطين، أن "الكثير من الحروق تكون من الدرجة الثالثة العميقة، وتحتاج لتدخل جراحي عاجل، وهذا غير متاح في الإمكانيات الطبية حاليًا في القطاع، ما يفاقم معاناة المصاب والآلام في جسده، وقد يصل لمفارقة الحياة جراء هذه الجروح".

وأشار جمال العصار إلى أن حرب أيار/مايو 2021 شهدت تسجيل حالات غريبة بحروق جراء استهدافات الاحتلال، "ولكن هذه الحرب يتصاعد فيها مستوى اعتماد الاحتلال على الأسلحة الحارقة بشكل واضح، خصوصا بالأشهر الأخيرة" وفق قوله.

وأوضح العصار، أن قسم الطب الشرعي في مجمع الشفاء الطبي، قام بفحص عدد من جثامين الشهداء الذين ارتقوا نتيجة الحروق، وتبين أن مناطق الحروق تتحلل مباشرة، نتيجة مواد كيمائية غريبة.

قسم الطب الشرعي في مجمع الشفاء الطبي، قام بفحص عدد من جثامين الشهداء الذين ارتقوا نتيجة الحروق، وتبين أن مناطق الحروق تتحلل مباشرة، نتيجة مواد كيمائية غريبة

وقال: "يعاني مصاب الحروق من آلام شديدة متواصلة، تمنعه من النوم، ومعظم الإصابات تتراوح بين نسبة حروق 55% إلى 80% من جسده، وباستمرار يحتاج لعمليات جراحية، ورقع جلدية، وعمليات تنظيف لجلده، ولعلاج طبيعي ووظيفي طويل الأمد"، مؤكدًا أن مدة الشفاء تكون طويلة، وإن تمت؛ تصاحب المعاناةٌ الإنسان لمدة طويلة بعدها.

وشدد جمال العصار، أن الحالة النفسية للمصاب بالحروق تكون سيئة للغاية، "فغالبًا ما يسبب هذا النوع من الإصابات مشاكل نفسية قد تكون أخطر من الحروق، خاصة لفئتي الأطفال والنساء، لأن الطفل بطبيعته لا يتحمل الألم، فكيف بألم شديد ومتواصل، كما قد تسلب منه الحروق أطرافه أو أعضاء من جسده".

وكان المكتب الإعلامي الحكومي، قال في بيان سابق، إن الاحتلال  يستخدم أسلحة تسببت بحروق من الدرجة الثالثة في أجساد الشهداء والمصاب، مبينًا أن هذه الأسلحة هي "صواريخ وقنابل غالبيتها صناعة أمريكية يطلق عليها اسم الأسلحة الحرارية أو الكيماوية، وهي محرمةٌ دوليًا وممنوعة من الاستخدام ضد البشر".

وأكد المكتب الإعلامي أن هذه الأنواع من الأسلحة "تعمل على تفاعل المواد الكيماوية مع الجلد متسببة بتآكلٍ كيميائي للأنسجة في أجساد الشهداء والمصابين، فضلا عن آلام شديدة وأضرار جسدية عميقة، مما يجعلها تتسبب بحروق قاتلة ومميتة خلال 27 ساعة أو أقل".