أعاد فنانٌ رسم لوحة "جمل المحامل" الشهيرة، تُظهر العجوز الذي أصبح رمزًا للشعب الفلسطينيّ وقد أزال القدس عن ظهره أخيرًا، وأخذ استراحة تحت وقع الإحباط، وقد لقي ذلك صدىً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تم عرض اللوحة في فندق "ذا وولد أوف" -The Walled Off Hotel الملاصق لجدار الفصل العنصري الذي أقامه الاحتلال الإسرائيلي شمال بيت لحم.
فكرة اللوحة، أوحى بها وأشرف على إنجازها مؤسس الفندق ومديره وسام سلسع، ورسمها الفنان وائل أبو يابس، وقد أفاد سلسع لـ "الترا فلسطين" بأن اللوحة "أيقونةُ ترمز للشعب الفلسطينيّ، وأن عليها أن تمثّل المرحلة التي نعيشها الآن"، مضيفًا أنه توقّع ردّة الفعل التي ستصاحب الإعلان عن اللوحة المرسومة بالألوان الزيتيّة على قماش، وقد عُرض عليه بيعها من أكثر من جهة، إلا أنه يرفض بيعها ويُخطّط لاستثمار ريعها في الأعمال الخيريّة.
لوحة "جمل المحامل" الأصلية، رسمها الفنان الفلسطيني سليمان منصور عام 1973، ويُرجح تدميرها في غارة أمريكية على ليبيا عام 1986، لكنّه أعاد رسمها مرة أخرى عام 2014.
اتصلنا مع منصور سائلين عن رأيه في هذه اللوحة، فعبّر عن إعجابه بها، ولم يُمانع في "إعادة تكوين" لوحته بطريقةٍ مختلفة، وقال إنها "تُعبّر عن واقعٍ حزينٍ مليءٍ بالإحباط آل إليه الشعب الفلسطيني".
وكما رُسمت "جمل المحامل" بعد 28 عامًا من إحراقها، فإن منصور يرى بأن الشعب الفلسطيني "شعبٌ حيٌّ وله جذور، وأنه كطائر الفينيق سينهض من بين رماده". وأضاف، "من غير المعقول أن ضغوطات كم واحد مجنون ستوقفنا كشعب".
"ذا وولد أوف"، تعني "المُسوَّر (المُحاط بالأسوار والجدران)". وترجع تسمية الفندق -الذي عُرِضت فيه اللوحة بهذا الاسم- إلى كونه مُلاصقًا لجدار الفصل العنصري الذي يخترق القسم الشمالي من مدينة بيت لحم، ومحاطًا به. وأول ما يلفت انتباه الزائرين، نمطُ التصميم الداخليّ المُستوحى من أسلوب المباني البريطانية في المستعمرات إبّان العصر الفيكتوري.
يُبين وسام سلسع، مؤسس الفندق ومديره، أن اختياره "جاء للتأكيد على مسؤولية الاستعمار البريطاني عن وعد بلفور وما تبعه من مآسيٍ ألمّت بالفلسطينيين"، خصوصًا وأن افتتاح الفندق تزامن مع مئوية وعد بلفور في العام 2017.
وتعود فكرة تأسيس الفندق إلى فنان الجداريات البريطاني العالمي بانكسي - Banksy، الذي تعرّف عليه سلسع في العام 2005، قبل أن تنشأ بينهما لاحقًا علاقة صداقةٍ قويّة؛ أدرك سلسع "أهميتها لفلسطين وقضيتها"، فسعى -كما يقول- "لتأسيس الفندق بالتعاون مع بانكسي -الذي على الرغم من أنه ليس شريكًا في المشروع- إلا أن أعماله تملأ كلّ زاويةٍ في الفندق الذي تحوّل إلى عملٍ فنّيٍ واحدٍ متنوع التفاصيل والأوجه.
ويرى سلسع أن المشكلة الأكبر التي تواجه القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي هي "مشكلةُ إعلاميّة"، وأن الشعب الفلسطينيّ "مقيّدٌ بصورٍ نمطيّةٍ أنتجتها وسائل إعلامٍ منحازةٌ للرواية الصهيونية"، وقد أراد تغيير ذلك بطرقٍ مختلفة، فكان الهدف الرئيسيّ من تأسيس الفندق هو "إعادة لفت أنظار العالم إلى قضية الجدار الفاصل من خلال الفنّ، وجذب أنظار الرأي العام نحو القضيّة الفلسطينيّة".
ويضيف، أنه لا يريد "سياحًا تقليديين يأتون لزيارة الأماكن المقدّسة في فلسطين ثم يغادروا كما أتوا"، بل إنه يرى في "السياحة البديلة" سبيلًا لإحداث تغييرٍ في الرأي العام العالميّ تجاه القضية الفلسطينيّة.
وحين سألنا سلسع عن رغبته بزيادة عدد غرف الفندق الذي يُعتبر في التصنيف العالميّ نُزُلًا - Guest House، أجاب بالنفي؛ مبينًا أن الهدف الأساسيّ ليس مبيت السائحين، بل "تشجيعهم على النزول إلى الشوارع واستكشاف فلسطين"، وأن "المسؤولية الاجتماعية التي حملها القائمون على المشروع على عاتقهم أهم من الربح الماديّ"، فالحجوزات في الفندق لا تتجاوز ليلة واحدةً، ولا يتم تقديم وجباتٍ طعامٍ كباقي الفنادق، وليس هناك شاشاتُ تلفازٌ في الغرف؛ "كيّ يُتاح للسياح استكشاف مدينة بيت لحم وأهلها وفنادقها ومطاعمها".
بانكسي ليس الفنّان الوحيد الذي تحتضن جُدران الفندق أعماله، فهناك معرضٌ فنيٌّ يضمّ لوحاتٍ ومنحوتاتٍ لعشرات الفنانين الفلسطينيين، ومنهم فنانٌ يوقّع لوحاته باسم "مدير الفندق" - Hotel Manager، وهذا ليس إلا اللقب الذي أطلقه بانكسي على وسام سلسع ممازحًا، وقد أصدر "مدير الفندق" مؤخرًا نُسخةً مُعادة التكوين من لوحة "جمل المحامل" الشهيرة للفنان الفلسطيني سليمان منصور، لاقت صدىً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر العجوز الذي أصبح رمزًا للشعب الفلسطينيّ قد أزال القدس عن ظهره أخيرًا، وجلس يحتسي الخمر مُحبطًا ويائسًا.
اقرأ/ي أيضًا:
صور | بالتجسيم.. نورا جردانة تفضي لـ"شيكيم" بسرها
مقهى في غزة يستعين بـ "السمك الطبيب"