إذا كنت تنوي حضور عرض مسرحية الزوبعة التي تقدمها مؤسسة أيام المسرح في قطاع غزة، فقد لا تحتاج إلى الانغماس في عمق النص حتى تستوحي الرسالة. إنها باختصار محاولة تجسيد حالة الظلام الحالك التي يقع الناس ضحية لها كنتاج للواقع السياسي والاقتصادي المتردي.
خلال هذا العرض الذي يغلب الحزن فيه على بث النكات وتفجير الضحكات على شفاه الحضور، سرعان ما يتناهى إلى مسامعك وأنت تجلس على المدرج الذي يتسع لنحو 200 شخص، نشيج أحدهم وهمهات آخرين تعلو بين لحظة وأخرى.
مسرحية "الزوبعة" محاولة لتجسيد حالة الظلام الحالك التي يقع الناس ضحية لها كنتاج للواقع السياسي والاقتصادي المتردي
وتدور فكرة المسرحية حول عائلة غزية محاطة بالخوف، ومهددة بالانهيار وفقدان الأمل، حيث لحظات الفرح قصيرة ويبدو أنها تتلاشى. وفي هذا الإطار، يحاول فتيان إيجاد طريقة للتعامل مع ما يحدث حولهما، أحدهما فتى غريب وصامت، يحاول التواصل مع عائلته لتشجيعها على التغيير ويدخل الفرح عليهم بدون كلمات، وهذا في حد ذاته شكل رمزية قوية كانت محط اهتمام الجمهور وصفق لها أكثر من مرة، وكأن الصمت كناية العجز عن فهم الحالة التي يعيشها الناس في كثير من الأوقات في غزة.
اقرأ/ي أيضًا: ذوو الإعاقة في "دفتر كشكول".. قراءة نقدية
وحضر مسرحية الزوبعة، ما يزيد عن ألفي شخص من خلال العروض الأسبوعية التي تقدم على خشبة مسرح "أيام المسرح"، حيث تعرض بشكل مقنن، واهتمت في عروضها الأولى باستقطاب شرائح معينة من الجمهور الغزي، "كتاب- مثقفين- طلاب جامعات"، بعيدًا عن وسائل الإعلام، ربما لأنها تمثل العرض الحركي المسرحي الأول، أو لاشتراك الشبان والشابات في تقديم عروض الرقص على خشبة المسرح، وهي سابقة في غزة؛ يراها البعض "خرقًا للعادات والتقاليد".
رأفت العايدي، المخرج المسرحي والمدير الفني لمؤسسة "أيام المسرح"، يشترط على الحضور في كل العروض إخفاء هواتفهم الذكية. وتكرر الإدارة الصوتية في الكواليس رسالتها: "يرجى عدم التقاط الصور". بدا ذلك مزعجًا بالنسبة لفئة كبيرة من الحضور، كون الناس تفضل الآن التعبير عن مشاعرها في مشاركة العروض الفنية أو المسرحية عبر "السوشال ميديا".
وعلى الرغم من أن العايدي يتمنى بأن يشاهد العالم كله هذا العرض المسرحي، لكنه قال إنه يخشى دائمًا من الإعلام، لأنه قد يقلب الحقائق ويحاول إيصال رسائل مغلوطة عن العرض المسرحي الذي يعرض الآن، انطلاقًا من حالة الاستقطاب السياسي التي تلقي بظلالها على وسائل الإعلام.
مخرج مسرحية "الزوبعة" يخشى من أن يقلب الإعلام الحقائق ويوصل رسائل مغلوطة عن عمله
يدافع الرجل عن فكرة إدخال العرض الحركي للمسرح في غزة، فيشير إلى أنه لم يبتكر هذا الأمر، ولكنه استطاع دمج العروض المسرحية بالرقص المعاصر الذي أداه 12 ممثلاً شاركوا في عرض مسرحية "الزوبعة".
اقرأ/ي أيضًا: في غزة.. صناعة الممثلات زراعة في أرض بور
وقال العايدي: "الإعلام في الأراضي الفلسطينية موجه، وهناك محاولات لاحتواء جميع الأشياء، غير أن المسرح هو حضن الجمهور الذي لا يجب أن يحتويه أحد، لأنه لا يعمل وفق أجندة أحد".
ومن وجهة نظره، فإن الأشياء يجب أن تُؤخذ مجردة بعيدًا عن التأويل، "بمعنى ألا يهضم الإعلاميون حق العمل على حساب النقد، لأن بعض الإعلاميين يتحولون إلى نقاد وهذا ليس دورهم" كما قال.
وفي وصفه للمسرحية قال العايدي: "العرض القائم على خشبة المسرح ليس له علاقة بالعادات والتقاليد، رغم أن العرض الحركي ستايل حديث بالنسبة للناس، غير أن الزوبعة تعتبر مزيجًا من الصور والحركة والظلام، وفقدان الحوار وإيجاده مرة اخرى، وفرحة بالرغم من كل شيء".
وأضاف، "نحن جزء من العادات والتقاليد، ولكن علينا أن ندرك أنها ليست دين (..) المجتمع من يقرر ونحن أبناء هذا المجتمع، لكننا نبحث دائمًا عن التوازن، وأظن أن الحالة الإبداعية التي نقدمها مقبولة على المستوى الاجتماعي".
العايدي وهو كاتب النص المسرحي، يستطلع آراء الحضور بعد انتهاء العرض، شفهيًا وخطيًا، ويقول إن الاستماع لوجهة نظر الناس حول العمل ستساعده على تلافي أي أخطاء، وتطوير أفكاره في المستقبل.
"أيام المسرح" أدخلت الرقص المعاصر للمسرح في غزة، وهي المدرسة الأولى في قطاع غزة في مفهوم تعليم الدراما والمسرح
وأوضح أن مؤسسته أدخلت الرقص المعاصر للمسرح، وتم إنتاج أكثر من عمل مسرحي يعتمد على الرقص الإيقاعي مثل مسرحية "الزوبعة"، ومسرحية "هويتي"، مبينًا أنهم يحاولون من خلال العروض المسرحية مناقشة القضايا الهامة مهما كانت مؤلمة.
اقرأ/ي أيضًا: صور | خالد زياد.. كومكس في غزة
وتعد مؤسسة أيام المسرح هي المدرسة الأولى في قطاع غزة؛ في مفهوم تعليم الدراما والمسرح منذ 22 عامًا، وتحمل رسائل مختلفة أهمها التعبير الحر لدى الأطفال والشباب، وتمكينهم من التعبير عن آرائهم بكل حرية وصراحة بشتى الطرق.
وقال العايدي: "مفهوم التعبير الحر يجب أن يكون هو الأساس في المجتمع، ويجب أن تتاح الفرصة أمام الأطفال والنساء في التعبير عمومًا عن أصواتهم وآرائهم وأجسادهم".
واعتمد عرض مسرحية الزوبعة على العنصر النسائي بشكل كبير في رواية المأساة بأشكالها المختلفة، سواءً عبر التعبير عن حالة الكد داخل المنازل، أو حتى تحمل مسؤوليات أخرى كالتعبير عن نقمتها على الوضع الراهن، وقد كان ذلك محط إعجاب في تقديم المرأة على أنها جزء أصيل من المجتمع.
مسرحية "الزوبعة" اعتمدت بشكل كبير على العنصر النسائي في رواية المأساة بأشكالها المختلفة
أمام هذه الحالة عبرت الشاعرة هند جودة، عن سعادتها بما وصفته الإبداع في العرض المسرحي في غزة، والذي بات يشهد تطورًا ملحوظًا من خلال دمجه مع العرض الحركي.
وقالت جودة: "غزة كانت تفتقد إلى مثل هذا الإبداع في أوقات سابقة، ولكننا لابد أن نعي أن حالة الحصار قد ولدت إبداعًا لدى كتاب المسرح وكذلك الكتاب في مختلف المجالات الثقافية"، مؤكدة على أهمية نقل تجربة العمل المسرحي في القطاع إلى الخارج، "حتى يرى العالم حجم الإبداع الذي يصنعه الفلسطينيون".
الكاتب محمد العكشية، وهو واحد من الأشخاص الذين حضروا العرض المسرحي، أشاد بقدرة المسرح في غزة على محاكاة الواقع بالطرق المبتكرة والمتجددة، مؤكدًا على أهمية أن يسلط الإعلام الضوء على حجم النجاح الذي يحققه المسرح خلال الفترة الأخيرة.
وأشار العكشية إلى أهمية أن يجري تطوير تجربة العمل المسرحي في القطاع، الذي قال إنه يمثل مرآة المجتمع.
اقرأ/ي أيضًا:
فيديو | اليرغول والشبابة: رفيقا الأعراس ورعي الغنم