استُشهد الفتى عودة صدقة (17 سنة) في قرية المدية غرب رام الله دون أن يجد مركزًا طبيًا قريبًا لإنقاذ حياته، أو حتى سيارة إسعاف لنقله إلى مجمع فلسطين الطبي في رام الله. نُقل عودة إلى رام الله بسيارة "مشطوبة"، انطلقوا بها على أمل أن يلتقوا في الطريق بسيارة إسعاف كان أهله قد اتصلوا بها لتسليمها إياه ومواصلة الطريق به نحو المجمع الطبي، لكن السيارة "المشطوبة" واصلت طريقها حتى المجمع، لتصل بعد ساعة من إصابة عودة، ويُعلن الأطباء فور وصوله عن استشهاده.
قال شلش: من الاخر، نحن في المنطقة الغربية بسبب عدم وجود سيارة إسعاف، لدينا نأخذ الحالات إلى حاجز نعلين للجنود. وأنا بشكل شخصي نقلت حفيدي بعد انتظار سيارة الإسعاف 40 دقيقة
الترا فلسطين كان حاضرًا في المجمع الطبي لحظة وصول عودة وإعلان استشهاده، وراقب غضب عائلة الشهيد وهم يحملون وزارة الصحة وجمعية الهلال الأحمر المسؤولية عن استشهاد نجلهم.
صابر صدقة، أحد من شاركوا في نقل عودة، قال لـ الترا فلسطين: "ظليت أعطيه تنفس اصطناعي بالفم لحد ما وصلنا عند عين عريك، وهناك قال لي أنه لم يعد قادرًا ويختنق".
هذه الحادثة حركت جمر الشكاوى الطويلة لدى سكان قرى غرب رام الله (الجانية، راس كركر، بيتللو، دير عمار، جمالة، خربثا بني حارث، دير قديس، بلعين، كفر نعمة، دير بزيع، عين عريك، دير نظام، دير أبو مشعل، عابود، النبي صالح، بيت عور التحتا، صفا، نعلين، المدية، بدرس، قبيا، شقبا، رنتيس) حول تهميش مناطقهم، وهو ما يعتبرونه واضحًا في غياب مركز طبي أو سيارة إسعاف يخدم المنطقة، وكذلك في رداءة الطريق الرئيسي الذي يربط بين قراهم ومدينة رام الله (طريق بيتونيا - عين عريك).
مؤيد انجاص، كان أحد من نشروا على مواقع التواصل بعد استشهاد صدقة، متسائلاً عن شعور الوزراء ووزير الصحة في ظل غياب سيارة إسعاف واحدة في قرى غرب رام الله.
وردت الوزير مي الكيلة على منشور انجاص، منوهة أن تقديم خدمات الإسعاف من اختصاص جمعية الهلال الأحمر وليس وزارة الصحة.
يقول رئيس مجلس قروي شقبا عدنان شلش، إن أقرب سيارة إسعاف عليهم في مدينة رام الله، مبينًا أنه إضافة إلى الشهيد صدقة، فقد تم نقل شخص آخر بسيارة "مشطوبة" من قرية قبيا إلى المستشفى في رام الله، وكلاهما فارقا الحياة. وتابع: "هناك شابٌ من شقبا سقط من علو قبل شهر، وانتظرنا ساعة وربع لوصول الإسعاف، ومازال منذ ذلك الحين يرقد في المستشفى".
وأضاف شلش لـ الترا فلسطين: "من الاخر، نحن في المنطقة الغربية بسبب عدم وجود سيارة إسعاف، لدينا نأخذ الحالات إلى حاجز نعلين للجنود". قاطعناه: "ولكن هذا جيش احتلال". فأجاب: "صحيح، لأنه جيش احتلال يجب أن يقوم بواجباته في تقديم العلاج للسكان الذين يقعون تحت الاحتلال. أنا بشكل شخصي وبسيارتي نقلت حفيدي إلى حاجز نعلين".
ويشرح شلش قصة حفيده عدنان قبل أربعة شهور، حيث فوجئت أمه به ينزف من فمه، وكان عمره آنذاك شهرين، فخرجت تجري به حافية القدمين إلى الطبيب، لكنه لم يتمكن من علاجه، فاتصل بسيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى. وتابع: "انتظرنا 40 دقيقة دون وصول سيارة إسعاف، فاخذت الولد إلى حاجز نعلين، وهناك أحضر الجنود سيارة عناية مكثفة وحاولوا إنعاشه ومن ثم نقل لمستشفى هداسا، ولكنه توفي"، منوهًا أن سيارة الإسعاف لم تصل.
وأوضح، أنهم طلبوا من وزارتي الصحة والداخلية وكذلك من جمعية الهلال الأحمر توفير سيارة إسعاف للمنطقة، مبينًا أن الهلال طلب منهم أن يدفعوا 48 ألف شيقل شهريًا، وهي أجرة العاملين وثمن بنزين وتكلفة تشغيل مركز إسعاف في المنطقة، "وهذا أمرٌ صعبٌ علينا، فلا يوجد في المجالس القروي أي دخل" أضاف شلش.
الهلال طلب من المجالس المحلية في قرى غرب رام الله أن يدفعوا 48 ألف شيقل شهريًا، وهي أجرة العاملين وثمن بنزين وتكلفة تشغيل مركز إسعاف في المنطقة
يرد الناطق باسم الهلال الأحمر مأمون عباس بأن طلب الهلال المذكور كان "مجرد اقتراح" تم طرحه في اجتماع عقد قبل أسبوع مع المجالس المحلية في قرى غرب رام الله، مبينًا أن جمعية الهلال طلبت في الاجتماع تقديم كتاب تطلب فيها المجالس المحلية فتح مركز إسعاف.
وأضاف عباسي، أن سحب سيارة الإسعاف من المنطقة لم يكن بسبب تقليص في عدد ضباط الإسعاف، ولكن بسبب وجود مناطق ساخنة في الضفة، "أعادت الجمعية رسم خارطة انتشار سيارات الإسعاف".
من جانبه، عبد الحليم جعافرة مدير الإسعاف في الهلال الأحمر، أكد أن الجمعية تلقت بالفعل كتابًا من بلدية نعلين تطلب فيه فتح مركز إسعاف، "وسوف نرد عليهم". لكن لماذا في الأصل تم إغلاق مركز الإسعاف في نعلين؟ أجاب جعافرة، أن الجمعية لم تغلق المركز بل نقلته إلى منطقة أخرى، "لأنه لا يعمل. ومن غير المعقول أن تطلب احتياجًا وأنت لست بحاجة له"، مضيفًا أن عدد الحالات التي تطلب الإسعاف في تلك المنطقة لا تتجاوز 2% من مجمل الحالات.
يقول عبد الحليم جعافرة إن جمعية الهلال الأحمر لم تغلق مركز نعلين بل نقلته إلى منطقة أخرى، "لأنه لا يعمل"، مضيفًا أن عدد الحالات التي تطلب الإسعاف في تلك المنطقة لا تتجاوز 2% من مجمل الحالات
وقال جعافرة، إن ثلاث سيارات إسعاف مرخصة فلسطينية تعمل في عين عريك ودير عمار واللبن الغربي. لكن هذه السيارات ليست تابعة للهلال الأحمر، وأمام شكاوى الناس من عدم استجابتها أو تأخرها في الاستجابة لطلبات الإسعاف، وإصرارهم على فتح مركز إسعاف، يُعلق جعافرة: "سوف نقوم بإعادة الدراسة وقد نعمل فترة تجريبة ونرى كم عدد الحالات التي تطلب الإسعاف. وإذا لم يعمل المركز لا ضرورة لوضع إسعاف في منطقة ليست بحاجة له، لأن ما يهمني هو خدمة الناس، وأنا لدي شيء موثق كم عدد الحالات التي تطلب الإسعاف".
الرواية الرسمية للهلال الأحمر ينفيها المتحدث باسم نقابة الإسعاف والطوارئ أسامة سويطي في حديثه لـ الترا فلسطين، مؤكدًا أن إغلاق مركز نعلين تم بسبب التقليصات في جميع المحافظات، وهي السياسة التي يقول إنها بدأت في عام 2018 واستمرت حتى وصلت إلى ذروتها هذه الأيام.
وأوضح سويطي، أن عدد المراكز في الضفة الغربية كان 71 مركزًا، فيها 71 مركبة إسعاف، لكن اليوم هناك 23 مركبة إسعاف تابعة للهلال الأحمر في كل محافظات الضفة. مثلاً، في محافظة رام الله والبيرة كانت ثمانية مراكز تابعة للهلال الأحمر، واليوم أصبحت ثلاثة مراكز، الأول هو الرئيسي في المقر العام في البيرة ويعمل بدوام كامل، بينما الثاني والثالث موجودان في وسط البلد وفي بلدة بيرزيت، ويعملان بدوام جزئي.
أوضح سويطي، أن عدد المراكز في الضفة الغربية كان 71 مركزًا، فيها 71 مركبة إسعاف، لكن اليوم هناك 23 مركبة إسعاف تابعة للهلال الأحمر في كل محافظات الضفة
وأضاف، أن جمعية الهلال الأحمر تعمل اليوم بسياسة الفتح الجزئي للمراكز، فيعتقد المواطن أن هناك مركز إسعاف وفيه سيارة إسعاف، لكن فعليًا المركز يعمل بدوام جزئي وفي أيام محددة في الشهر، "وفي هذا تضليل للمواطن" حسب قوله.
وأشار إلى أن نقابة الإسعاف في نزاع عمالي مع إدارة الجمعية منذ عام 2018، وسبق أن أعلنوا عن هذه التقليصات أكثر من مرة وحذروا من تأثيرها على حياة الناس، "ولذلك ناشدنا الناس أن تقف معنا وأن يكون هناك استجابة جماهيرية مع النقابة في مطالبها، لأن جهاز الإسعاف يلامس حياة المواطنين بشكل مباشر".
وأكد سويطي، أن هناك فارقًا ملموسًا على حياة الأشخاص الذين بحاجة للإسعاف بين استدعاء سيارة الإسعاف من مسافة 40 كم أو أكثر، وبين أن تكون في نفس المنطقة، مبينًا أنه في قانون الإسعاف العالمي هناك خمس دقائق ذهبية، وهي من لحظة وقوع الإصابة لحين تلقي الاستجابة الأولى للإسعاف، وهذه الخمس دقائق الذهبية من الممكن فيها أن تنقذ حياة إنسان أو يموت.