يدور نقاش في هذه الأيّام حول نيّة وزارة الثقافة الفلسطينية استعادة مبنى "مركز خليل السكاكيني" الثقافي وسط رام الله، والذي كانت منحته ضمن عقد إباحة دون إيجار، ينتهي في 2023.
وطوال السنوات الماضية، كانت العلاقة بين "الثقافة" كجهة حكومية، وإدارة المركز تتمثل بتوفير الأولى للمبنى، على أن تقوم الأخيرة بإدارته وتنشيطه ثقافيًا، واستجلاب الدعم الماليّ له.
قبل 3 أعوام من انتهاء عقد إباحة المكان المملوك لوزارة الثقافة، ويديره "مركز خليل السكاكيني" يبدو أن الوزارة غير راضية عمّا يحدث في المركز
ومؤخرًا، بدأ الحديث في الأروقة الثقافية عن محاولة وزارة الثقافة التدخّل لـ "تصويب عمل المركز" و"تفعيله ثقافيًا"، وهو الأمر الذي عبّر عنه صراحة وزير الثقافة عاطف أبو سيف في مقابلة تلفزيونية مع "وكالة وطن للأنباء"، بقوله إنّ "الأمور ليست سليمة مئة بالمئة" في هذا المكان المملوك لوزارة الثقافة والتي قال إنّ من حقّها أن تسأل عمّا يحدث فيه.
اقرأ/ي أيضًا: عظمةٌ من كتف خليل السكاكيني
وأشار الوزير أبو سيف إلى أنّ هناك واقعًا يحتاج لدراس، ووضع إجابات وتصورات نحو تصويب استخدام المكان الثقافي، كي يستعيد "فضاءه وحيويته ونشاطه" ويواصل "حضوره في الثقافة الفلسطينية"، و"يستعيد ألقه الذي بات غائبًا".
وأضاف الوزير في حديثه الذي يأتي قبل ثلاثة أعوام من انتهاء عقد إباحة المكان: "لدينا وجهة نظر في كيف أن نفعّل الحراك الثقافي الفلسطيني" كونه "يشكل ذاكرة جميلة للمثقفين الفلسطينيين"، دون أن يقدّم (الوزير) توضيحًا لماهيّة الرؤية التي تملكها الوزارة بهذا الشأن وفي "مركز خليل السكاكيني" تحديدًا، واكتفى بالقول: "نريد أن نفكر كيف يبقى هذا المبنى شعلة نشاط ثقافي، ولا يوجد إجابة مطلقة".
وفي معرض ردّه على سؤال عن الخطوة التالية إذا ما رفض المركز إخلاء المبنى، قال أبو سيف: "هذه قصة ثانية، وكل شيء في وقته حلو".
وقال المدير السابق لمركز "خليل السكاكيني" يزن خليلي في حديث لـ "الترا فلسطين" إنّ المركز "هو أنشط مركز في فلسطين"، مشيرًا إلى أن عدد الأنشطة التي تم تنفيذها منذ بداية 2016 وحتى نهاية العام الماضي، تتجاوز ألف نشاط وفعاليّة بمعدل 250 سنويًا، وتتنوع بين معارض وأسواق فلاحين ومنتجات عضوية، وندوات وعروض أفلام وسينما وورشات عمل.
ألغت وزارة الثقافة أكثر من 100 فعاليّة بينها "بيت لحم عاصمة الثقافة العربية"، و"معرض فلسطين للكتاب"، بسبب كورونا
و"مركز خليل السكاكيني" يباشر أنشطته في مبنى تاريخيّ حجريّ صُمّم على الطراز المعماري الفلسطيني الأصيل، ويعود إنشاؤه لبدايات القرن العشرين. ويتكون من طبقات ثلاث، في قلب مدينة رام الله. وعبر "فيسبوك" يعرّف القائمون على المكان الثقافي بأنه "أحد أجمل مؤسسات الفنّ والثقافـة في فلسطين".
كان المركز عند تأسيسه، في أيار/ مايو 1996، تابعًا لوزارة الثقافة الفلسطينيّة، وبعد عامين استقلّ عن الوزارة وتحوّل إلى مؤسسة غير ربحيّة وغير حكوميّة مستقلّة في قراراتها. وحمل المركز منذ ذلك الوقت اسـم المربي المقدسي خليل السكاكيني (1878 – 1953).
وقد استضاف المركز في إحدى غرفه مكتب الشاعر الراحل محمود درويش بُعيد عودته إلى البلاد؛ ففي غرفة بالطّابق الأول من المبنى حرّر درويش وأصدر مجلة الكرمل الأدبيّة. كما استضاف فعاليّات فنيّة ومعارض ومهرجانات وعروض أداء موسيقيّة وعروض أفلام وأمسيات شـعرية، واهتم بالفنون البصريّة، وبتنميـة المواهب.
استضاف المركز في إحدى غرفه مكتب الشاعر الراحل محمود درويش بُعيد عودته إلى البلاد
ويشير خليلي عضو هيئة العامة الحالي للمركز، إلى أن وزارة الثقافة قررت فصل المركز عن الوزارة حتى يكون مؤسسة غير حكومية تستطيع جلب الدعم الذي يحتاجه، لأن إمكانيّات وزارة الثقافة لا تكفي لتغطية تكاليف الاحتياجات الثقافية. وبالتالي -وفق خليلي- تم فصله عام 1998، وتشكيل مجلس إدارة منفصلة عن وزارة الثقافة وظل المبنى ملكًا للوزارة في عقد إباحة ينتهي مع نهاية 2023.
وأضاف، منذ شهر بدأ النقاش في وزارة الثقافة حول استعادتها للمركز بعد انتهاء عقد الإباحة، أو حتى قبل ذلك، دون أن يبلغ المركز بذلك بشكل رسميّ.
وحول إن كان لدى الوزارة نوايا سابقة في استعادة المركز، أو أن هذا الأمر جرى فقط في عهد الوزير أبو سيف، قال خليلي إن "هناك علاقة طيبة بين وزارة الثقافة والمركز، وتقيم الوزارة أنشطتها الثقافية في المركز الذي يفتح أبوابه دومًا سواء لأنشطة الوزارة أو غيرها من القطاعات الثقافية.
اقرأ/ي أيضًا: نكبة المكتبات الفلسطينية
وفي مقابلته، أجاب الوزير أبو سيف عن لماذا مركز خليل السكاكيني تحديدًا، بالقول إن "اتفاقية الإباحة على وشك الانتهاء"، وبالتالي سيتم النظر في كيفية استعادة حيوية هذا المكان، وأن يواصل حضوره في مدينة رام الله، كون وزارة الثقافة هي المسؤولة عن المراكز الثقافية، إضافة لأنّ المبنى ملكٌ للوزارة، ومن حقّها التدخل من أجل استعادة روح المكان، وأن تسأل ماذا تفعل فيه؟
ويرد يزن خليلي على أبو سيف بأن المركز "أنجح مركز ثقافي في فلسطين"، والعلاقة مع وزارة الثقافة واحدة من أنجح التجارب بين القطاع غير الحكومي والحكومي، مضيفًا أنّ "قصة النجاح" هذه لا بد أن تعمم على العديد من المراكز الثقافية في فلسطين؛ فالوزارة قامت بترميم المبنى ومنحته بعقد إباحة للقطاع غير الحكومي بهدف إدارته وتنظيمه وتنشيط المجتمع الفلسطيني ثقافيًا ومعرفيًا وفنيًا.
وأكد خليلي أن قرار الوزارة بالعودة لإدارة المراكز الثقافية "قرار خاطئ وفيه رجعة عن خطوات ناجحة يجب البناء عليها وليس تدميرها"، وذلك تعقيبًا على قول الوزير أبو سيف بأن "المبنى ملك للدولة، وأنّ عقد الإباحة سوف ينتهي، وأنا المالك كوزارة ثقافة، ولا يوجد شيء مقدس إلا الشهداء وفلسطين، وبالتالي كل شيء قابل للنقاش، ونناقش كيف يتم تفعيل المكان".
خليلي: تنفيذ رؤية الوزارة قد يؤدي إلى قطيعة بين "الثقافة" كوزارة والمؤسسات الثقافية، وهذا يخلق سابقة غير إيجابية
ويرى خليلي إلى أنّ تنفيذ رؤية الوزارة قد يؤدي إلى قطيعة بين "الثقافة" كوزارة والمؤسسات الثقافية، وهذا يخلق سابقة غير إيجابية في العلاقة بين القطاعين، مضيفًا أن "الشراكة لا بد منها ولا غنى عنها" وإذا كان يتوفّر للوزارة رؤية وميزانية كافية، فالأولى أن تستثمرها في خلق وإنشاء نماذج ثقافية مشابهة.
واستهجن ناشطون على منصّات مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات أبو سيف، ومحاولات وزارة الثقافة التدخّل في عمل المكان. وعلم "الترا فلسطين" أن عددًا من الناشطين في المشهد الثقافي، والمستنكرين لخطوة الوزارة، وحديث الوزير، قرروا تنظيم حملة للدفاع عن بقاء "مركز خليلي السكاكيني" في المبنى.
وقال خالد حوراني أحد مؤسسي "مركز خليل السكاكيني"، وعضو هيئة إدارية سابق، وأحد الموقعين على عقد الاستفادة من بناية المركز، أعلن في منشور له انسحابه من جهود وساطة كان قد بدأ بها بين المركز والوزارة.
وأضاف حوراني: "قمت بوساطة حميدة بناء على طلب مجلس إدارة "السكاكيني" الحالي وترحيب وزارة الثقافة التي كنت أعمل بها، وتدخلي بهدف الإبقاء على المركز والجمعية التي تديره وتطوير البرامج المقدمة، وتصويب وضعه القانوني، واقترحت أن يصار إلى مذكرة تفاهم جديدة تؤطر هذه العلاقة بين إدارة المركز والوزارة، بما يخدم المجتمع والثقافة في فلسطين، وبما يحافظ على تاريخ ومكانة ودور "مركز خليل السكاكيني" كمؤسسة ثقافية رائدة، وملك للشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أنه وقد خرج موضوع المركز عن السيطرة وخرج إلى الإعلام في ظل الإرباك الذي نعيشه على كل مستوى، "فإنني أعلن انسحابي التام من هذه الجهود".
وكتب الصحفي فادي العاروري على "فيسبوك" أن من حق الرأي العام أن يعلم بأطماع وزير الثقافة الحالي في مركز خليل السكاكيني، وفق وصفه. وقال نحن مع أي مقترحات للنهوض بالمركز إن كان مقصّرًا.. لكن الحل لا يتم بطرده من مكانه.
أمّا زيد الشعيبي فكتب أن "قرار الاستيلاء على مركز خليل السكاكيني من قبل وزير الثقافة وبعض المتنفذين داخل الوزارة لا ينفصل عن محاولات السلطة تضييق الخناق على المساحات العامة والخاصة في البلد، وفرض سيطرة كاملة على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وآخرها جيوب المشهد الثقافي.
وأضاف: "احنا رايحين في ظل قانون الطوارئ لحكم عسكري شمولي بإدارة دمى سياسية مثل مصر".
بدورها عقّبت سجى نصر الله على الحديث عن استعادة الوزارة للمبنى الذي وصفته بأن فيه "جزء من قلوبنا"، بالقول إن هذا "استهداف لكل ذكرياتنا وفسحاتنا وحبّنا". وقالت مستنكرة: من ينسى المركز الذي أعطى حديقته وكل مرافقه للشباب "اللي كنا ملانين طاقة نعمل ندوات وأمسيات" في ظل عدم الاهتمام بدعم الشباب وتشجيعهم.
وأضافت أنّها ترفض أي قبضة أو سطوة أمنية تجاه أي اختلاف، ويكفي نبشًا في ذاكرتنا لإزالة "كل شي حلو عشناه".
أمّا خليل ناصف فقد كتب هو الآخر: "بالنسبة لموضوع سحب مبنى مركز خليل السكاكيني وإرجاعه لوزارة الثقافة واحتجاج مثقفين ومواطنين على هذا القرار، علينا أن نعلم أن المشكلة لا تكمن في هذا القرار ولا في مئات القرارات الخاطئة المثيرة للجدل التي يتخذها واتخذها وزراء في السلطة الفلسطينية منذ عام 1995 حتى الآن، المشكلة الحقيقية تكمن في آلية تعيين الوزراء القائمة على المحاصصة الفصائلية، أو الولاء لحركة فتح فقط، أو العلاقات الشخصية بغض النظر عن كفاءة الشخص المُعيّن، وفي ظل غياب مساءلة شعبية وبرلمان، سوف تستمر القرارات المشابهة فلا رقيب أو حسيب أو كفاءة".
اقرأ/ي أيضًا: