دائمًا ما تشكل ديمغرافيا مستعمرات الاحتلال على الأراضي الفلسطينية وتحديدًا في الضفة الغربية والقدس حالة إشكالية نظرًا لما تحاول أن تقدمه الجهات الرسمية في دولة الاحتلال حول أعداد المستعمرين، فمن جهة تحاول الجهات الرسمية أن تتعامل مع مؤشر الزيادة في أعداد المستعمرين على أنه نجاح وتحديدًا لما يسمى بمجلس المستوطنات في قدرته على استقطاب المزيد من اليهود إليها، إذ يرفع مجلس المستوطنات ومنذ سنوات طويلة هدفًا يسعى لتحقيقه وهو الوصول إلى الرقم "مليون" مستعمر في مستوطنات الضفة الغربية مع العام 2030.
تصطدم مسألة زيادة عدد المستعمرين في مستعمرات الضفة الغربية بمجموعة من العوامل تحول دون الوصول إلى الهدف الذي وضعه مجلس المستوطنات، أول هذه العوامل هو الهجرة العكسية أو ما بات يطلق عليها اسم الهجرة السلبية من المستعمرات إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948
تصطدم مسألة زيادة عدد المستعمرين في مستعمرات الضفة الغربية بمجموعة من العوامل تحول دون الوصول إلى الهدف الذي وضعه مجلس المستوطنات، أول هذه العوامل هو الهجرة العكسية أو ما بات يطلق عليها اسم الهجرة السلبية من المستعمرات إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948 أو إلى خارج فلسطين كليًا بالرغم من كل الامتيازات التي تقدمها أجهزة دولة الاحتلال وأدوات الاستقطاب من حيث توفير البنية التحتية عالية الجودة والتخفيضات الكبرى في أسعار الشقق وحزمة المواصلات والتسهيلات التي تقدم للراغبين للسكن في هذه المناطق.
لكن تقارير مجلس المستوطنات تحاول التغاضي عن هذه الحقيقة، من خلال استخدام مجموعة من الأساليب التي تخفي الكثير من الحقائق، وتسلط الضوء على مجموعة من الأرقام بطريقة انتقائية فجة، لتتصارع الأرقام الصادرة من مركز الإحصاء الإسرائيلي وتلك البيانات الصادرة عن مجلس المستوطنات. في الحقيقة، لا يكتفي مجلس المستوطنات بتحليل بعض أرقام مركز الإحصاء بشكل انتقائي، ولا يقف عند ذلك الحد، بل يسلط الضوء بطريقة تخلّ بالمنهجية العلمية على بعض الأرقام التي تتعلق بارتفاع السكان في بعض مستعمرات الضفة الغربية، ويعمم هذه الأرقام، حتى على تلك المستعمرات والكتل الاستعمارية التي شهدت انخفاضًا في عدد السكان، أو ازديادًا طفيفًا فقط، وترجع الكثير من التحليلات أسباب هذا العبث في تحليل الإحصائيات إلى رغبة مجلس المستوطنات بإيصال مجموعة من الرسائل السياسية أولها وأهمها: هو استحالة إقامة الدولة الفلسطينية نظرًا للأعداد الهائلة للمستعمرين والزيادة الكبيرة التي تشهدها أعداد المستعمرين في الضفة الغربية بما في ذلك القدس المحتلة، مما يحول في نهاية المطاف وأمام أي حل سياسي دون تنفيذ فكرة إخلاء المستعمرات وترحيل المستعمرين.
وهو ما أثبته شاؤول أرئيلي1 من خلال عدة نقاط استعرضها في كتابه الصادر حديثًا2 بالقول إن تقارير مجلس المستوطنات تكشف عن الجانب الإيجابي وتخفي الجوانب السلبية. يقول أرئيلي إن الحقيقة في تقرير مجلس المستوطنات من العام الماضي تتلخص في الأساس ببيان واحد: هو أن الزيادة السنوية في المنطقة أعلى من الزيادة داخل الخط الأخضر. يشير التقرير إلى زيادة تبلغ 3.3 % في الضفة الغربية، في حين أن الإحصاء الإسرائيلي يشير إلى زيادة تبلغ 2.6 % فقط، ويوضح أن التقرير الاستيطاني يشير إلى زيادة 15890 نسمة، في حين أن تقرير المكتب المركزي للإحصاء يذكر فقط 11805 نسمة، والادعاء صحيح هو أن الزيادة السنوية داخل الخط الأخضر هي 1.7 %".
أولًا، هذه المدن الأربع (يقصد مستعمرات موديعين، بيتار عيليت، معاليه أدوميم واريئيل) تعاني منذ سنوات من ميزان هجرة داخلي سلبي بلغ هذه السنة بصورة متراكمة لها جميعها -1154. أي أنه غادر المستعمرات الأربع 1154 شخصًا أكثر ممن انضموا إليها. وثانيًا، فإن عدد سكان معاليه أدوميم في نهاية 2021، بلغ 37533، أي أنه كان أقل من عددهم في نهاية 2020 (37846 نسمة). أي أن معاليه أدوميم لا تعاني فقط منذ عشر سنوات متتالية من ميزان هجرة داخلي سلبي، بعد أن غادرها في العقد الأخير 5105 أشخاص أكثر مما انتقلوا إليها (937 من بينهم في السنة الأخيرة)، ولكنها أيضًا تعاني من زيادة سنوية سلبية للسنة الثانية على التوالي. والوضع في أريئيل مشابه، ففي 2021 أيضًا، مثلما في السنوات الثماني من الـ 12 سنة الأخيرة، عانت أريئيل من ميزان هجرة سلبي بلغ -217. ولو لم يصل إليها 27 مهاجرًا جديدًا فإن أريئيل كانت ستنهي 2021 بصورة مشابهة لسابقتها، مع زيادة سنوية سلبية. أي أنه في 2021 انضم إلى أريئيل 59 شخصًا فقط، وهذه العملية حولتها إلى المستعمرة الخامسة في حجمها (بدلًا من الرابعة) بعد جفعات زئيف التي حصلت على زيادة أصولية كبيرة".
تشير بيانات مجلس المستوطنات إلى أن نسبة السكان المتدينين الحريديم بلغ 36٪ من مجمل سكان مستعمرات الضفة الغربية في حين بلغت نسبة الصهيونية الدينية 35٪ والعلمانيون 29٪. وهذا يمثل زيادة في نسبة السكان الحريديم والوطنيين المتدينين في المنطقة مقارنة بالأعوام السابقة
وبحسب البيانات المتوفرة لدى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد بلغ عدد المستعمرين في مستعمرات الضفة الغربية بما فيها القدس ما مجموعه 726,427 مستعمرًا، موزعين على 176 مستعمرة، وتتركز الأغلبية الكبرى من أعداد المستعمرين في منطقة وسط الضفة الغربية وتحديدًا في محافظات القدس ورام الله وأريحا، إذ بلغ عدد المستعمرين في هذه المنطقة ما مجموعه 463 ألف مستعمر يقطنون في 77 مستعمرة، وتأتي الأعداد الكبيرة من المستعمرين والمستعمرات في هذه المنطقة نظرًا لكثافة الأنشطة الاستعمارية الاستيطانية التي تشهدها مدينة القدس (إذ يبلغ عدد المستعمرين في القدس وحدها 301,983 مستعمرًا) وتحديدًا الأحياء الاستيطانية الكبيرة التي أقيمت في المنطقة، والتي تستهدف أولًا عزل القدس عن سياقها الفلسطيني، وثانيًا إعدام إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية من خلال فصل وسط الضفة الغربية عن شمالها وجنوبها، وأخيرًا، محاولة إحداث تواصل جغرافي بين هذه المستعمرات ككتل استيطانية استعمارية مع بعضها البعض بالإضافة إلى ربطها بالداخل الفلسطيني.
بالدرجة الثانية تأتي مستعمرات شمال الضفة الغربية، حيث بلغ عدد المستعمرين 123,467 مستعمرًا يقطنون 56 مستعمرة موزعة على محافظات نابلس وقلقيلية وسلفيت وطوباس وطولكرم، وقد جاءت محافظة سلفيت في المرتبة الأولى من بين محافظات شمال الضفة الغربية من ناحية عدد المستعمرات (17 مستعمرة) وعدد المستعمرين (52,618 مستعمرًا).
وأخيرًا، جاءت مستعمرات جنوب الضفة الغربية التي تشمل محافظات بيت لحم والخليل في الدرجة الثالثة مع 43 مستعمرة يقطنها 140,215 مستعمرًا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض مستعمرات محافظة القدس تتصل جغرافيًا مع أراضي محافظة بيت لحم تحديدًا، فتقضم أراضيها وتعزل سكانها، وبالتالي لا يمكن إحداث فصل حقيقي على صعيد جغرافيا الاستيطان بين المحافظات بشكل تام، إذ إن الاستيطان لا يعترف في مساره القائم على التهام الأرض بتقسيم المحافظات، وهذا ينطبق أيضًا على محافظات قلقيلية وسلفيت ونابلس في الشمال.
وبالنظر إلى كل المعطيات الديمغرافية والجغرافية لتوزيع المستعمرين والمستعمرات ثمة ميزات أيديولوجية ودينية جديرة بالانتباه وهي التي يتصف بها المستعمرون المستوطنون في مستعمرات الضفة الغربية والقدس، فتشير بيانات مجلس المستوطنات إلى أن نسبة السكان المتدينين الحريديم بلغ 36٪ من مجمل سكان مستعمرات الضفة الغربية في حين بلغت نسبة الصهيونية الدينية 35٪ والعلمانيون 29٪. وهذا يمثل زيادة في نسبة السكان الحريديم والوطنيين المتدينين في المنطقة مقارنة بالأعوام السابقة، وانخفاضًا في نسبة السكان غير المتدينين.3
1. خبير خرائط، ضابط عسكري متقاعد، وأحد المسؤولين السابقين في جيش الاحتلال عن المفاوضات مع الفلسطينيين
2. وديع عواودة، القدس العربي، الجنرال شاؤول أرئيلي: من المهم الإظهار للإسرائيليين أن إمكانية حل الدولتين ما تزال قائمة، نشر بتاريخ: 24/4/2022
3. تقرير مجلس المستوطنات حول أعداد المستوطنين، انظر: http://myesha.org.il/?CategoryID=335&dbsRW=1