منذ احتلال ما تبقى من القدس عام 1967، اتخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من سحب الإقامات الدائمة وإبعاد الفلسطينيين عن القدس سياسة عقابية. خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021، صادقت سلطات الاحتلال على قرار سحب هوية المدافع عن حقوق الإنسان والمحامي في مؤسسة الضمير صلاح الحموري (37 عامًا)، وحرمته من الإقامة الدائمة في القدس بحجّة "خرق الولاء" لدولة الاحتلال.
يقضي الحموري فترة اعتقال إداري في سجون الاحتلال منذ شهر آذار/مارس الماضي، وجددت له مطلع الشهر الجاري 3 أشهر أخرى
ويقضي الحموري فترة اعتقال إداري في سجون الاحتلال منذ شهر آذار/مارس الماضي، وجددت له مطلع الشهر الجاري 3 أشهر أخرى. ويرى مراقبون أن إبعاد الحموري عن القدس بذريعة وجود "ملف سري وعدم إظهار الولاء لدولة الاحتلال" هي سابقة خطيرة، تفتح المجال واسعًا لتمرير هذه السياسية على أي مقدسي وطرده خارج المدينة.
يحمل الحموري الجنسية الفرنسية إلى جانب الهوية المقدسية، ويتعرض منذ عام 2000 لملاحقة سلطات الاحتلال، فقد وصلت سنوات اعتقاله نحو 9 سنوات، وجرى سحب هويته المقدسية، والتجسس على هاتفه، وترحيل زوجته الفرنسية وأولاده إلى فرنسا، وغيرها من الانتهاكات.
كانت دينيس الحموري والدة المحامي صلاح، وهي فرنسية تجيد العربية بطلاقة، أمام سجن عوفر الإسرائيلي قرب رام الله لزيارة نجلها، عندما تواصلنا معها لإجراء لقاء صحفي. تقول لـ"الترا فلسطين"، إن صلاح كانت لديه آمال بالإفراج عنه وعدم تجديد الاعتقال الإداري، ومع ذلك معنوياته عالية. وتروي أن نجلها اعتقل أول مرة في سن مبكر عام 2001، ووصلت عدد مرات اعتقاله 6 مرات، بمجموع 9 سنوات، من بينها 7 سنوات متواصلة بين عامي 2005- 2011، أما البقية فكانت اعتقالًا إداريًا.
وأضافت أنه منذ عام 2020 بدأ الاحتلال بالتهديد بسحب هوية صلاح المقدسية، حتى وقع وزير الداخلية الإسرائيلي على قرار سحب الهوية بتاريخ 18 أكتوبر عام 2021، والآن هناك محاولات من الاحتلال لإبعاده إلى فرنسا. وتابعت أن زوجته بينما كانت عائدة من فرنسا، أبلغها الاحتلال بانتهاء تأشيرة دخولها، وجرى ترحيلها إلى فرنسا من المطار عام 2016. وأضافت أن زوجته في تلك الفترة أنجبت بنتًا، وكان صلاح حينها قبل سحب هويته يستطيع السفر إلى عائلته، فكانت حياته مقسمة بين فرنسا وفلسطين، يزور عائلته بشكل مؤقت ومن ثم يعود. "ولكن عندما بدأ الاحتلال بالتهديد بسحب هويته، لم يسافر حتى لا يتم منعه من الدخول وإبعاده إلى فرنسا، واكتفى في تلك الفترة بالتواصل مع عائلته عبر الفيديو" بحسب الحموري.
تتابع: "أما الآن ومع اعتقاله هو منقطع بشكل كامل عن عائلته، وبالذات ابنه الأكبر (6 سنوات) الذي يسأل باستمرار عن والده، ويسأل ما هو السجن؟ وما هي الظروف التي يعيش فيها؟، فالولد هنا في فلسطين يعرف السجن ويسمع عنه باستمرار، ولكن في فرنسا لا يعرف ما هو السجن، لذا نحاول تبسيط الأمور له كي يفهم الأمر". وأكدت والدة صلاح، أن نجلها يرفض الإبعاد إلى فرنسا، ويقول إنه عندما ينوي السفر يجب أن يسافر بإرادته لا أن يتم إبعاده بشكل دائم. وشددت على أن العائلة تساند صلاح في موقفه، ومنذ عشرين عامًا يقومون بزيارته في السجون والتوجه للمحاكم.
وحول الدور الذي تقوم به الحكومة الفرنسية، قالت والدته إن المطلوب من الفرنسيين تدخل أكبر من التدخل الحالي، "ونحن على اتصال معهم باستمرار وقاموا بزيارة صلاح مرتين في السجن، لكن المطلوب منهم دور أكبر وجرأة أكبر في هذا الملف".
بدورها قالت سحر فرنسيس مدير مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، إنهم يقومون بمتابعة قضية اعتقال صلاح الإداري، والذي بدوره يقاطع مع الأسرى الإداريين المحاكم العسكرية، "لذا لم نتمكن من حضور الجلسات". وحول طبيعة اعتقاله، أوضحت في حوار مع "الترا فلسطين" أن صلاح ملاحق بناء على مواد سرية يزعمها الاحتلال، وهذه ليست المرة الأولى التي يعتقل ويلاحق على مواد سرية. وأكدت أن مسألة المواد السرية ما هي إلا مبرر من أجل تبرير قضية سحب الهوية المقدسية منه أمام المحكمة، لذا فهو اعتقال تعسفي. وفي شهر شباط/فبراير عام 2023، من المقرر أن تنظر محكمة الاحتلال العليا في قضية سحب هوية المحامي صلاح الحموري.
وتابعت فرنسيس أن "هذه الملاحقة لا تقتصر على الناشطين والمدافعين عن حقوق الانسان. صحيح أن صلاح محامي ومدافع عن حقوق الانسان، ولكن ما يجري مع صلاح قد يجري مع أي مواطن مقدسي، لأن هذه سياسة تهجير وإبعادات هدفها تقليل عدد السكان في القدس والسيطرة عليها وابقاؤها منطقة ضمتها إسرائيل وتنفيذ القانون الإسرائيلي عليها".
سحر فرنسيس: ما يجري مع صلاح قد يجري مع أي مواطن مقدسي، لأن هذه سياسة تهجير وإبعادات هدفها تقليل عدد السكان في القدس
وحول الجهود التي يبذلونها في هذا الصدد، أفادت فرنسيس أنهم رفعوا قضية صلاح إلى عدة مؤسسات دولية، وكان لديهم لقاء مع ممثلين عن الاتحاد الأوروبي، وهناك لقاءات على مستوى دبلوماسي مع فرنسا، ومع دول أوروبية اخرى، بهدف الضغط على الاحتلال لإطلاق سراحه. أما بشأن الدور الفرنسي، فقد أشارت أنهم قاموا بزيارته ثلاث مرات في السجن، وأنهم يعرفون ظروف اعتقاله وظروف عائلته، و"لكننا طلبنا منهم العمل على إطلاق سراحه وإبطال قرار سحب هويته، ويقومون بإجراء لقاءات مع الاحتلال، ولكن من الممكن أن تضغط فرنسا بشكل أكبر من دورها الحالي".
وتعمل مؤسسة الضمير مع مؤسسة الحق وعدد من المؤسسات الحقوقية في حملة مشتركة لإطلاق سراح الحموري وإبطال قرار سحب هويته. يقول شعوان جبارين مدير مؤسسة الحق، إنهم يعتبرون قضية صلاح الحموري من أخطر القضايا، لأنه يتم استخدام شخص واحد لمحاولة صياغة سياسات جديدة، لها علاقة بتفريغ القدس من أهلها وترحيل السكان الأصليين، وهذا يعتبر جريمة من جرائم الحرب.
وأضاف في حوار مع "الترا فلسطين"، أنهم يعتبرون استخدام صلاح الحموري وكل الانتهاكات بحقه، دليلًا على محاولة خلق نموذج لأي شخص يعمل في أي قضية حقوق إنسان في القدس، أن هذا سيكون مصيره. لكن الحموري بحسب ما ذكر جبارين لديه إصرار كبير، حيث عُرض عليه في ثاني اعتقال له 7 سنوات في السجن أو الإبعاد إلى فرنسا 15 سنة، وحينها كان في عمر صغير واختار السجن على الإبعاد.
يوضح جبارين أن المؤسسات تعمل على هذه القضية وتهتم بها بسبب خوفها الكبير من استخدام قضية صلاح لتخفيض العتبة القانونية في ملف إلغاء الإقامات الدائمة في القدس على أساس عقابي.
وأردف أن باقي قضايا الإبعاد وعددها 14 قضية إلغاء إقامات في القدس كانت على خلفية عدم إبراز الولاء لدولة الاحتلال، وكانت على أساس قضايا لها علاقة بالانتماء لأحزاب سياسية معينة مثل نواب التشريعي من كتلة التغيير والإصلاح، أو اتهامهم أنهم كانوا جزءًا من المشاركة في تنفيذ عمليات. "لذا قضية صلاح سابقة خطيرة لأن الملف سري، ويقولون إنه لم يبرز الولاء لدولة الاحتلال، بالتالي اتهام شخص بهذا الاتهام على ملف سري خطير جدًا، ويعني أننا قد نصل إلى حالة يكون فيها أي مقدسي مهددًا بإلغاء إقامته، وهي أسهل طريقة لسلطات الاحتلال لتفريغ القدس من أهلها".
وجدد التأكيد أن هذه من أخطر القضايا، ويجب على كل السلطات المحلية والدولية وفرنسا بالتحديد أن تضغط على الاحتلال لإلغاء هذا القانون غير الدستوري. وحول محاولتهم مجابهة هذه السياسة، أفاد جبارين أنهم منذ بدء الاحتلال بالتلويح بسحب هوية صلاح، بدأوا التحرك، وتم إرسال رسائل لجهات دولية، منها نداء عاجل إلى الأمم المتحدة والمقررين الخاصين في مجال حقوق الإنسان والاعتقال التعسفي.
وأضاف، أنه بعد استصدار قرار إلغاء الإقامة الدائمة لصلاح من قبل وزيرة الداخلية الإسرائيلية إيليت شكيد، زاد العمل وتم مساعدة صلاح في اللجوء إلى المحاكم الدولية. كما تم في فرنسا رفع قضية للمدعي العام الفرنسي، بمساعدة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان على شركة NSO التي طورت برنامج التجسس "بيغاسوس"، وصلاح كان أحد الضحايا لهذا البرنامج، حيث كان في تلك الفترة التي تم فيها اختراق هاتفه في زيارة إلى عائلته في فرنسا.
القضية الثانية بحسب شعوان جبارين هي التوجه للجنائية الدولية، وهنا تم التوجه إلى مركز الحقوق الدستورية في الولايات المتحدة الذي تبنى القضية. وتم رفع الملف إلى الجنائية الدولية، وتحديدًا إلى مكتب المدعي العام كريم خان في إطار أشمل وأهم يتعلق بمدى خطورة قضية سحب الإقامات من المقدسيين، وأن هذه محاولة على مستوى أكبر بكثير من المحاولات السابقة لسحب الإقامات.
وزاد جبارين أنه عندما تم اعتقال صلاح، تفعلت حملة اسمها "العدالة لصلاح" تضم عددًا من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية. حيث تعرض صلاح لسبعة أنواع من الانتهاكات المختلفة منذ عام 2000 وحتى اليوم، وكل مؤسسة من هذه المؤسسات تعمل على انتهاك يقع ضمن اختصاصها. فمثلًا يعمل مركز حملة على الانتهاك الرقمي، والحق على الانتهاك المتعلق بحقوق الإنسان بشكل عام وإلغاء الإقامة الدائمة في القدس، والضمير تعمل على قضية الاعتقال الإداري، وهناك من يعمل على التحقيق في اختراق جهاز هاتف صلاح الحموري.
عندما تم اعتقال صلاح، تفعلت حملة اسمها "العدالة لصلاح" تضم عددًا من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية
وحول ما تتخوف منه هذه المؤسسات، أفاد أن المحكمة العليا الإسرائيلية قررت جلسة للنظر في قضية سحب الإقامة في تاريخ 6 شباط/ فبراير 2023، "ونخشى أن يبقى في الاعتقال الإداري حتى موعد الجلسة ومن ثم أخذ قرار نهائي وتثبيت قرار إلقاء الإقامة، ومن ثم ترحيله إلى فرنسا".