01-أغسطس-2024
النصيرات والبريج

كان الظلام على وشك أن يحل، عندما تلقى محمود أبو مدين اتصالاً هاتفيًا يبلغه بإخلاء مخيم البريج. حزم أمتعته، وخرج مع زوجته وأطفالهما إلى الطريق، وانتنظروا ساعة على أمل أن يجدوا وسيلة نقل تخرجهم من المخيم، لكن بلا جدوى، قبل أن يبدأ القصف المدفعي، فقرر الذهاب مع عائلته على مخيم المغازي مشيًا على الأقدام.

يقول محمود أبو مدين، عن انتقالهم إلى مخيم المغازي، "كانت رحلة مرعبة للأطفال، حملنا الأمتعة لمسافة كبيرة، ومشينا لأكثر من ساعتين، وعندما وصلنا، لم نجد مكانًا متاحًا في أي مدرسة، فقضيت الليلة في ساحة إحدى المدارس في العراء".

باتت أعداد كبيرة من العائلات النازحة لياليها في الطرقات، مع تكدس كافة مراكز الإيواء والأراضي الفارغة، بالنازحين، وكذلك منطقة المواصي التي استقبلت مؤخرًا عشرات الآلاف من النازحين من شرق خانيونس

عائلة محمود أبو مدين واحدة من آلاف العائلات  التي تواصل النزوح من مخيم البريج والأحياء الشرقية من مخيم النصيرات، بعد إنذار الاحتلال لهذه المناطق بالإخلاء يوم الأحد 28 تموز/يوليو، تمهيدًا للقيام بعملية عسكرية.

البريج والنصيرات

واستبق جيش الاحتلال هذه الإنذارات بتدمير أبراج عين جالوت شرق النصيرات، وبسلسلة مكثفة من الغارات التي استهدفت منازل مأهولة بالسكان، ومراكز إيواء في مخيم النصيرات والبريج، بمعدل 63 غارة أسبوعيًا على النصيرات فقط.

وباتت أعداد كبيرة من العائلات النازحة لياليها في الطرقات، مع تكدس كافة مراكز الإيواء والأراضي الفارغة، بالنازحين، وكذلك منطقة المواصي التي استقبلت مؤخرًا عشرات الآلاف من النازحين من شرق خانيونس.

وتجول الترا فلسطين في المناطق التي تم إنذارها من قبل الاحتلال، في مخيم البريج، وشرق مخيم النصيرات، حيث وثق نزوح أعداد كبيرة، بعضهم يتنقل من خلال عربات كبيرة، وبالسيارات، أو من خلال عربة التوك توك، أو على عربات تجربها الحيوانات، وأيضًا مشيًا على الأقدام، بالتزامن مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية، والكواد كابتر، وقصف مدفعي متقطع تجاه المنطقة المهددة.

نازحوننازحون

وترتسم ملامح التعب والمعاناة على وجوه النازحين على طريق صلاح الدين، في ظل الحر الشديد، والقصف المتواصل، مع خوف لما ينتظرهم في مكان النزوح الجديد.

ويواجه المواطنون صعوبات جمة في رحلتهم للنزوح خارج المنطقة، حيث لا يتاح عدد كاف من وسائل النقل وترتفع أسعارها بشكل كبير، إذ يكلف النزوح بسيارة داخل المنطقة الوسطى من 500 لـ 1000 شيكل، أما تكلفة التنقل بعربة (نصف نقل) فتصل إلى 1500 شيكل أو يزيد، حسب مواطنين من مخيم البريج، وهي مبالغ كبيرة لا تقدر عليها أغلب العائلات، مع استفحال الفقر، وخسارة معظم الغزيين لمصادر دخلهم.

كما تجد العديد من العائلات صعوبة في نقل كبار السن والمصابين، نظرًا لصعوبة حركتهم، وضرورة الإخلاء بسرعة.

الشاب عصام العش، قال إن "خبر الإنذار بالإخلاء هو أصعب شيء من الممكن سماعه،  فالنزوح معاناة كبيرة ومعقدة، وتكاليفها لا حصر لها، إضافة للوضع غير الآدمي، والتعرض لظروف قاسية، إلى جانب الحر الشديد، ومسؤولية توفير الطعام والماء الصالح للشرب والماء المخصص للاستعمالات المطبخ والنظافة الشخصية".

وصلنا إلى قطعة أرض لأحد أقاربنا في الزوايدة، ووضعنا خيمتنا فيها، وفي الليل استيقظت على صراخ أحد أطفالي عندما شعر بجرذ يقضم أصابع قدمه

ويوضح عصام العش، أنه نقل والدته المقعدة من مخيم البريج لقرية الزوايدة على كرسي متحرك، "حتى وصلنا إلى قطعة أرض لأحد أقاربنا، ووضعنا خيمتنا فيها، وفي الليل استيقظت على صراخ أحد أطفالي عندما شعر بجرذ يقضم أصابع قدمه. لقد فزع كثيرًا، فقررت الخروج من هذه المنطقة لكثرة الحشرات والقوارض، والآن لا أعرف إلى أين سأذهب."

الزوايدة

ورغم الإنذار الإسرائيلي، مايزال العديد من سكان مخيم البريج، والنصيرات يرفضون الخروج من منازلهم، كما أن المدارس ومآوي النزوح في مخيم البريج مازالت تكتظ بالنازحين.

محمود سعد من مخيم البريج، يؤكد أنه لن ينزح من منزله، وكما بقي فيه خلال العملية البرية الواسعة ضد المخيم في شهر كانون أول/ديسمبر 2023، فإنه سيبقى فيه مع عائلته، "ولن يتحكم الاحتلال بحياتي" يقول محمود.

ويضيف، "أفضل الموت في منزلي على حياة الذل في النزوح"، مؤكدًا أنه لا مكان آمنًا في قطاع غزة، "فالمواصي التي يفترض أنها أبرز المناطق الآمنة حدثت فيها مجازر كبرى، لذلك سأبقى في منزلي مهما حصل".

وعانى محمود سعد مع عائلته خلال الاجتياح البري لمخيم البريج، حيث نفد الماء والطعام بعد خمسة أيام من بداية الاجتياح الذي استمر 29 يومًا، كما كانت الأحزمة النارية تحيط بمنزله، والقذائف المدفعية تتساقط حولهم. يقول: "كان كل شيء يحصل يرعب أطفالي".

وتابع، "عايشنا أمورًا صعبة جدًا خلال هذه الحرب، ونعلم أننا سنعيش المزيد للأسف، أخرجت زوجتي وابني من تحت الأنقاض، وكان بقائمها على قيد الحياة أجمل خبر تلقيته في حياتي بعد أن رأيت المنزل قد دُمِّر  تمامًا، وأوشكت أن أفقد الأمل ولكن الله كتب لهم السلامة، وثقتنا به أنه سينجينا دائمًا".

يُذكر أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة دخلت يومها الـ300، تخللها ارتكاب جيش الاحتلال 3 آلاف و457 مجزرة، أسفرت عن ارتقاء 49 ألفًا و480 شهيدًا، في حين يُقدر عدد المفقودين بـ10 آلاف شخص، وفقًا لمعطيات مكتب الإعلام الحكومي يوم الخميس.