29-أغسطس-2024
تقديم المساعدات في غزة

(Getty) مشاكل عدة في الطرود الغذائية في غزة، وأجرة المواصلات تعادل قيمتها

تفحص النازح علي الحداد (40 عامًا)، الرسالة التي وصلته عبر هاتفه النقال، من برنامج الغذاء العالمي، بـ"سرور"، بعدما نصت على ضرورة توجهه إلى عنوان محدد، في مخيم النصيرات وسط القطاع، لاستلام طرد غذائي عن شهر آب/أغسطس.

على وجه السرعة غادر الحداد خيمته التي نصبها بعد رحلة نزوحه السابعة في قرية الزوايدة وسط قطاع غزة، إلى مخيم النصيرات، مستقلًا عربة يجرها حصان، طوال الطريق المليئة بالحفر، ولم يتوقف عن التفكير في ماهية الطرد الغذائي، وسط خشيته من أن يكون طرد معلبات كالمعتاد.

نازحون تحدثوا لـ"الترا فلسطين" عن افتقار الطرود الغذائية للمواد الضرورية، والاحتياجات الملحة لهم

ويقول الحداد لـ "الترا فلسطين"، وصلت إلى المكان المحدد وهناك تفاجأت مما كنت أخشاه، "طرد معلبات، يضم ما يقارب 40 قطعة معلبات متنوعة ما بين بازيلاء، ولحم بقري سيئ الجودة، وفول، وحمص حب، وقطع من الحلاوة سيئة المذاق".

يضيف الحداد بحسرة، "كل ما يطلعلي طرد غذائي بين الحين والآخر اتفاجأ بأنه طرد معلبات"، متسائلًا: "إيش بدي أعمل في المعلبات، هيها مكومة عندي في الخيمة، وبعضها بدأ بالانتفاخ بسبب ارتفاع درجات الحرارة".

ويتابع الحداد النازح من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، كنت آمل أن يضم الطرد عبوة عسل لأطفالي الذين أصيبوا بالتهاب الكبد الوبائي، أو عبوة حليب، أو أجبان، أو أن يكون طردًا صحيًا يضم عبوات شامبو والصابون أو مستلزمات النظافة، التي تساعد على الحفاظ على صحة الأطفال.

ويختم الحداد حديثه، حاولت بيع الطرد لأحد الباعة، على أن أتوجه لـ"شراء كيلو من السمك المجمد الذي سمح الاحتلال مؤخرًا بمروره إلى جنوب القطاع، إلا أنني صعقت عندما أخبرني البائع أنه سيدفع مقابل الطرد 10 شواكل".

وتصاعدت في الأشهر الأخير شكاوى النازحين في جنوب ووسط القطاع حول مكونات طرود المساعدات، التي تحتوي في غالبيتها العظمى قطعًا من المعلبات، الأمر الذي أدى إلى تكدس كميات كبيرة منها لدى النازحين.

ونظرًا لظروف النزوح القاسية، وارتفاع درجات الحرارة داخل خيام النازحين، التي تصل إلى 50 درجة مئوية، يضطر النازحون للتخفف من حمل هذه المعلبات، فيما تفسد كميات كبيرة منها داخل الخيام، ويكون مصيرها الإلقاء على جانب الطريق.

وتحت أشعة الشمس، تُعرض كميات كبيرة ومتنوعة من المعلبات على البسطات المنتشرة في الشوارع العامة وبين خيام النازحين، بأسعار زهيدة جدًا -10 عبوات بازيلاء بـ 1 شيكل- دون أن تجد من يُقبل على شرائها، إلا من بعض أصحاب الدواب، الذين يقدمونها لحيواناتهم.

"دراسة الاحتياجات"

معاناة النازح الحداد، تكررت مع النازح تامر جواد "39 عامًا"، من بلدة المغراقة إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة. ويقول تامر "سررت بوصول رسالة تطالبني بالتوجه إلى دير البلح لاستلام طرد غذائي من مؤسسة دولية بعد عدة شهور من عدم تلقي أي طرد".

ويضيف تامر لـ "الترا فلسطين" استقليت عربة تكتك -ثلاث عجلات- وتوجهت إلى الموقع المحدد، وعندما قدمت بطاقتي لاستلام الطرد تفاجأت بأنه طرد معلبات، ولحظتها قلت للموظف الموجود في المكان: "لو بعرف إنه الطرد كله معلبات كان ما غلبت حالي، وأجيت استلمه".

ويتابع تامر، تعبت من أكل المعلبات، فأنا مريض قولون عصبي، وهذه الأطعمة تسبب لي آلامًا في البطن، وانتفاخًا في المعدة، كما أن أطفالي باتوا لا يتناولون أي طعم صحي، ما أدى إلى نقص حاد في أوزانهم وتراجع حالتهم الصحية.

وتابع النازح تامر جواد الوالد لخمسة أطفال، على المنظمات الدولية والإغاثية معرفة احتياجات الناس الضرورية، والذين هم بحاجة ماسة إليها، وتوفيرها لهم، بدلًا من توفير أغذية لم يعد هناك فائدة منها.

النازح من مدينة غزة، إلى غرب دير البلح، رمضان زين الدين (37 عامًا) تلقى رسالة مشابهة لتلك التي وصلت إلى الحداد وتامر، إلا أنه لم يتوجه إلى موقع استلامها، بعدما أخبره شقيقه بمكونات الطرد الغذائي الذي يُوَزَّع على النازحين.

ويقول زين الدين لـ "الترا فلسطين" لم أتوجه لاستلام الطرد الغذائي لعلمي بمكوناته التي لست بحاجة إليها، عدا عن أني سأدفع ثمن الطرد بدل أجرة مواصلات.

وأعرب زين الدين عن أمله في أن تُعيد المؤسسات الدولية والإنسانية العاملة في قطاع غزة النظر في مكونات الطرود التي تُوَزَّع على النازحين، وأن تكون مبنية على دراسات ميدانية تقوم بها المؤسسة عبر دراسة احتياجات النازحين المتجددة والمتغيرة.

وتشهد مراكز توزيع المساعدات في جنوب ووسط قطاع غزة مؤخرًا، عزوفًا كبيرًا في إقبال المواطنين عليها لاستلام طرود المعلبات، وذلك بسبب بُعد مكان التسليم، وارتفاع تكلفة المواصلات، لا سيما أنها تساوي أو تفوق ثمن هذه الطرود.

شح المساعدات في غزة

وعود بالتغيير

من جانبه، أكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا، أن مطالب النازحين محقة، مشيرًا إلى أنه اجتمع مع إدارة برنامج الغذاء العالمي في فلسطين، وطُولِبُوا منذ عدة شهور بتغيير محتويات هذه الطرود، خاصة أن طرد البرنامج يُعدّ الأساسي الذي يُوَزَّع على النازحين في قطاع غزة.

وأضاف الشوا في حديث لـ "الترا فلسطين"، تلقينا وعودًا بتغيير مكونات الطرود، وبالفعل هناك بعض الطرود تم تغيير بعض مكوناتها، عبر إضافة المعكرونة وزيت الطعام، لكن نحن نتطلع لتغيير أكبر عبر إضافة مواد أساسية أخرى. 

وبين الشوا أن هناك مبررين لدى برنامج الغذاء العالمي، الأول هو وجود تعاقدات كبيرة مع شركات إنتاج تمتد لـ 6 أشهر، والثاني هو إرسال مواد جاهزة للأكل؛ بسبب عدم توفر غاز الطهي بهدف إبقاء الناس على قيد الحياة. 

وأشار إلى أن هذه المبررات مقبولة، لكن الفكرة تكمن في عدم تكرار إرسال هذه المكونات لفترة زمنية طويلة. ولفت إلى أن مطالبتهم للبرنامج شملت تضمين الطرود الخضروات والفواكه.

رئيس شبكة المنظمات الأهلية لـ"الترا فلسطين": اجتمعنا مع إدارة برنامج الغذاء العالمي في فلسطين، وطُولِبُوا منذ عدة شهور بتغيير محتويات الطرود

وعن غياب الطرود الصحية، أوضح الشوا أنهم على تواصل مع "اليونيسف" لإرسال أكبر كمية ممكنة من المنظفات، لكن القيود الإسرائيلية تقف حائلًا أمام ذلك من أجل تعميق الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. 

وأكد أن هناك وعودًا ومحاولات حثيثة من الجهات كلها من أجل إدخال أكبر كمية من المنظفات، سواء عبر القطاع الخاص أو المؤسسات الإغاثية.