26-أغسطس-2024
النازحون في قطاع غزة

أعلن جيش الاحتلال سيّلًا من أوامر الإخلاء في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، آخرها إنذار للمربع رقم 128 من مدينة دير البلح، وفق تقسيمات خريطة قوات الاحتلال، وهي المنطقة التي تشمل الطريق الرئيسيّ المؤديّ لمستشفى شهداء الأقصى، وهو المستشفى الوحيد الذي لا يزال يقدم خدماته، ولم يقتحمه الاحتلال حتى الآن.

وسبق أن أعلن الاحتلال إخلاء كامل مناطق الجزء الشرقيّ من مدينة دير البلح، التي تؤوي مليون نازح، حسب بيان لبلديتها، بالإضافة إلى مناطق كبيرة من الجزء الواقع غربيّ شارع صلاح الدين من المدينة، كما وجه الاحتلال أوامر إخلاء لقرية المصدر، ومخيم المغازي، وجزء من قرية الزوايدة.

تعتبر معظم مناطق المحافظة الوسطى، بالنسبة لجيش الاحتلال، منطقة قتال خطيرة، الذي يعرّض النازحين إلى خطر الاستهداف

وقبل عدة أسابيع وجّه أوامر إخلاء لا تزال قائمة لمخيّم البريج، وجزء كبير من مخيم النصيرات، وهو ما يعني أن معظم مناطق المحافظة الوسطى هي منطقة قتال خطيرة، حسب الجيش، ما يعرّض أيّ أحد لم ينزح من هذه المناطق للاستهداف.

 استهداف قرية الزوايدة رغم إعلانها منطقة آمنة
 استهداف قرية الزوايدة رغم إعلانها منطقة آمنة

وخلال الأيّام الأخيرة، استقبل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، ومستشفى العودة في النصيرات، أعدادًا كبيرة من الشهداء والمصابين، جرّاء إطلاق النار عليهم من طائرات الكواد كابتر، والقصف بالطائرات المسيّرة والطيران الحربيّ، والمدفعيّة.

وأُجبر مئات الآلاف من النازحين في المنطقة الوسطى، للنزوح مجددًا ولكن لم يجدوا مكانًا يذهبون إليه، حيث أن منطقة المواصي جنوب القطاع، والمصنفة منطقة آمنة، مكتظة بالسكّان والنازحين، وجرى اجتياح جزء منها، وقوات الاحتلال تقطع الطريق الرئيسيّ المؤدي إليها، جرّاء عملياتها المتواصلة في مدينة حمد والمطاحن.

تتولى الزوارق الحربية مهمة إرهاب مئات آلاف النازحين لمنطقة شاطئ وسط القطاع، عن طريق إطلاق النيران ليلًا تجاه خيامهم وحولها

فيما يكتظ الشريط الساحليّ للمنطقة الوسطى تمامًا بالنازحين، وهو ما دفع آلاف العائلات للإقامة على الطرقات، أو العودة لمناطق الخطر.

وتسبب أمر إخلاء محيط مستشفى الأقصى بحالة نزوح كبيرة، حيث كان يؤوي المستشفى آلاف النازحين، والمرضى، داخل مبانيه ومرافقه، وكذلك كان يجاوره عدد كبير من مخيمات النزوح.

ورغم حاجتهم للرعاية الطبية، غادر عدد من المرضى والمصابين المستشفى، حيث بات معروفًا لهم ما يفعله الاحتلال بالمشافي، من عمليات إعدام وتعذيب واغتصاب ومقابر جماعية، واعتقال، كما حصل في مستشفى الشفاء وناصر وكمال عدوان والأندونيسي وغيرها من المشافي والمراكز الطبية.  

مصاب نازح من مستشفى الأقصى
مصاب نازح من مستشفى الأقصى | محمد النعامي | الترا فلسطين 

فيما زاد الضغط على مستشفى العودة، حيث بات هذا المستشفى صغير الحجم، محدود الإمكانيات، هو المستشفى الوحيد للمنطقة الوسطى، في حال هاجم الاحتلال مستشفى الأقصى.

وبدورها، قالت النازحة المصابة، سوزان أبو عيسى إنها اضطرت لترك مستشفى الأقصى؛ رغم إصابتها وحاجتها للرعاية الطبيّة المتواصلة، وذلك خوفًا من هجوم الاحتلال على مستشفى الأقصى، وتكرار الفظائع التي اعتاد ارتكابها في المشافي الأخرى خلال الحرب.

وأضافت في حديث لـ "الترا فلسطين" : " كنت أنتظر إجراء عملية جراحيّة في المستشفى خلال أسبوع، وأتلقى العلاج والمسكنات، وأقيم على سرير طبيّ في ممر المبنى الرئيسيّ لمستشفى شهداء الأقصى، وفجأة رنّ هاتفي، وكان اتصالًا من الاحتلال، يأمرنا بمغادرة مربع 128، وهو المربع الملاصق للمستشفى، ووصل لعدد من المرضى مثل هذا الإنذار، وبدأ الجميع بمغادرة المستشفى".

مستشفى العودة يستقبل الإصابات
مستشفى العودة يستقبل الإصابات | محمد النعامي | الترا فلسطين 

وأوضحت سوزان  أنها منذ مغادرة المستشفى لم تتمكّن من النوم، بسبب الألم الناجم عن الإصابة، والذي تجدد بعد انقطاع الرعاية الطبيّة والمسكنات، كما أن جروحها بحاجة لتغيير الضمادات باستمرار، وإلا ستتعفن.

وتابعت: " إصابتي ليست خطيرة، ومع ذلك واجهت معاناة كبيرة حينما نزحت لخارج المستشفى، ولكني رأيت نساءً مصابات بإصابات بالغة، ومرضى تدهورت حالتهم نزحوا خوفًا من إجرام الاحتلال، وبكيت لهذا المشهد". 

ويشهد الجزء الغربيّ من المحافظة الوسطى اكتظاظًا هائلًا بالنازحين، في ظلّ ضعف كبير في تقديم الخدمات، وتفشي الأمراض المعدية، وانتشار مظاهر التلوث ومياه الصرف الصحيّ في كافة المناطق.

خيم النازحين مقامة على الطريق | محمد النعامي | الترا فلسطين
خيم النازحين مقامة على الطريق | محمد النعامي | الترا فلسطين

وجرّاء عمليات الإخلاء والاستهدافات الإسرائيلية؛ توقف عدد من محطات تحلية مياه الشرب، ما تسبب بنقص حاد في المياه، وكذلك أُقفلت مجموعة من المراكز الصحيّة، والنقاط الطبيّة، الذي تسبب في زيادة سوء الأوضاع الصحية المتردية باستمرار في ظل الحرب المستمرة.

واضطرت عائلات نازحة لوضع خيامها في مناطق ملوثة بالكامل بمياه الصرف الصحي، في ظل انعدام الأماكن المتاحة للنزوح والإقامة. 

ومن جانبه يقول أحمد عزوز النازح من مدينة غزة، إن الأوضاع باتت أكثر سوءًا، مع موجة الإخلاء الأخيرة، وللمرة الثامنة يضطر للرحيل من مكان لآخر بحثًا عن الأمان، الذي لا يوجد في أيّ مكان في القطاع، حسب وصفه.

وأضاف في حديث لـ "الترا فلسطين ": " كل مرة أقوم بنقل والدتي الثمانينية المقعدة وابنتي المصابة، المفجوعة بفقد أطفالها وزوجها في مجزرة المواصي قبل أسابيع، وعائلتي المكونة من 9 أفراد، لمكان نظنه آمنًا ونتمنى ألا ننتقل منه، ثم تأتي أوامر إخلاء جديدة، مع مجازر وقصف مكثف، لننزح مرة أخرى، الرحيل أصعب حدث يمكن أن يحصل للإنسان في غزة".

مياه الصرف الصحي تمر من بين الخيام بسب ازدحام الشاطئ | محمد النعامي | الترا فلسطين
مياه الصرف الصحي تمر من بين الخيام بسب ازدحام الشاطئ | محمد النعامي | الترا فلسطين

وأوضح عزوز أنه انتقل من مخيم قريب من مستشفى الأقصى تجاه شاطئ البحر، حيث لم يجد مكانًا لخيمته باستثناء مساحة ضئيلة، بجوار مجرى للصرف الصحي يصب داخل مياه البحر.

وتابع " انتقلنا سيرًا على الأقدام لمسافة 3 كيلومترات تقريبًا، تجاه مكان نزوحنا الحالي، وكما ترى بجوارنا مياه الصرف الصحي التي تجلب الحشرات والقوارض والأمراض، والرائحة الكريهة لا تفارق المكان، ولكن لا بديل آخر، ونشرب من مياه المكروت غير المحلاة ونعلم أنها غير صحيّة، ونستخدم مياه البحر الملوثة للتنظيف، وهذه هي حياتنا". 

وتتولى الزوارق الحربية مهمة إرهاب مئات آلاف النازحين لمنطقة شاطئ وسط القطاع، عن طريق إطلاق النيران ليلًا تجاه خيامهم وحولها، ما يتسبب بهروبهم ليلًا حتى يهدأ إطلاق النار.