"حقبة جديدة من عدم اليقين"، أو "اليقين الوحيد مع ترامب هو عدم اليقين"، أو "الرئيس غير القابل للتنبّؤ"، بهذه الكلمات وصف دونالد ترامب، بعد فوزه في الانتخابات الأميركيّة الأخيرة، في وسائل الإعلام الأميركيّة والغربيّة، الّتي أشارت إلى أنّ انتخابه "مرّة واحدة قد يعتبر سوء حظّ، ولكنّ انتخابه لمرّتين قد يبدو جنونًا"، في ظلّ وجود الكثير من القضايا الداخليّة والخارجيّة "على المحكّ"، نتيجة حملة ترامب الانتخابيّة، الّتي شملت التهديد باستخدام الجيش داخل أميركا، وإهانات متكرّرة للنساء، واستهتاره في البيئة، وهجومه الدائم على الفئات المستضعفة، والتهديد المستمرّ للمهاجرين، مع تقدير بتحولات "درامية"، بينما يترقّب كثر موقف ترامب "غير المتوقّع" تجاه الحرب على غزّة.
عاد ترامب للبيت الأبيض، في ولاية "ستكون أكثر خطورة"، وفق تقديرات عدّة، وضمن حملة انتخابيّة لم تحضر فيها السياسة الخارجيّة كثيرًا، كان من ضمنها "الوعد بإنهاء الفوضى في الشرق الأوسط"، وجاء ذلك ضمن تصويبه على الحزب الديمقراطيّ، الّذي اندلعت الحرب في عهده. أمّا تصريحه المتكرر عن الحرب، فهو على نسق "إغلاق الصفقات"، لرجل عاش حياته في عالم الأعمال، وجاء للسياسة وعمل بها على "نمط المقامرة المستمرّة".
قال ستيفن م. والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد: "لا ينبغي لأحد أن يتوهم أن الأمور ستتحسن بوجود ترامب في البيت الأبيض . فقد أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل ما أراده خلال ولايته الأولى"
"هل ينهي ترامب حرب غزّة؟"، في مكالمة وصفت بـ"دافئة وعامّة"، هنّأ رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس، ترامب، و"تمنّى له النجاح في ولايته المقبلة"، و"أكّد استعداده للعمل مع الرئيس ترامب سعيًا لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس الشرعيّة الدوليّة والمبادئ". فيما أكّد مسؤول فلسطينيّ اطّلع على الاتّصال أنّ ترامب قال إنّه يريد إنهاء الحرب في غزّة. لكن قبل ذلك، لنتذكّر أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، كان صاحب "التهنئة الأولى" لترامب، وربّما لاحقًا المكالمة الأولى. فيما "ابتهج" إيتمار بن غفير، وكذا زميله المتطرّف بتسلئيل سموتريتش، بفوز الرئيس غير المنصب، الّذي تحمل اسمه مستوطنة في الجولان السوريّ المحتلّ. وربّما التعويل على التخلّص من "الضغوط الأميركيّة الخجولة والمحدودة" في ظلّ الحرب المستمرّة على غزّة، وإعلان واشنطن، سياسة أكثر عدائيّة تجاه إيران، كما يحلم نتنياهو دائمًا.
لا نحتاج إلى جردة لولاية ترامب الأولى، فهي ما تزال ماثلة، وتبعاتها حاضرة، ويمكن المجادلة بأنّ طروحات ترامب ساهمت في "اشتعال الإقليم"، من صفقة ترامب- نتنياهو، المعروفة باسم "صفقة القرن"، وصولًا إلى الاعتراف بالاحتلال الإسرائيليّ على الجولان، وحتّى نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس، بالإضافة إلى قطع التمويل الأميركي عن الأونروا، المنظمة التي باتت ضمن الحرب الإسرائيلية الواسعة، والتي قررت تل أبيب قطع العلاقة معها، قبيل يوم الانتخابات الأميركية.
وعن الحدث الأخير، وفّق كتاب "حرب" للصحفيّ الأميركيّ، بوب وودوارد، فإنّ ترامب كان "يتّخذ القرارات في لحظة، وعندما قرّر نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس، أُخبر بأنّ الأمر قد يؤدّي إلى انتفاضة ثالثة"، فيما أجاب: "حسنًا، سنأخذ المخاطرة"، وبحسب الجنرال الأميركيّ المتقاعد كيث كيلاج، فقد أخذ القرار بـ"لامبالاة وأمر بالنقل".
وكان كيلاج قد زار تلّ أبيب خلال الحرب، وقابل نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، المعروف بـ"عقل بيبي"، والذي وصف خلال إدارة أوباما عندما عمل سفيرًا في واشنطن بـ"الناشط الجمهوري"، ونقل كيلاج تفاصيل الزيارة إلى ترامب، في مكالمة ولاحقًا في تقرير من 4 صفحات (وهو طويل بالنسبة لترامب)، وأشار إلى أنّ "حلّ الدولتين بعيد"، كما انتقد إدارة بايدن والدعوة إلى وقف إطلاق النار، وبينما أكّد له على "وجود عمل كبير، يرتبط في دعم إسرائيل ونتنياهو"، قال ترامب: "أعتقد أنّ إسرائيل ارتكبت خطأ كبيرًا جدًّا... هذه الصورة واللقطات. أعني، اللقطات المتحرّكة للقنابل على المباني في غزّة.. هذه صورة رهيبة.. صورة سيّئة جدًّا للعالم.. أعتقد أنّ إسرائيل أرادت أن تظهر أنّها قويّة، ولكن أحيانًا لا يجب عليك فعل ذلك".
ماذا قال ترامب عن حرب غزة؟
كان ترامب، على مدار سنوات عدة، غاضبًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعود ذلك إلى أن نتنياهو "خذله" في عملية اغتيال قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بالإضافة إلى تهنئة الرئيس الأميركي جو بايدن في الانتخابات، التي يؤكد ترامب حتى اليوم، أنها مزورة، إذ قال قبل انتخابه بأيام: "ما كان ينبغي لي أن أغادر البيت الأبيض".
بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، هاجم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بنيامين نتنياهو، قائلا إن رئيس الوزراء الإسرائيلي فوجئ بهجوم حماس، وأشاد في حزب الله اللبناني، ووصفه بأنه "ذكي للغاية". وقال ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز: "لقد تضرر (نتنياهو) بشدة بسبب ما حدث. لم يكن مستعدًا. لم يكن مستعدًا، ولم تكن إسرائيل مستعدة".
وفي حدث آخر، قال ترامب: "لو لم تكن الانتخابات مزورة، فلن يفكر أحد حتى في الذهاب إلى إسرائيل". كما استشهد باغتيال الحكومة الأميركية للجنرال الإيراني قاسم سليماني في عام 2020، وأشار إلى أن إسرائيل رفضت المشاركة في الضربة. وقال ترامب: "لن أنسى أبدًا أن بيبي نتنياهو خذلنا. كان ذلك أمرًا فظيعًا للغاية. كانت إسرائيل تنوي القيام بهذا معنا، وكان التخطيط والعمل جاريًا منذ أشهر. لقد كان كل شيء جاهزًا، وفي الليلة التي سبقت وقوع الهجوم، تلقيت مكالمة تفيد بأن إسرائيل لن تشارك في هذا الهجوم".
على مدار يومين من هذه التصريحات، عمل فريق ترامب والحزب الجمهوري، على "إصلاح" ما ورد فيها، حتى غرد ترامب على منصته Truth Social، ناشرًا وسمين "#أقف_مع_إسرائيل" و"#أقف_مع_بيبي"، دون تراجع كامل عن فحوى ما ورد في حديثه.
أمّا موقف ترامب الحقيقي، فتكشفه تصريحاته التالية، رغم بقاء الخلاف الظاهر إعلاميًا مع نتنياهو حينها، إذ قال الرئيس الأميركي السابق، في آذار/مارس الماضي، إن على إسرائيل "إنهاء المشكلة" في حربها على غزة، كما أبدى دعمه لهجمات الجيش الإسرائيلي على غزة.
وعندما سأله مذيع قناة فوكس نيوز عما إذا كان في "معسكر إسرائيل" وما إذا كان "على استعداد" للطريقة التي "يخوض بها الجيش الإسرائيلي القتال في غزة"، أجاب ترامب: "نعم. يجب أن تنهوا المشكلة. لقد تعرضتم لغزو رهيب، لم يكن ليحدث هذا الأمر أبدًا لو كنت رئيسًا، بالمناسبة".
وعندما سُئل عن دعوة نائبة الرئيس الأميركي ومرشحة الحزب الديمقراطي التي خسرت أمامه لاحقًا، كامالا هاريس لوقف إطلاق النار، تجنب ترامب الإجابة على السؤال. وقال: "أشعر بالكراهية لرؤية ما يحدث مرة أخرى. ما كان ليحدث هذا الهجوم على إسرائيل على الإطلاق، وعلى نحو مماثل، لم يكن ليحدث الهجوم المضاد الإسرائيلي، وهو ما حدث بالفعل، لو كنت رئيسًا".
وكرر ترامب مضمون الرسالة ذاتها، في مقابلة مع صحيفة "يسرائيل هيوم"، بعد أيام من تصريحه السابق، قائلًا: "عليك أن تنهي حربك... عليك أن تنجزها. علينا أن نصل إلى السلام. لا يمكننا أن نسمح باستمرار هذا الأمر. وأود أن أقول إن على إسرائيل أن تكون حذرة للغاية؛ لأنها تخسر الكثير من العالم، وتخسر الكثير من الدعم. يجب على إسرائيل أن تفعل ما يجب عليها فعله، ولكن علينا أن نصل إلى السلام، لأن العالم يتحول، وهذا ليس بالأمر الجيد بالنسبة لإسرائيل". وقال ترامب "يزعجني أن الناس لم يعودوا يتحدثون عن السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إنهم يتحدثون عن مدى عدوانية إسرائيل".
في نيسان/أبريل الماضي، جدد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انتقاداته لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلًا إن نتنياهو "تعرض لانتقادات بحق بسبب ما حدث في السابع من أكتوبر". وقال الرئيس الأميركي السابق إن هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر "كان يجب ألا يحدث أبدًا"، وألقى باللوم على نتنياهو لعدم رؤيته قادمًا، مضيفًا أنه يعتقد أن الهجوم كان له "تأثير عميق" على نتنياهو. وأضاف ترامب في مقابلة مع مجلة تايم: "إنهم يمتلكون أكثر المعدات تطورًا. وكان لديهم كل شيء لمنع ذلك. وكان الكثير من الناس يعرفون ذلك، كما تعلمون، آلاف وآلاف الأشخاص يعرفون ذلك، لكن إسرائيل لم تكن تعلم بذلك، وأعتقد أنه يُلام بشدة على ذلك".
كما استخدم ترامب أهالي غزة للتحريض على الهجرة، وقال إن جو بايدن يخطط لجلب "أعداد هائلة" من سكان غزة من الشرق الأوسط إلى مدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وأضاف: "بايدن عازم على خلق الظروف لهجوم مماثل للهجوم الذي وقع في إسرائيل العام الماضي".
وفيما يتعلق بالمحتجزين الإسرائيليين المتبقين في غزة، افترض ترامب لمجلة تايم، أن "لديكم عدد قليل جدًا من الرهائن المتبقين". وقال "لا أعتقد أن هؤلاء الأشخاص قادرون أو حتى راغبين في الاعتناء بالناس أثناء المفاوضات"، دون أن يوضح ما إذا كان يشير إلى المفاوضين الإسرائيليين أو حماس. موضحًا: "أعتقد أن عدد الرهائن سيكون أقل بكثير مما يعتقد الناس، وهو أمر محزن للغاية".
وفي المقابلة نفسها، قال ترامب إن إسرائيل تعاملت مع العلاقات العامة بشكل "سيئ للغاية". موضحًا: "لا أعتقد أن الجيش الإسرائيلي أو أي مجموعة أخرى يجب أن ترسل صورًا كل ليلة لمبان تنهار وتتعرض للقصف مع احتمال وجود أشخاص في تلك المباني كل ليلة، وهذا ما يفعلونه".
وقال ترامب، إن حل الدولتين أصبح الآن "أصعب بكثير من إمكانية تحقيقه"، وأن عدد الأشخاص الذين يؤيدون هذه الفكرة أصبح أقل. كما ذَكَر في "حمايته" إسرائيل، وتفاخر بنسب دعمه العالية هناك، قائلًا: "لقد كنت مخلصًا جدًا لإسرائيل، أكثر ولاءً من أي رئيس آخر. لقد فعلت لإسرائيل أكثر مما فعل أي رئيس آخر. نعم، سأحمي إسرائيل".
كان ما سبق، أي حقبة تصريحات ترامب المضادة لنتنياهو، لم تترافق مع عودة المصالحة بين ترامب ونتنياهو، إذ كان الأول حانقًا بشكلٍ كبير، وقال بعد نهاية فترة رئاسته: "لم أتحدث إليه منذ ذلك الحين. F**k him". وأضاف "أول شخص هنأ [بايدن] كان بيبي نتنياهو، الرجل الذي قدمت له الكثير أكثر من أي شخص آخر تعاملت معه... كان بإمكان بيبي أن يظل صامتًا. لقد ارتكب خطأً فادحًا". ووفق موقع أكسيوس: "لأسباب سياسية محلية، عمل كل من ترامب ونتنياهو على تعزيز التصور العام بأنه لا يوجد خلاف بينهما حيث عملا معًا بشكل وثيق بشأن قضايا رئيسية. ولكن بحلول نهاية رئاسته، استنتج ترامب أن نتنياهو لا يريد حقا السلام مع الفلسطينيين، وكان يستخدمه في التعامل مع إيران. كما شعر ترامب بأنه ساعد في ضمان بقاء نتنياهو سياسيًا، لكنه لم يحصل على نفس الشيء في المقابل. وقد أبدى غضبه الشديد من مقطع الفيديو الذي هنأ فيه نتنياهو بايدن". وتابع: "لقد أحببت بيبي. وما زلت أحب بيبي. ولكنني أحب الولاء أيضًا. وكان أول شخص هنأ بايدن هو بيبي. ولم يهنئه فقط، بل فعل ذلك على شريط مسجل".
وفي منتصف تموز/يوليو الماضي، كشف عن جهود نتنياهو، بهدف إصلاح العلاقة مع ترامب، إذ التقى حلفاء نتنياهو مع ترامب في أربع مناسبات على الأقل على مدى السنوات الثلاث الماضية لمحاولة إصلاح العلاقات، وذهب أحدهم إلى حد إحضار نسخة من كتاب نتنياهو، وقراءة فقرات تشيد بترامب.
وانتهى الأمر، بعد خطاب نتنياهو المعروف في الكونغرس، بزيارة إلى فلوريدا، إذ كان نتنياهو يهتم بهذه الزيارة أكثر من اهتمامه في بايدن، وقابل خلالها ترامب، وخلالها أصر ترامب أمام الصحافيين على أن "علاقتنا كانت دائمًا رائعة". وعندما سئل ترامب في أثناء جلوسهما عما إذا كانت رحلة نتنياهو إلى مار إيه لاغو قد أصلحت علاقتهما، أجاب: "لم تكن سيئة أبدًا". وفي كلمة ألقاها في وقت لاحق من يوم الجمعة أمام مجموعة من المحافظين المسيحيين، قال ترامب إنه سأل نتنياهو أيضًا خلال لقائهما كيف يمكن "للشخص اليهودي، أو الشخص الذي يحب إسرائيل" التصويت للديمقراطيين، وهي تصريحات من ضمن مجموعة أخرى، أشير إلى أنها تنطوي على معاداة للسامية.
وفي حدث آخر بعد اللقاء، قال ترامب: إنه طلب من بنيامين نتنياهو إنهاء حرب إسرائيل على غزة بسرعة، لكنه انتقد مطالب وقف إطلاق النار. وقال "إنه يعرف ما يفعله، لقد شجعته على إنهاء هذه القضية. يجب أن تنتهي هذه القضية بسرعة... حقق انتصارك وانتهي منها. يجب أن تتوقف هذه القضية، يجب أن تتوقف عمليات القتل". وأضاف: "منذ البداية، عملت هاريس على ربط يد إسرائيل خلف ظهرها، وطالبت بوقف إطلاق النار الفوري، ودائمًا تطالب بوقف إطلاق النار"، مضيفا أن ذلك "سيمنح حماس الوقت لإعادة تنظيم صفوفها وشن هجوم جديد على غرار هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر". وتابع: "سأقدم لإسرائيل الدعم الذي تحتاجه للفوز، ولكنني أريد لهم الفوز بسرعة". وفي خطاباته هاجم حركة الاحتجاج على حرب غزة، وتعهد بطردها من البلاد.
وفي السنوية الأولى لـ7 تشرين الأول/أكتوبر، كرر ترامب نفس تصريحاته السابقة، مشيرًا إلى أنه سيستعيد التقارب مع إسرائيل الذي أصر على أن الولايات المتحدة فقدته، على الرغم من أن بايدن وهاريس أعربا عن "دعمهما لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وقال "عندما أصبح رئيسًا، فإن الولايات المتحدة سوف تصبح مرة أخرى أقوى وأقرب [إلى إسرائيل] مما كانت عليه في أي وقت مضى. ولكن يتعين علينا الفوز في الانتخابات". وتابع: "إن فجر شرق أوسط جديد أكثر انسجامًا أصبح في متناول أيدينا أخيرًا".
في مقابلة إذاعية يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أشار دونالد ترامب إلى أنه زار غزة سابقًا، وردًا على السؤال السطحي التالي: "هل يمكن [لغزة] أن تكون موناكو إذا أعيد بناؤها بالطريقة الصحيحة؟ هل يمكن لشخص ما أن يجعل غزة شيئًا يفخر به كل الشعب الفلسطيني، ويرغب في العيش فيه، ويستفيد منه؟". وأجاب ترامب: "قد تكون أفضل من موناكو. فهي تتمتع بأفضل موقع في الشرق الأوسط، وأفضل مياه، وأفضل كل شيء. إنها الأفضل، لقد قلت ذلك لسنوات. كما تعلمون، لقد كنت هناك، وكانت الأمور صعبة. إنها مكان صعب، قبل الهجمات وقبل كل ما حدث خلال العامين الماضيين". وعندما سُئل أحد مسؤولي حملة ترامب لاحقًا عما كان يشير إليه عندما قال إنه "كان هناك"، لم يدل بأي تعليق رسمي. وقال المسؤول، لاحقًا، "غزة تقع في إسرائيل. لقد زار الرئيس ترامب إسرائيل". ولعل هذه إشارة إلى كيفية تفكير نتنياهو في المنطقة وغزة، سواء كـ"مطور عقاري أو رئيس". كان جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره سابقًا، كان قد دعا إلى تهجير أهالي غزة إلى النقب، و"تنظيف المنطقة"، وإقامة واجهة بحرية في المكان.
وبعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، قال ترامب إن السنوار "لم يكن شخصًا جيدًا"، معتبرًا أن مقتله سيجعل تحقيق السلام "أسهل".
وقبل الانتخابات بحوالي 10 أيام، أعرب ترامب عن دعمه للحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، خلال مكالمة مع نتنياهو، وعلى نسق "اليمين المبهور في القوة"، قال ترامب لبنيامين نتنياهو: "افعل ما عليك فعله". فيما قال السيناتور ليندسي غراهام، الذي أجرى مكالمة هاتفية هذا الشهر الماضي مع ترامب ونتنياهو، وعند تناوله الحديث عن عملية البيجر: "لم يخبره بما يجب أن يفعله عسكريًا، لكنه أعرب عن إعجابه في تفجير البيجر. لقد أعرب عن دهشته من عملياتهم العسكرية وما فعلوه". وأضاف غراهام: "لقد قال لهم، افعلوا ما عليكم فعله للدفاع عن أنفسكم، لكننا نتحدث علانية عن شرق أوسط جديد. ترامب يفهم تمامًا أنه يجب أن يكون هناك تغيير مع الدولة الفلسطينية الفاسدة"، وفق ما ورد.
ماذا يريد ترامب؟
بعد الانتخابات مباشرة، وفي حديثها للقناة الـ12 الإسرائيلية، قالت المتحدثة باسم الحزب الجمهوري الأميركي، إنها تعتقد أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يريد أن "ينتهي الصراع في الشرق الأوسط بانتصار حاسم لإسرائيل. وعندما سُئلت عن التعليقات التي أدلى بها ترامب هذا الأسبوع، عندما قال: "لن أبدأ حربًا، بل سأوقف الحروب"، قالت إليزابيث بيبكو: "أود أن أقول إنه يتوقع أن تنهي [إسرائيل] الحرب بالفوز فيها بنسبة مائة بالمائة، وهذه هي الطريقة التي يتحدث بها دائمًا عن إنهاء الحروب. لذا أعتقد أنه يريد أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن، كما يفعل كل الأشخاص العقلانيين، لكنه يريد أن تنتهي بانتصار حاسم".
وفي مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، قال مايك إيفانز، أحد كبار المستشارين الإنجيليين للرئيس الأميركي المنتخب: "يرغب دونالد ترامب في أن تكمل إسرائيل العمل من الآن وحتى 20 كانون الثاني/يناير. القضاء على حماس وحزب الله، والهجوم على منشآت النفط الإيرانية الذي سيؤدي إلى انهيارها الاقتصادي. ولاحقًا، اتفاق سلام تاريخي مع المملكة العربية السعودية والعالم السني". وتابع: "ترامب يتمتع بالوضوح الأخلاقي. فهو يرى أن إسرائيل جيدة وأعداءها أشرار، على عكس بايدن الذي رأى أعداء إسرائيل ضحايا. النافذة مفتوحة فقط حتى كانون الثاني/يناير. وبعد أن تكمل إسرائيل المهمة، سيكون ترامب هو باني حقبة جديدة في الشرق الأوسط"، وفق قوله.
أمّا عن حل الدولتين، قال: "لا يمكن حل مشكلة غزة بحل الدولتين، بل فقط بخطة مرحلية - تبدأ بتجفيف مستنقع الإرهاب، والقضاء على القتلة، وإعادة التثقيف ضد كراهية اليهود. وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت. ترامب هو كعامل بناء، لدى كوشنر الكثير من المواد التي أعدها لهذا الغرض"، وفق ما ورد.
وحول إمكانية ضد الضفة الغربية المحتلة، قال: "قصة الضم بأكملها كانت مبنية على حل الدولتين، وترامب لا يرى مثل هذا الحل. أعتقد أن بيبي سيكون سعيدًا جدًا بأن يصنع السعوديون السلام مع إسرائيل وتنتهي الحروب، بحيث لا تكون هناك حاجة للضم. ترامب لن يضغط على إسرائيل بسبب الأرض. ويجب أن تركز المعضلة التي تواجهها إسرائيل على طهران. الأراضي المخصصة للسلام لم تعد قضية".
كيف استقبل فوز ترامب في إسرائيل؟
تعامل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بـ"حماس" كبير مع فوز ترامب، ورغم مواقف ترامب المتعددة، وميله لكسب الناخبين من المسلمين، ووجود شخص أكثر انعزالية في طاقمه، مثل نائبه جيه دي فانس، إلّا أن نتنياهو، شعر بـ"الارتياح" من فوز الجمهوري الوحيد الذي تعامل نتنياهو معه خلال سنوات رئاسة الوزراء الأطول في تاريخ إسرائيل.
وبينما هنأ نتنياهو ترامب سريعًا، وتحدث معه هاتفيًا، وكتب على مواقع التواصل الاجتماعي: "عزيزي دونالد وميلانيا ترامب، مبارك على أعظم عودة في التاريخ! عودتكم التاريخية إلى البيت الأبيض تقدم بداية جديدة لأميركا وتجديدًا قويًا لالتزامنا بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأميركا. هذا انتصار كبير!". فإن وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، قال إنه متأكد من أن "ترامب سوف يتفق مع إسرائيل بشأن قوانين مثل عقوبة الإعدام للفلسطينيين المدانين بالإرهاب". وكان إيتمار بن غفير، قد تحدّث في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن طموحاته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة في إطار "الهجرة الطوعية"، وإقامة المستوطنات الإسرائيلية، وقال إن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أفضل تجاه إسرائيل من الرئيس الحالي جو بايدن. وكان بن غفير قد خاض حرب تصريحات مع إدارة بايدن، التي فكرت في فرض عقوبات عليه وعلى سموتريتش، دارت حول تأكيده المستمر على أن "إسرائيل ليست ولاية أميركية".
بينما قال وزير المالية الإسرائيلية الوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش: "فوز ترامب يحمل معه أيضًا فرصة مهمة لدولة إسرائيل. في الولاية الأولى، قاد ترامب تحركات دراماتيكية... لقد كنا على بعد خطوة من فرض السيادة على المستوطنات في الضفة الغربية، والآن حان الوقت للقيام بذلك. 2025 هو عام فرض السيادة في الضفة الغربية".
وبحسب "نيويورك تايمز": "ترى أغلبية ساحقة من الإسرائيليين اليهود أن ترامب خيار أفضل لمصالح إسرائيل من كامالا هاريس. وهم يفترضون أنه سيكون أكثر تسامحًا مع إسرائيل من إدارة بايدن، التي دعمت على نطاق واسع جهود الحرب الإسرائيلية على غزة على مدى العام الماضي، ولكنها انتقدت أيضًا الجوانب الإنسانية منها، بما في ذلك ارتفاع عدد القتلى المدنيين".
وقال كوبي مايكل، وهو زميل في معهد ميسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، وهي مجموعة بحثية مقرها القدس ذات ميول محافظة: "أعتقد أن نتنياهو يفضل عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب على هاريس". فيما قال ألون بينكاس، القنصل العام الإسرائيلي السابق في نيويورك، إن ترامب من المرجح أن يمنح نتنياهو "استراحة من الضغوط لحل الصراع الأوسع، على الأقل لبضعة أشهر".
المستوطنون، أظهروا حماسة كبيرةً أيضًا لعودة ترامب للبيت الأبيض، بعد فرض إدارة بايدن عقوبات محدودة عليهم، وفي ظل الرغبة في استيطان غزة، بالإضافة إلى موقف ترامب المتفهم للمستوطنات (وزير خارجيته زار مستوطنة بسوغوت رام الله)، والعلاقة الوثيقة بين بعض قادة المستوطنين وأشخاص في إدارة ترامب الأولى ومع قادة المجتمع الإنجيلي الأميركي.
ولعب يوسي داغان، المستوطن المعروف شمال الضفة الغربية، ورئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية، دورًا نشطًا في محاولة زيادة الإقبال الأميركي الإسرائيلي على التصويت لترامب. ففي الأسابيع التي سبقت انتخابات يوم الثلاثاء، بدأ مشروعًا يسمى "Jvote" حيث تم تشجيع المواطنين الأميركيين المقيمين في إسرائيل والذين يُنظر إليهم على أنهم من المؤيدين المحتملين لترامب على التصويت على التصويت.
وقال داغان لصحيفة "هآرتس": "لقد تم رفع عبء كبير وثقل كبير. لقد أثر الضغط الأميركي على كل شيء فيما يتعلق بالأمن والمستوطنات. أعتقد أن هذا الضغط سوف يتوقف أو يضعف. لا يزال من المبكر جدًا معرفة ما الذي سيتغير، ولكن من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية لن تكون قادرة على القدوم والقول إن هناك ضغطًا أميركيا"، ويُعرف داغان الضغط الأميركي بـ"القيود المفروضة على عمليات الجيش في غزة ولبنان والضفة الغربية، وكذلك في التوقع بإقامة دولة فلسطينية"، مشيرًا إلى أن "الضم سيعود إلى الطاولة". وعندما سُئل عما إذا كان يعتقد أن فوز ترامب سيعزز أي جهود إسرائيلية لبناء المستوطنات في غزة ، قال إن غياب الضغط السياسي من شأنه أن يساعد. وقالت المتحدثة باسم داغان، إستر ألوش، إن يوسي داغان، تلقى دعوة بالفعل لحضور حفل تنصيب ترامب في واشنطن.
وفي يوم الأربعاء، بعد الإعلان عن فوز ترامب، غرد رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية، يسرائيل غانتس، قائلًا: "حان وقت السيادة! [أي الضم] ترامب قوي واحد، دولة يهودية واحدة". وفي صباح يوم الثلاثاء، قاد غانتس صلاة في مستوطنة شيلو تضمنت صلاة من أجل نجاح ترامب في الانتخابات الأميركية.
أمّا زعيمة حركة ناحالا الاستيطانية، دانييلا فايس، التي تطمح للاستيطان في غزة حاليًا، لم تظهر حماسة كبيرة لترامب، وانتقدت صفقة القرن، قائلةً: "لقد مررنا بتجربة صعبة للغاية مع خطة ترامب، وعملت بجد لضمان عدم قبولها. لقد تضمنت الخطة 30 في المائة [من الضفة الغربية] لليهود ولكن 70 في المائة لدولة فلسطينية. رأى الناس على اليمين بشكل أساسي أن 30 في المائة لليهود، لكنني رأيت 70 في المائة للدولة الفلسطينية. لذلك فإن هذا الأمر يؤرقني باستمرار؛ لا يمكنني أن أترك هذا القلق".
ومع ذلك، تتوقع فايس أن يكون لذلك تأثير "إيجابي" على إمكانية الاستيطان في غزة. وقالت: "هناك توقعات بأن ترامب سوف يفرض قيودًا أقل، بالتأكيد، لكن أعتقد أن الأمر يعتمد بشكل أقل على ترامب وأكثر على إسرائيل والضغوط التي يمارسها اليمين بشكل عام. أنا لا أتحدث عن الليكود فقط بل عن كل الأحزاب السياسية، وأنا أعمل بجد في هذا الصدد". وأضافت عن الدولة الفلسطينية: "آمل أن يزيل ترامب هذه المسألة من جدول أعماله بالكامل"، رغم أنها أكدت مخاوفها من أن "ترامب زعيم لا يمكن التنبؤ بتصرفاته".
يشار إلى أن نتنياهو في ليلة الانتخابات الأميركية، اتخذ خطوة كان يعد لها من أشهر، وهي إقالة وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، صاحب العلاقة المفتوحة مع واشنطن، في حكومة إسرائيل، والذي وصفه ترامب مرة بـ"الأحمق".
ووفق التحليلات الإسرائيلية، فإن عودة خطة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، للتعديلات القضائية، قد تكون مطروحة على الطاولة، وهي قضية تدخلت فيها إدارة بايدن بشكلٍ كبير تحت "شعار القيم المشتركة"، التي لا يكترث لها ترامب كثيرًا. فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أنه في عام 2016، بعد وقت قصير من فوز ترامب الأول في الانتخابات الرئاسية، ورد أن نتنياهو نصح موظفيه بأن "يكونوا مثل ترامب" وطالبهم بتبني سياسة أكثر عدوانية في الصراعات مع المنافسين السياسيين، وفي الردود على الصحافة.
وقال معلق الشؤون العسكرية في "هآرتس" عاموس هارئيل: "بدءًا من كانون الثاني/يناير المقبل، ربما لن يضطر نتنياهو إلى القلق بشأن الإدانات الأميركية عندما يواصل الترويج للتشريعات المناهضة للديمقراطية. ولن يكرر ترامب، الذي يحلم بتولي سلطات استبدادية إضافية بنفسه، السياسة الصارمة التي تبنتها إدارة بايدن ضد أفعاله، والتي تنطوي أحيانًا على تدخل متعمد في القضايا الداخلية لإسرائيل".
كما عيّن بنيامين نتنياهو مؤيدًا متشددًا للحرب على غزة وداعمًا منذ فترة طويلة للمستوطنات في الضفة الغربية سفيرًا له لدى الولايات المتحدة، في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل للإدارة القادمة لدونالد ترامب. وأعلن يوم الجمعة عن تعيين يحيئيل لايتر، وهو رجل أعمال يميني أميركي المولد والمساعد السابق له ولأريئيل شارون هاجر إلى إسرائيل قبل أربعة عقود، سفيرًا لإسرائيل في واشنطن. وكان ابنه، وهو جندي في الجيش الإسرائيلي، قد قُتل في شمال غزة العام الماضي. كما نشط في مع الحاخام اليميني المتطرف مائير كاهانا، في منظمة صنفتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، ويعيش في مستوطنة شمال الضفة الغربية، كان داعمًا لاتفاقيات التطبيع التي عمل عليها ترامب، ودعا إلى الضم الضفة الغربية.
وحول لايتر، الذي كان يعرف شخصيًا باروخ جولدشتاين، الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، قالت صحيفة "هآرتس"، إن التعيين "يرسل إشارة قوية حول توقعات رئيس الوزراء الإسرائيلي، فيما يتعلق بإدارة ترامب القادمة". مشيرةً إلى أن "نتنياهو لا يصدق فكرة أن ترامب سيحاول الترويج لخطة سلام جديدة مع الفلسطينيين، بل يبدو أنه يعتقد أن الرئيس القادم سوف يدعم الضم الإسرائيلي الأحادي الجانب للضفة الغربية وأجزاء من غزة".
وينشط لايتر، في منظمة تُعرف باسم "منتدى البطولة" والتي تتألف من عائلات الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في غزة، يعارضون وقف إطلاق النار وصفقة التبادل في غزة دون "القضاء التام على حماس"، وهي منظمة استخدمها نتنياهو عدة مرات، خلال حديثه عن رفض وقف إطلاق النار في غزة.
وقالت ميراف زونسزين، المحللة في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، عن هذا التعيين "هذا يرسل رسالة واضحة: نتنياهو مهتم بتمثيل حركة الاستيطان المتطرفة أمام إدارة ترامب".
وقبل الانتخابات الأميركية، قيل إنه: "خلال الحملة الرئاسية الأميركية، لم يبذل بنيامين نتنياهو أي جهد لإخفاء تفضيله. فقد قال مرتين على الأقل في أثناء المداولات الأمنية إنه إذا انتُخِب دونالد ترامب، فسوف يكون الأمر أسهل بالنسبة لإسرائيل؛ لأن ترامب يفهم المشكلة الإيرانية. أما مع الحزب الآخر، فسوف يكون الأمر أصعب، كما كان الحال في عهد باراك أوباما، بل وربما أسوأ. وكان نتنياهو يعلم تمام العلم أن تصريحاته سوف تُسرب".
خلية ترامب والمنطقة
يعمل ترامب على تشكيل "خلية النحل" الخاصة به للعمل في البيت الأبيض، وبينما اختار مديرة حملته سوزان وايلز لتكون كبيرة موظفي البيت الأبيض، فإن بقية الأسماء التي ستشكل إدارته لم تتضح بعد، قالت مصادر إن ترامب "لا يريد جنرالات سابقين في فريقه للأمن القومي ويفضل رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين".
وعلى مستوى المنطقة، من بين المسؤولين السابقين في إدارة ترامب الذين قد يحصلون على منصب كبير في السياسة الخارجية والأمن القومي في الإدارة الجديدة براين هوك، الذي كان مبعوث ترامب إلى إيران وسيقود فريق انتقال وزارة الخارجية في الإدارة الجديدة.
وخلال فترة ترامب السابقة ، كان ملف الشرق الأوسط يُدار في الغالب من قبل مستشاره الكبير وصهره جاريد كوشنر، الذي صاغ صفقة القرن، وتفاوض على اتفاقيات التطبيع. وبينما قال كوشنر علنًا عدة مرات خلال الحملة، إنه غير مهتم بالعودة إلى الحكومة. لكن فوز ترامب، والحرب الحالية، والحديث المستمر عن التطبيع، "قد يغير رأيه"، وفق موقع أكسيوس. الذي أضاف "من بين الشخصيات الأخرى التي تستحق المتابعة: آفي بيركوفيتش، الذي عمل مع كوشنر على خطة صفقة القرن واتفاقيات التطبيع، الذي قد يعود أيضًا ويكون جزءًا من فريق ترامب في الشرق الأوسط. وقد يعود ديفيد فريدمان، الذي شغل منصب السفير الأميركي في إسرائيل في عهد إدارة ترامب الأولى، لفترة أخرى في هذا المنصب". وقد يعود المبعوث السابق لترامب جيسون جرينبلات، ورئيس موظفي فريدمان آرييه لايتستون، أيضًا إلى الحكومة للعمل على ملف الشرق الأوسط.
وعن فريدمان، فقد كان من بين أبرز المؤيدين للمستوطنات في إدارة ترامب السابقة، وسفيره لدى إسرائيل. وفي مستوطنة نوفيم بالضفة الغربية المحتلة قبل أسبوع، أطلق فريدمان النسخة العبرية من كتابه الجديد "دولة يهودية واحدة: الأمل الأخير والأفضل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وحضر الحفل ستة من أعضاء مجلس الوزراء، وهم: وزير الأمن يسرائيل كاتس (وزير الخارجية آنذاك)، ووزير الاقتصاد نير بركات، ووزير الطاقة إيلي كوهين، ووزير شؤون الشتات عميحاي شيكلي، ووزيرة المستوطنات والمهمات الوطنية أوريت ستروك، ووزيرة الاستخبارات غيلا جامليئيل. ويقول فريدمان في مقطع فيديو ترويجي للكتاب: "نأمل أن تحظى إسرائيل ذات يوم، بمساعدة الله وبمساعدتكم، بالسيادة الكاملة على وطنها التوراتي بالكامل".
ونشر جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي الذي نسق توقيع اتفاقيات التطبيع، مقالًا على "إكس"، في أيلول/سبتمبر، أعرب فيه عن دعمه لاستمرار الحروب في غزة ولبنان. كما أعرب عن أمله في أن تضرب إسرائيل إيران بشكل كبير.
ووفق تقرير لـ"فايننشال تايمز": "لن يعود صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، إلى البيت الأبيض في الإدارة الجديدة، لكنه قد يقدم المشورة بشأن السياسة في الشرق الأوسط"، وقال شخص مطلع على الأمر إن "هناك شخصين قيد النظر للعمل في المنطقة، هما المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي فيكتوريا كوتس، وميغيل كوريا، وهو لواء متقاعد عمل مع كوشنر في اتفاقيات التطبيع، وكان أيضًا ملحقًا دفاعيًا أميركيًا في أبو ظبي".
ووفق "نيويورك تايمز"، وعلى مدى عدة أشهر، قدم المسؤولون الإسرائيليون إحاطات عن الحرب على غزة إلى جاريد كوشنر، وديفيد فريدمان.
وبينما يدور النقاش حول إمكانية اختيار ترامب دائرة انعزالية، افتتح تقرير في صحيفة "هآرتس"، بالقول: "على مدار الحملة الرئاسية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، كانت التكهنات حول سياسته في الشرق الأوسط تدور حول حقيقة مفادها أن أحد أكبر المحسنين إليه كان من أشد المؤيدين لضم الضفة الغربية. وبالتالي فإن التفكير المنطقي قد يكون أنه سوف يتذكر استثمار ميريام أديلسون البالغ 100 مليون دولار أميركي عندما يرسم السياسة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والشرق الأوسط على نطاق واسع".
ما هي التوقعات؟
بحسب التحليلات، فإنه "على نحو غير عادي، لم تترك حملة ترامب سوى القليل من الأدلة حول الكيفية التي قد يدير بها السياسة الخارجية". فيما يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ستيفن م. والت: "الواقع أن السياسة الأميركية تشكل لغزًا محيرًا. وإذا لم يكن الأمر واضحًا بالفعل، فمن الواضح الآن بشكل ساحق أن لا أحد يفهم كيف تعمل السياسة الانتخابية الأميركية". وجاء بالتقديرات، فإن الحرب على غزة ولبنان "ستكون أكثر القضايا إلحاحًا على مكتب ترامب"، على صعيد السياسة الخارجية، التي تمتد من الصين إلى أوكرانيا وإيران وقضايا الهجرة، وصولًا إلى الحرب في المنطقة، فيما تشير دوائر ترامب إلى أن نهجه "السلام من خلال القوة".
وحول التقديرات والاحتفاء في ترامب، قال دوف واكسمان، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، إن رئاسة ترامب قد تكون بمثابة نعمة ونقمة في نفس الوقت بالنسبة لنتنياهو. وأشار واكسمان إلى أن "ترامب قد يكون منفتحًا على اعتراف الولايات المتحدة بخريطة إسرائيل المتغيرة، مع ضم جزء على الأقل من الضفة الغربية رسميًا إلى إسرائيل".
وأضاف أن ترامب قد يكون أيضًا على استعداد لدعم الوجود العسكري الإسرائيلي المستمر في غزة. لكن واكسمان، أوضح أن ترامب ودائرته الداخلية أكثر ميلًا من الرؤساء السابقين إلى خفض المساعدات العسكرية لإسرائيل، والتي بلغت مليارات الدولارات كل عام لعقود من الزمان. وقال: "لطالما أعرب ترامب عن نفوره من المساعدات الخارجية الأمريكية. وقد يتساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة تحصل على أفضل نهاية للصفقة".
وتقول شيرا إيفرون، المديرة البارزة لبحوث السياسات في منتدى السياسات الإسرائيلي: "لقد انتهت الحرب في غزة، والقتال العنيف، منذ أشهر. وما لدينا الآن هو مكافحة تمرد". وأضافت "قد تقول إسرائيل: حسنًا، لقد أنهينا الحرب في غزة، لكننا سنبقى هنا لمدة لا أعلمها، عشر سنوات حتى نتمكن من تسليمها إلى شريك موثوق به. وهذا أمر قد يكون ترامب على ما يرام معه".
وقال مارك دوبويتز، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، التي تفضل موقف المواجهة في التعامل مع إيران، "لا أعتقد أن إدارة ترامب القادمة تعاني من أوهام مفادها أن ’إنهاء الحرب’، يعني في الأساس عدم استمرار العمليات الإسرائيلية في غزة أو في جنوب لبنان أو ضد إيران. أعتقد أن ما يتحدث عنه [ترامب] هو عمليات برية كبرى في لبنان وعمليات برية كبرى في غزة".
وقال جيريمي بن عامي، رئيس منظمة جيه ستريت، جماعة الضغط الإسرائيلية الليبرالية، التي أيدت هاريس وانتقدت حكومة نتنياهو، إنه "لا يستطيع التنبؤ بما إذا كان انتخاب ترامب من شأنه أن يعجل بإنهاء الحرب". وقبل الانتخابات، قال بن عامي، إنه "يعتقد أن نتنياهو يضع نفسه في موقف يسمح له بإعلان النصر إذا فاز ترامب". واستمر في القول: "الإجابة الصادقة هي ’من يدري’. لا يوجد شيء اسمه سياسة خارجية متماسكة. لا يوجد تماسك في أي شيء يحدث حول دونالد ترامب، وليس لدي أي فكرة على الإطلاق عن سياسته بعد 74 يومًا، وأتخيل أنه ليس لديه أي فكرة أيضًا".
ويقول ديفيد ماكوفسكي، وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز أبحاث يتشاور مع كل من الحكومتين الأميركية والإسرائيلية: "من جانب نتنياهو، أعتقد أنه يأمل أن يكون لديه حرية أكبر مع ترامب بشأن غزة بشكل عام". وأضاف: "ربما يشعر أن إدارة ترامب لن تضعه تحت نفس النوع من التدقيق". ولكن ماكوفسكي، قال إن نتنياهو إذا كان يعتقد أنه خفف تمامًا الضغوط من الولايات المتحدة بانتخاب ترامب، فإنه قد يواجه قريبًا صحوة قاسية. فقد قال ترامب للجمهور خلال حملته الانتخابية، بما في ذلك الأميركيون من أصل عربي في ميشيغان، إنهم قد يتوقعون "السلام في الشرق الأوسط" إذا أصبح رئيسًا. ويواجه ترامب أيضًا ضغوطًا من الجناح الانعزالي في الحزب الجمهوري، بما في ذلك نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس، الذي يعارض "التورط في الخارج وحذر من الصراع مع إيران".
وتوقع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق ووزير الدفاع ليون بانيتا، أن يعطي دونالد ترامب لبنيامين نتنياهو "شيكًا مفتوحًا في الشرق الأوسط، مما قد يفتح الطريق أمام حرب شاملة بين إسرائيل وإيران".
تترافق التوقعات الإسرائيلية من ترامب، بالتزامن مع أكثر "اختبار جاد" في العلاقة مع أميركا، بعد رسالة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، إلى إسرائيل، التي تطلب تحسين الحالة الإنسانية في غزة، أو قطع إمدادات السلاح، وعلى جدية الرسالة، التي قد تمدد واشنطن مهلتها نتيجة تغيير إسرائيل وزير الأمن، فإن بعض التقديرات، تقول: "قد يعتقد نتنياهو، أن إسرائيل قادرة على تحمل أي تأخير مؤقت في تسليم الأسلحة حتى تنصيب ترامب، الذي ربما لا يهتم. ولكن مع مواجهة إسرائيل لاحتمال اندلاع حرب شاملة مع إيران، فإنها تحتاج إلى أكثر من مجرد قنابل. فهي تحتاج أيضًا إلى تنسيق وثيق مع القوات المسلحة الأميركية لصد الصواريخ الإيرانية وشن هجماتها المضادة".
وفي هذا السياق، بحسب مصادر إسرائيلية، فإنه قبل الموعد النهائي الأميركي لزيادة المساعدات لغزة، يشعر المسؤولون في إسرائيل بالقلق من أن تصنيفها بما يرتبط في مجاعة غزة، ما قد يوقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل ويؤدي إلى عدم استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن ضد إسرائيل. وأشار مسؤول إسرائيلي، إلى أن "الوقت المتبقي لدى إدارة بايدن كاف لإلحاق ضرر كبير بإسرائيل". وأفادت مصادر دبلوماسية بأن "صدور تقرير أممي بشأن الجوع في غزة قد يؤثر على حكومات أوروبية تفكر بمعاقبة اليمين بإسرائيل". فيما قال نتنياهو داخل جلسة لمجلس الوزراء: "على الرغم من فوز ترامب - نحن بحاجة إلى المناورة في الشهرين المقبلين لإدارة بايدن".
بدوره، قال ستيفن م. والت، كاتب عمود في مجلة فورين بوليسي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد: "لا ينبغي لأحد أن يتوهم أن الأمور ستتحسن بوجود ترامب في البيت الأبيض . فقد أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل ما أراده خلال ولايته الأولى، وانسحب من الاتفاق الذي كان يمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، ولن يذرف دمعة واحدة على الخسائر المأساوية التي يواجهها الأبرياء في غزة ولبنان والضفة الغربية المحتلة. وقد يتردد في مساعدة إسرائيل في مهاجمة إيران، ولكن بخلاف ذلك ستستمر إسرائيل في الحصول على الضوء الأخضر للقضاء على الفلسطينيين أو طردهم".
وأوضح ماثيو كرونيج كاتب عمود في مجلة فورين بوليسي: "في الشرق الأوسط، سيكون هناك تحول كبير. فبدلًا من تركيز السياسة الأميركية على البحث عن تسوية مع إيران، ستركز السياسة على دعم إسرائيل وغيرها من الشركاء التقليديين في المنطقة ضد إيران والحلفاء معها. والواقع أن إقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوزير أمنه يوآف غالانت مؤخرًا تمنحه حرية أكبر في التصرف، ومن غير المرجح أن تتمكن إدارة ترامب من منعه من ذلك".
بخصوص لبنان، زعمت صحيفة "الفايننشال تايمز"، أن "هناك تفاهمات بين نتنياهو وترامب على أنهما سيعملان على إنهاء الحروب"، كما قال شخص مطلع على تفكير إسرائيل. متابعًا: "يريد نتنياهو مساعدته على تحقيق هذا الإنجاز. لم يضمن ذلك، لكن الفكرة هي أنه سينتظر أي نوع من التحرك الكبير في لبنان أو غزة حتى 20 كانون الثاني/يناير [يوم تنصيب الولايات المتحدة]".
ووفق "نيويورك تايمز"، يدفع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الجهود الرامية إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة إلى مزيد من عدم اليقين، بعد عام من المحاولات الفاشلة من قبل إدارة بايدن. وقال مايكل ستيفنز، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد رويال يونايتد سيرفيسز، إن الشعور كان أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية للتحرك. فلماذا يعطي بايدن أي شيء الآن؟".
أما داخل وزارة الخارجية الأميركية، هناك مخاوف من أن ترامب قد يستهدف المكاتب التي تركز بشكل خاص على القضايا التي هاجمها خلال حملته لإعادة انتخابه مثل الهجرة. على وجه الخصوص، قد يقوم بتقليص مكاتب وزارة الخارجية بأكملها، بما في ذلك مكتب السكان واللاجئين والهجرة، بالإضافة إلى مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، الذي ركز على انتهاك حقوق الفلسطينيين من قبل إسرائيل. وقال أحد المسؤولين لـ"هافينغتون بوست"، إن الإدارة الجديدة "ستكون فظيعة بالنسبة لأي نوع من الجهود الإنسانية في فلسطين".
كيف يُنظر إلى ترامب داخل إسرائيل؟
يقدم تقرير نشره "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، رؤية تجمل تصور ترامب تجاه إسرائيل، معتبرًا أن "القضية الملحة بالنسبة لترامب هي حروب إسرائيل على غزة ولبنان. وكان قد عبر عن رغبته بإنهاء الحرب على غزة قبل بدء ولايته ودخول إلى البيت الأبيض"، لكنه لن يفرض قيودًا على المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل كي يرغمها على وقف الحرب.
وتابع التقرير أنه بسبب دعمه لـ"اتفاقيات أبراهام للتطبيع" و"صفقة القرن"، فإن "ثمة احتمال واضح أن تؤيد إدارة ترامب صيغة ما لحل الدولتين، وربما تشمل ضم منطقة واسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل. لكن بعد تصريحات مستشاري ترامب ووزراء إسرائيليين بأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ليس مفتاحًا للاستقرار الإقليمي، فإن ترامب قد يمتنع عن الربط بين التقدم نحو حل الدولتين وتوسيع ’اتفاقيات أبراهام’".
وتوقع التقرير أن يمارس ترامب ضغوطًا على حلفاء أميركا بهدف منع تحقيقات دولية ضد مسؤولين وجنود إسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وأشار التقرير إلى أن قضيتين مركزيتين في إسرائيل ستتأثران في بداية ولاية ترامب. فإن القضية الأولى تتعلق بخطة "التعديلات القضائية" التي تدفعها الحكومة الإسرائيلية بهدف إضعاف جهاز القضاء، التي عارضها بايدن بشدة ويتوقع أن يؤيدها ترامب. والقضية الثانية تتعلق بمعارضة ترامب لمساعدات خارجية أميركية وتأييده لتحويلها إلى قروض يتعين على الدول التي تتلقاها أن تسددها، "وتطبيق ذلك تجاه إسرائيل من شأنه أن يشكل تحديًا كبيرًا لها"، والأخيرة أمر مستبعد بالعموم.
وأوصى التقرير بأن على إسرائيل الحفاظ على دعم الحزبين الأميركيين الكبيرين لها، لأن "أصوات الديمقراطيين في الكونغرس ستكون حاسمة للمصادقة على مذكرة المساعدات الأميركية المقبلة، والمصادقة على الدور الأميركي في أي اتفاق إسرائيلي - سعودي". كذلك أوصى التقرير بأنه في حال تركيز اهتمام إدارة ترامب على الصين، فإنه "يتعين على إسرائيل أن تثبت قيمتها كحليفة إستراتيجية للولايات المتحدة، وزيادة اندماج إسرائيل في المنطقة سيثبت قيمتها في المواجهة الأميركية مع الصين وحليفاتها في المنطقة".
ودعا التقرير صناع القرار في إسرائيل إلى عدم إظهار معارضة علنية في حال جرت مفاوضات أميركية – إيرانية حول اتفاق نووي جديد، "كي تحسن احتمالات أن يسهم الاتفاق الذي يتم التوصل إليه بالمصالح الإسرائيلية".
وترى تقديرات، بأن ترامب، سيكون أكثر "حماية" تجاه إسرائيل في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة وغيرها، وحتى في الضغط على محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي فرض ترامب عقوبات على المدعية العامة فيها فاتو بنسودا، بعد إعلان نيتها فتح تحقيق في الغزو الأميركي لأفغانستان.
مشروع 2025.. ماذا عن فلسطين؟
من القضايا البارزة خلال الانتخابات الأميركية الأخيرة، كانت مؤسسة هيريتيج، وهي مؤسسة فكرية محافظة تقف وراء ما عرف باسم "مشروع 2025"، وهو كتاب سياسات تظاهر ترامب بالجهل به أثناء الحملة الانتخابية. وكان الديمقراطيون قد أمضوا أشهرًا في محاولة ربط ترامب بخطة مكونة من 900 صفحة، والتي قالوا إنها تقدم معاينة غير مزخرفة لأجندة فترة ولاية ثانية عازمة على منحه سلطات غير مقيدة. وكان المشروع، الذي بدأت المؤسسة في إعداده في عام 2022، بمثابة مجموعة من الخيارات لإدارة ترامب أو أي رئاسة جمهورية أخرى.
وفي أعقاب الانتخابات الأميركية، نشر كيفن روبرتس، كبير مهندسي مشروع 2025، كتابًا وصف بـ"خطة سياسية مثيرة للجدل إلى حد كبير لولاية ترامب الثانية"، إذ يستخدم الكتاب مرارًا وتكرارًا صور النار والحرق، بما في ذلك دعوة اليمينيين إلى "حرق العفن" في المؤسسات والمنظمات الأميركية التي تعتبر معارضة للأهداف المحافظة. وينشر الكتاب تحت عنوان "ضوء الفجر المبكر: استعادة واشنطن لإنقاذ أمريكا"، واحتوى الكتاب الذي وصفت "لغته بالتحريضية"، على مقدمة كتبها السيناتور عن ولاية أوهايو جيه دي فانس، الذي اختبر ليكون نائبًا لترامب.
وبينما يدعو المشروع إلى "تدفيع حلفاء أميركا ثمن المساعدات التي يحصلون عليها، إلّا أن الأمر لم ينطبق على حليف واحد: إسرائيل. وقد تم الإشارة إليها عدة مرات في مشروع 2025، الذي يؤكد على الحاجة إلى استمرار الدعم الأميركي لها ولجيشها واقتصادها.
وينص مشروع 2025 على "استمرار الدعم لإسرائيل حتى مع قيام أميركا بتمكين شركائها في الخليج من تحمل المسؤولية عن دفاعاتهم الساحلية والجوية والصاروخية سواء بشكل فردي أو من خلال العمل الجماعي".
وينص المشروع على أنه ملتزم "بشكل صارم" بمذكرة التفاهم لعام 2016، وهي اتفاقية إسرائيلية أميركية وقعها الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، والتي تمنح إسرائيل 3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية سنويًا حتى عام 2028.
وحول فلسطين، ينص مشروع 2025 على أنه "يجب قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية". وتقدم الولايات المتحدة مساعدات أمنية للسلطة الفلسطينية منذ عقود، وتم إنشاء مكتب منسق الأمن الأميركي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية في آذار/مارس 2005 لتحسين التنسيق بين الجانبين.
كما وضعت مؤسسة هيريتيج، وفي أعقاب موجة التظاهر داخل الولايات المتحدة، خطة لـ"ملاحقة الطلبة ومن يخرج في المظاهرات"، وهو ما صرح عنه ترامب علنًا، بالإشارة إلى كونه سيعمل على طردهم.
فوز ترامب.. انتصار نتنياهو
في يوم الانتخابات الأميركية، نُشر تحليل في صحيفة "الغارديان" البريطانية، تحت عنوان "فوز ترامب هو انتصار لنتنياهو، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد لا يحصل على كل ما يريده"، .وتقول جاييل تالشير، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية، وهي على اتصال وثيق بأعضاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، إن نتنياهو يعتقد "أنه الآن الفائز الأعظم... على جميع الجبهات".
ووفق صحيفة "هآرتس": "نتنياهو وترامب يشتركان في القومية الانفصالية، وكراهية الأجانب، وعشق الأغنياء، وكراهية المؤسسات والقواعد والقوانين". وأضافت: "الآن يأمل نتنياهو والائتلاف في إسرائيل أن يدعم ترامب ’النصر المطلق’: طرد الفلسطينيين من شمال غزة وإقامة المستوطنات فيها والضم والاستيطان الضخم في الضفة الغربية، وشريط أمني في لبنان، وربما هجوم من جانب الولايات المتحدة على المنشآت النووية في إيران. المساعدات السخية والدعم الدولي الذي تتلقاه إسرائيل من بايدن، الذي أطلق يدها تقريبًا في غزة ولبنان، لا يشبع تعطش الحق الإسرائيلي للأراضي أكثر، وللتحضير لنقل بعض الفلسطينيين. من المتوقع أن يتخلص ترامب من قلق بايدن المتراخي على الفلسطينيين وإلغاء العقوبات الرمزية ضد المستوطنين العنيفين، ودعم نتنياهو في طريقه للقضاء على ’المؤسسات الديمقراطية’ في إسرائيل وتحويلها إلى استبداد ديني. ومع مطالبة ترامب بوقف الحرب، التي كررها في خطاب النصر، سيتعامل نتنياهو بالفعل معه، بطريقة ’نعم ولكن’".
وفق مصادر صحفية مقربة من نتنياهو، فإن "إسرائيل قررت 'خفض رأسها' حتى دخول ترامب إلى منصبه، لمنع أزمة مع إدارة بايدن وعقوبات كما حدث مع إدارة أوباما.. لذلك احتمال التوصل إلى اتفاق مرتفع الآن"، فيما قال الصحفي اليميني عميت سيغال: "في غزة سيحقق الجيش ’إنجاز’ إنشاء ممر ثالث من حيث العدد وإخلاء المناطق الشمالية من القطاع، تمهيدًا لإخلاء مدينة غزة عندما يدخل ترامب البيت الأبيض. وربما لن يحصي شاحنات المساعدات بنفسه". مشيرًا إلى أن "القصة هي إيران بالطبع". وتؤكد كتابات إسرائيلية أخرى، على أن ترامب، كما هو معروف، غير قابل للتوقع، بما يعني أنه "ليس في جيب نتنياهو".
بداية نتنياهو "المتحمسة" لترامب، كانت بقوله: "في الأيام القليلة الماضية تحدثت ثلاث مرات مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب. وكانت هذه محادثات جيدة ومهمة للغاية. إننا نرى وجهًا لوجه التهديد الإيراني بكل مكوناته، والخطر الذي يمثله. كما نرى الفرص الكبيرة أمام إسرائيل في مجال السلام وتوسعه وفي مجالات أخرى".
ترامب وصف الحرب في المنطقة بـ"الفوضى"، وبينما يبدو نتنياهو متحمسًا لاستقبال الرئيس الأميركي المقبل، فإن سموتريتش دعا إلى اعتبار 2025 عام "السيادة" على الضفة الغربية
بعد ساعات مع هذا التصريح، كشف عن "بداية التنسيق مع الإدارة القادمة"، إذ قُرر لقاء بين وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بالرئيس الأميركي المنتخب ترامب، إذ سيبحث معه مفاوضات لبنان والتوصل إلى اتفاق في غزة و"اليوم التالي" والتطبيع مع الدول العربية، ومعلومات استخباراتية إسرائيلية عن البرنامج النووي الإيراني.
للتذكير، خلال مناظرة بايدن وترامب، استخدم الأخير وصف "فلسطيني"، باعتبارها "إهانة" لبايدن، وبينما تجمع كافة التقديرات على غياب معالم واضحة لسياسة ترامب الخارجية، إلّا أن التقديرات بأنه لن يعارض الكثير من التحركات نتنياهو، وسيكون أكثر تقبلًا لطروحاته، هل ينهي ترامب الحرب؟ هذا سؤال مفتوح، لكن لنتذكر، أن نتنياهو لديه تصور حول نهاية الحرب (حاليًا يبدو أكثر تقبلًا لوقفها في لبنان، فيما ترسخ بنية تحتية للاحتلال في شمال قطاع غزة)، وبايدن لديه رغبة في نهاية الحرب، والسؤال: هو كيف ستكون هذه النهاية؟ الإشكالية الدائمة في حرب غزة، كانت في شكل نهاية الحرب أو ما يعرف بـ"اليوم التالي"، وليس التوافق على نهايتها.