مطلع العام الحالي 2024، ظهرت مسألة الغرامات الباهظة التي بات يفرضها ما يطلق عليه "مجلس المستوطنات"، كواحدة من القضايا الملحة والشائكة في ذات اللحظة أمام المزارعين والرعاة الفلسطينيين لا سيما في الأغوار الفلسطينية.
غرامات ماليّة باهظة يفرضها "مجلس المستوطنات" على الرعاة الفلسطينيين في الضفة الغربية بدل استرجاع أبقارهم وأغنامهم التي سرقها مستوطنون
فقد ظهرت في كانون الثاني المنصرم تحديدًا مسألة الغرامات ذات الطابع العقابي التي فرضها مجلس المستوطنات على المزارعين والرعاة الفلسطينيين، كواحدة من إجراءات التضييق على المواطنين وإجبارهم على الرحيل. ولعلّ اللافت في أمر الغرامات يكمن في بعدين أساسيين؛ الأول، أنها صدرت عن مجلس المستوطنات (انظر الصورة أدناه)، وهي جهة غير رسمية، يقودها مستعمرون، وبالتالي يظهر هنا أن المستعمرين هم من يفرضون الغرامات، وهم من يتولّون مسألة التضييق والخنق على المواطنين الفلسطينيين، وليس جيش الاحتلال أو "الإدارة المدنية" وأذرعها المختلفة. وثانيًا، في كون هذه الغرامات باهظة بشكل كبير، ويبدو من المستحيل على المواطنين الفلسطينيين التجاوب معها، ما يعني التهجير حتمًا، أو التضييق في عملية الرعي في أحسن أحوالها.
بداية العام الحالي، قام مجلس المستوطنات بمصادرة أبقار قدري عليان زامل دراغمة من سكان عين الحلوة بالأغوار الشمالية وعددها 100 بقرة، ثم اعترف مجلس المستوطنات بعد أسبوع من المصادرة بوجود 19 رأس من الأبقار فقط، وطلبوا من المواطن التوجّه من أجل استلامها وذلك بعد أن يقوم بدفع الغرامة التي فرضت عليه من أجل استرجاعها وقيمة الغرامه 49 ألف شيقل. وفي ذات الإطار، وبعد أكثر من أسبوعين، فرض المجلس غرامة مالية أخرى بقيمة 4774 شيقل على أحمد حسين زهدي أبو محسن من أجل استرداد جراره الزراعي الذي قام الاحتلال وما يسمى بمجلس المستوطنات بمصادرته قبلها بعشرة أيام.
ثم بعد أسبوع من الغرامة المالية الباهظة التي فرضها مجلس المستوطنات على قدري دراغمة لاسترجاع 19 رأسًا من الأبقار التي تم مصادرتها، أقدم المستعمرون على سرقة 60 رأسًا من الأبقار، لم يعترفوا بها في المصادرة الأولى. ثم قام مجلس المستوطنات مرة أخرى بمصادرة 48 رأس أخرى، وقد فرض غرامه بقيمة 143910 شواقل، من أجل استرجاعها، وما تزال محتجزة لغاية اللحظة نظرًا لعدم قدرة المواطن على دفع المبلغ الطائل.
وفي إطار المتابعة القانونية التي جرت حول موضوع الغرامات العقوبات على المواطنين الفلسطينيين لا سيما الرعاة والمزارعين، فقد أرسل المحامي ميخائيل سفارد الناشط في مجال حقوق الإنسان، رسالة إلى المجلس الإقليمي "غور الأردن" ولقائد القيادة الوسطى في جيش الاحتلال، يحتج فيها على منع الرعاة الفلسطينيين وأغنامهم من الدخول إلى المناطق التي يسيطر عليها المجلس (مناطق واسعة خارج المستعمرات التي تديرها) ومصادرة رؤوس الأغنام والماشية وفرض غرامات مالية.
ولعل اللافت أن البند الذي استخدمه المجلس كحجّة لإيقاع هذه الغرامات هو بند في القانون المساعد والذي يختص "بملاحقة وإمساك الحيوانات الضالّة" كما ورد في جواب مجلس المستوطنات في ردّه على الدعوى القضائية.
لكن جواب المستشار القانوني العسكري الإسرائيلي في "الإدارة المدنية" إيلي لبراتوف، اعترف بأن المجلس ليس له أي سلطة على الرعاة الفلسطينيين، وبالتالي فإن حظر الرعي والمصادرة وفرض الغرامات غير نافذ فعليًا. لذلك تتوقع دوائر قضائية أن يتم إلغاء جميع الغرامات، وتعويض الرعاة الذين تم تغريمهم بشكل غير قانوني سابقًا.
إلا أنه وبالنظر إلى حجم الخلافات الواقعة داخل أروقة "الإدارة المدنية" التي يديرها وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش حول دور المستشار القانوني في النيابة العسكرية، الذي اعتبره سموتريتش يعيق عمليات التوسّع الاستيطاني في الضفة الغربية، ما أدى إلى إقصائه عن الكثير من اجتماعات إقرار المخططات الهيكلية للمستعمرات في شهر تشرين أول/ أكتوبر 2023 الماضي ومنعه والضباط الآخرين في قسمه من المشاركة في نقاشات حسّاسة في وزارة الجيش وفي لجان الكنيست، تتعلق بالبناء في الضفة الغربية.
وبدلًا منهم استعان سموتريتش برأي نائب المستشار القانوني في وزارة الجيش، موشيه بروخت، وهو مستوطن وباحث وقانوني سابق في منتدى "كهيلت" الذي يعمل على إعادة بلورة اليمين الإسرائيلي كيمين قوميّ ويمين اقتصادي محافظ بالصيغة الأميركية، وهو المسؤول عن موضوع المستوطنات في الوزارة، واستعان أيضًا بمحامين من دائرة الاستيطان التي أسسها سموتريتش في وزارة الجيش.
العصبة التي عينها سموتريتش بديلًا للمستشار القضائي قامت في الأشهر الأخيرة بإقرار وشرعنة مجموعة من القرارات الاستفزازية التي اتخذها سموتريتش فيما يتعلق بتوسيع المستوطنات في الضفة، رغم معارضة المستشار القانوني في النيابة العسكرية الاحتلالية، هذه التطورات التي ظهرت إلى السطح في العام الماضي، تجعل من مسألة إلغاء الغرامات الواقعة على المزارعين والرعاة تراوح مكانها إلى زمن غير معلوم.