16-أغسطس-2024
معتقل سديه تيمان

كشف تحقيق نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منشأة سديه تيمان العسكرية في النقب، حيث تم اعتقال آلاف الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر الماضي. وجاء التحقيق على لسان 8 جنود في جيش الاحتلال وطواقم طبية.

وقال أحد الجنود في شهادته  أنه خلال تواجده في بئر السبع، لاحظ عبر مجموعة الواتساب خاصة أنه تم تكليفه بمهمة جديدة تتعلق بالحراسة في سدي تيمان. عند عودته إلى الكتيبة، بدأ زملاؤه يتحدثون عن المكان بطريقة مبهمة، حيث قال أحدهم: "تعلم أن عليك ضرب الناس هناك"، وكأنه كان يختبر ردة فعله. كما كان هناك جندي آخر يتفاخر بأنه ضرب المعتقلين في المنشأة. غير أن الجندي اعتقد أن القصص مبالغ فيها، لذا تطوع للذهاب إلى سدي تيمان بدافع الفضول.

الظروف المحيطة بالمعتقلين في سديi تيمان غير إنسانية بشكل صارخ. حيث كان المعتقلون يجلسون في زنزانات ضيقة وغير مريحة، ويُمنعون من التحرك أو التحدث

وفي سدي تيمان، قام بحراسة المعتقلين خلال نوبات تمتد 12 ساعة، سواء في النهار أو الليل، بينما كانت الأطباء والمسعفون التابعون للكتيبة يعملون في المستشفى الميداني على مدار الساعة. وتم احتجاز المعتقلين في "حظيرة كبيرة محاطة بسياج وأسلاك شائكة"، حيث كانت الحراسة تتم من قبل الجنود الذين يقفون عند زوايا السياج خلف كتل خرسانية على شكل حرف U. وكان على المعتقلين الجلوس في صفوف على الأرض، بثمانية أفراد في كل صف، ولم يُسمح لهم بالنظر من تحت عصبات أعينهم، أو التحرك، أو الحديث، وتم السماح بعقابهم إذا خالفوا القواعد.

واعترف جندي أنه في سدي تيمان، كان يتم معاقبة المعتقلين بطرق قاسية، حيث كان يُجبرون على الوقوف في مكانهم لمدة تصل إلى 30 دقيقة كعقوبة على المخالفات البسيطة. أما في حالات الانتهاكات الأكثر خطورة، فكان يُسمح لضباط الشرطة العسكرية بأخذ المعتقلين بعيدًا وضربهم بالعصي. في إحدى الحالات، تعرض معتقل للضرب المبرح بعد اتهامه بالنظر إلى جندية، رغم وجود ظروف غير إنسانية أدت إلى تدني حالته النفسية والجسدية. وأوضحت الشهادات أن الضابط استدعى جنديًا آخر، الذي كان يتحدث دائمًا عن رغبته في ضرب المعتقلين، وقاموا بالاعتداء عليه خلف المراحيض، مما أدى إلى ظهور علامات حمراء وكدمات على جسده.

وكانت الظروف المحيطة بالمعتقلين في سدي تيمان غير إنسانية بشكل صارخ. حيث كان المعتقلون يجلسون في زنزانات ضيقة وغير مريحة، ويُمنعون من التحرك أو التحدث، ويُجبرون على ارتداء عصابات على أعينهم. بالإضافة إلى ذلك، كانت عملية التعذيب الجسدي متكررة حيث يتم ضرب المعتقلين بوحشية لمجرد حدوث مخالفات بسيطة أو مزاعم غير مثبتة. هذه الإجراءات أدت إلى تدهور حالتهم النفسية والجسدية بشكل واضح، كما يظهر من علامات الضرب والكدمات التي شوهدت على المعتقلين بعد الضرب.

اعترف طبيب أن الظروف العامة في سديه تيمان كانت تخلق بيئة ترفع صفة الإنسانية عن المرضى، إذ تم تقييدهم ومنعوا من التواصل، مما جعل من الصعب على الأطباء أن يشعروا بالتعاطف أو يتعاملوا مع المرضى بشكل إنساني

ولم تقتصر الانتهاكات على المعتقلين فقط، بل شملت أيضًا معاملة "الشاويش"، وهو المعتقل الذي كان يُطلب منه إدارة باقي المعتقلين. ورغم أنه لم يكن مقيدًا أو مُعصوب العينين، إلا أن وضعه كان بائسًا مثل باقي المعتقلين، حيث كان يواجه ضغوطًا كبيرة من حراس السجن. وفي بعض الأحيان، كان يُطلب منه تهديد المعتقلين بالعقوبات الجماعية لضمان الهدوء، مما يضيف عبئًا نفسيًا إضافيًا عليه. 

كما اعترف طبيب عمل في مستشفى سديه تيمان، أن الظروف الصحية للمعتقلين مروعة. وكان المرضى مقيدين بأصفاد حديدية قديمة إلى الأسرة، ومربوطين بأيديهم وأرجلهم، مما يسبب لهم الألم والمعاناة. وبعضهم كان يعاني من إصابات خطيرة مثل جروح ناتجة عن الرصاص، وقد تم نقلهم إلى هذه المنشأة بعد وقت قصير من الجراحة، بينما كان من الضروري أن يتلقوا العناية في وحدة العناية المركزة. بدلاً من ذلك، وُضعوا في خيمة في وسط الصحراء، وهو ما يعادل التعذيب من دون مبرر طبي، بحسب الطبيب.

وقال إن المرضى كانوا يعانون من أوضاع غير إنسانية، حيث كانوا مكبّلين ومربوطين وعاجزين عن الحركة أو التحدث، وفي بعض الحالات كانوا يعانون من التهاب الدم الحاد أو حالات طبية حرجة. وأكد أنه كان يُفترض أن يتم علاج هؤلاء المرضى في منشآت مجهزة بشكل ملائم، لكن بدلاً من ذلك، وُضعوا في ظروف بالغة القسوة، تفتقر إلى أدنى معايير الرعاية الطبية، مما يشير إلى أنه تم التعامل معهم كأدوات وليست ككائنات بشرية.

ولاحظ الطبيب أن الظروف العامة في سديه تيمان كانت تخلق بيئة ترفع صفة الإنسانية عن المرضى، إذ تم تقييدهم ومنعوا من التواصل، مما جعل من الصعب على الأطباء أن يشعروا بالتعاطف أو يتعاملوا مع المرضى بشكل إنساني. وقال إن هذه الممارسات أدت إلى تجربة غير إنسانية تحط من كرامة الأفراد، مما جعل الطبيب يشعر بعدم الارتياح والذهول من الفجوة بين ما تعلمه وبين ما شاهده في الواقع.

العقوبات تشمل الضرب بالعصي في مناطق مختلفة من الجسم، بعيدًا عن أنظار باقي المعتقلين، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى أي شكل من أشكال التعاطف أو الإنسانية

فيما اعترف جندي آخر أنه في مركز الاعتقال سدي تيمان، كانت الأوضاع المروعة تتجاوز مجرد سوء المعاملة اليومية، إذ كان المعتقلون يُجبرون على الجلوس على حصائر رقيقة، معصوبي الأعين ومقيدين بأصفاد طوال الوقت، ولا يُسمح لهم بالتحرك أو التحدث. كان هذا الوضع يعكس مستوىً قاسيًا من التعذيب النفسي والجسدي، حيث كانوا يُجبرون على التواجد في أوضاع غير إنسانية، من دون أي مراعاة لظروفهم الصحية أو الإنسانية.

كانت عمليات العقاب تتسم بالقسوة، حيث يتعرض المعتقلون للعقوبات الجسدية بسبب انتهاك القواعد، مثل الوقوف أو الاستلقاء. الأكثر فظاعة هو أن العقوبات تشمل الضرب بالعصي في مناطق مختلفة من الجسم، بعيدًا عن أنظار باقي المعتقلين، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى أي شكل من أشكال التعاطف أو الإنسانية. هذه العقوبات كانت تُنفذ بشكل متكرر، وقد يصل الأمر إلى ضرب المعتقلين بشدة حتى يتسببوا في كدمات أو كسور.

وأحد أكثر الانتهاكات خطورة كان يتعلق بعمليات التفتيش العنيفة التي أجرتها وحدة "فورس 100". خلال عمليات التفتيش، كان المعتقلون يُجبرون على الاستلقاء على بطونهم، ويتم انتقاء مجموعة منهم لتخضع للضرب الوحشي. هذه التفتيشات لم تكن تهدف إلى الأمن بقدر ما كانت تستخدم كوسيلة لإرهاب المعتقلين، حيث كان يتم ضربهم بشكل مفرط، مما أدى إلى إصابات خطيرة.

علاوة على ذلك، كانت عمليات البحث تشمل استخدام القنابل الصوتية لإحداث الفوضى داخل الأقسام، ثم دخول الوحدة لتنفذ تفتيشًا عنيفًا. وكان يلقوا المعتقلون على الأرض بشكل غير مبالٍ، مما يتسبب في سقوطهم على الآخرين، وهم معصوبي الأعين ومقيدين، مما يعكس مدى فظاعة وسوء المعاملة التي يتعرضون لها.

وبيّنت الشهادات أنه لم يكن هناك أي تعبير علني عن الاستنكار أو الاعتراض من قبل الأشخاص المحيطين، بما في ذلك الضباط. إذ كانت عمليات الضرب والإيذاء تُنفذ بشكل علني داخل المركز، وشارك في مشاهدتها عدد كبير من الضباط، بما في ذلك ضباط برتبة عقيد. ولم تكن هذه الأفعال تتم بسرية أو خلف ظهر القادة؛ بل كانت تحدث تحت أعين القيادة المباشرة، ما يعكس مستوى عالٍ من الإشراف والموافقة على هذه الممارسات.

في بعض الحالات، كان الجنود يسيئون معاملة المعتقلين بشكل عشوائي، مثل الدفع أو الضرب دون سبب واضح

وكان يُختار بعض المعتقلين للتعرض للضرب بشكل متكرر، كما كان الحال مع أحد المعتقلين الذي كان يُضرب بشكل مستمر بعد كل تفتيش. وتم تبرير هذه الأفعال بأن المعتقلين قد يكونون قد تصرفوا بشكل غير لائق، لكن التفاصيل الدقيقة لم تكن واضحة. وعندما كان المعتقلون يُضربون، كان يتم استخدام إصابات سابقة كذريعة لمزيد من العقوبات، مثل كسور في الساقين لتبرير عدم قدرتهم على الوقوف خلال العد.

وعلى الرغم من أن بعض الجنود والضباط كانوا يظهرون استياءً أو توترًا، إلا أن معظمهم تقبلوا الوضع كجزء من الخدمة العسكرية، بحسب الشهادات. وكان بعض الجنود، خاصة النساء، يعانون من نوبات هلع عند رؤية عمليات التفتيش العنيفة. ومع ذلك، كان هناك جنود وقيادات أظهروا حماسة لمثل هذه الأدوار. 

وقال جندي أن لحظات الإنسانية كانت نادرة جدًا، مثل تقديم الحلوى للأطفال المعتقلين قبل النوم أو محاولة تهدئة أحد المعتقلين من كبار السن، وتظهر فقط إن كان الضابط المناوب في مزاج جيد فقط، لأنه كان آخر يوم عمل له. 

وقالت الشهادات إنه عند وصول المعتقلين، كانوا يُحضرون وهم مكبلين اليدين، وفي كثير من الأحيان كانوا يرتدون ملابس غير كافية، مثل الملابس الداخلية أو قطع قماش بسيطة تغطي الأجزاء الحساسة من أجسامهم. وبعد نقلهم إلى منطقة الاستقبال، كانوا يُصفون في صفوف وينتظرون دورهم للدخول إلى المكتب حيث تُسجل بياناتهم الأساسية. خلال هذه الفترة، كان يتم إزالة عصابات العيون لبضع دقائق فقط لأخذ الصور.

وفي بعض الحالات، كان الجنود يسيئون معاملة المعتقلين بشكل عشوائي، مثل الدفع أو الضرب دون سبب واضح. هذه التصرفات كانت غالبًا من الجنود الذين جلبوا المعتقلين من الميدان، حيث كانوا يعاملونهم بطريقة مهينة مثل الصفع، والإهانة، والدفع إلى الأرض، حتى لو كانوا بالفعل جالسين. 

ومن بين الحوادث البارزة، تم دفع بعض المعتقلين عنوة من على ظهر السيارة العسكرية، حيث كان المعتقلون مكبلين ومعصوبي الأعين، وسقطوا على الأرض من ارتفاع السيارة مما أدى إلى إصابات. ولم يتم اتخاذ أي إجراءات تأديبية ضد الجنود المسؤولين عن هذا التصرف، وأكدت القيادة لاحقًا أنه لا ينبغي تكرار مثل هذه الأفعال، ولكن لم يتم تنفيذ أي عقوبات فعلية.

تم إنشاء المنشأة خصيصًا لاستيعاب حوالي 120 من معتقلي قطاع غزة، إلا أن عدد المحتجزين ارتفع إلى أكثر من 4500 شخص

وعلى الرغم من تلك الانتهاكات، كان الشخص الذي روى الأحداث يعتقد أن النظام العسكري يعرف ما يفعله وكان يثق في الجيش ويعتبر أن كل ما رآه في سدي تيمان كان مبررًا في سياق تلك الظروف.

وقالت إحدى الشهادات إنه عند وصوله إلى المعسكر، كان أول ما لفت انتباهه هو الرائحة الكريهة، "المكان كان مليئًا برائحة لا تُحتمل، وكأنها ناتجة عن تجمع العشرات من الأشخاص الذين بقوا معًا لأسابيع في نفس الملابس وفي حرارة شديدة. بالرغم من أنهم كانوا يُسمح لهم بالاستحمام مرتين في الأسبوع لبضع دقائق، إلا أنني لم ألاحظ أنهم حصلوا على ملابس جديدة خلال نوباتي".

وأكد أحد الشهود أن رجل من الشرطة العسكرية، كان يرتدي قناعًا، ودفع رأس أحد المعتقلين بقوة ضد جزء معدني من الباب. وكانت الطريقة التي تعامل بها مع المعتقل باردة وغير مبالية، وكأن المعتقل ليس إنسانًا، بل مجرد هدف لتفريغ الغضب. ولم يكن هناك أي اعتراض على هذا التصرف من قبل الآخرين.

وبحسب الصحيفة فقد تم إنشاء المنشأة خصيصًا لاستيعاب حوالي 120 من معتقلي قطاع غزة، إلا أن عدد المحتجزين ارتفع إلى أكثر من 4500 شخص خلال الأشهر التالية.

وأشارت شهادات نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية إلى تعرض المحتجزين للتجويع والتعذيب داخل المنشأة. وتحدثت تقارير عن أن الظروف في السجن لا تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث يتم احتجاز السجناء في ظروف قاسية تشمل التغذية القسرية من خلال أنبوب، وإجبارهم على قضاء حاجاتهم في حفاضات، بالإضافة إلى تقييدهم بالأصفاد بشكل مستمر، ما أدى إلى حالات بتر للأطراف.

وفي تطور لاحق، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلية تحقيقًا جنائيًا ضد الجنود المتورطين في استشهاد 36 محتجزًا في المعسكر. كما تم اعتقال 10 جنود احتياط بتهمة الاعتداء الجنسي الوحشي على أحد السجناء. وتأتي هذه الانتهاكات في ظل إشراف الشرطة العسكرية على العمليات في المنشأة.

وفي ظل هذه الانتهاكات، قدمت خمس منظمات حقوقية التماسًا للمحكمة العليا الإسرائيلية للمطالبة بإغلاق الموقع. وردًا على ذلك، أعلن الاحتلال عن نيته نقل معظم المحتجزين إلى مرافق تابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية وإعادة توجيه معسكر سدي تيمن ليصبح منشأة مؤقتة لأغراض الاستجواب والتصنيف فقط.

وتجدر الإشارة إلى أن آلاف الجنود الإسرائيليين من القوات النظامية والاحتياطية خدموا في سدي تيمن منذ اندلاع الحرب، حيث تحدث بعض الجنود والعاملين الطبيين عن تجاربهم في المنشأة، ما أثار مخاوف واسعة النطاق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث هناك.