07-أغسطس-2024
شهادة من معسكر اعتقال سديه تيمان

الأسير المفرج عنه معاذ خضر (ultrapal)

طوال 3 أيام، رفض المهندس معاذ إبراهيم رمضان خضر من جباليا البلد شمال قطاع غزة، الخروج من منزله المحاصر في دبابات الاحتلال الإسرائيلي، حتى شرعت بقصف المنزل على من فيه بالقذائف المدفعية.

في ذلك اليوم، يوم 27 كانون الأول/ديسمبر 2023، اعتقل معاذ خضر، مع عدد من أفراد أسرته، وظل محتجزًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 7 أشهر، بدون أي اتهام أو محاكمة.

خلال فترة الاعتقال، تنقل الأسير الغزّي معاذ خضر، بحسب ما روى في لقاء خاص مع "الترا فلسطين"، بين معسكر اعتقال سديه تيمان، ومركز تحقيق الجلمة، وسجن عوفر، وكان شاهدًا على عذابات أسرى القطاع، وتحديدًا على استشهاد رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء الطبيب عدنان البرش.

أسير غزّي مفرج عنه: كنا نعامل معاملة خاصة نحن أسرى قطاع غزة، وأكثر شيء سيء كان هو الفراش والذي يتم سحبه منا بشكل يومي في سجن عوفر


  • عرفنا عن نفسك في البداية؟

معاذ إبراهيم رمضان خضر (40 عامًا) من جباليا البلد، متزوج ولدي أربعة أطفال، ولد و3 بنات، ومهندس حاسوب أعمل في الحكومة في غزة.

  • هل توضح لنا ما الذي جرى معك يوم الاعتقال؟

اعتقلت يوم 27 كانون الأول/ديسمبر، من منزلي، حيث أنني رفضت النزوح من منزلي، وبقيت ثابتًا في مناطق الشمال، ولكن بعد حصار المنزل لمدة 3 أيام، في اليوم الثالث، قاموا بقصف المنزل بالقذائف، ما أجبرنا على الخروج من المنزل.

وقام جنود الاحتلال باعتقالي مع شقيقي وأولاد عمي، فيما أمروا النساء والأطفال بالتوجه إلى مناطق غرب غزة.

وقتها، تم تجريدنا من ملابسنا، وتعرضنا لمعاملة قاسية، وتم احتجازنا في أحد المنازل لمدة 8 ساعات، وعند منتصف الليل تم اقتيادنا عبر دبابة إلى ما يعرف بمعسكر "سديه تيمان".

  • كيف كانت ظروف الاعتقال في معسكر "سديه تيمان"؟

نقلنا إلى معسكر "سديه تيمان"، وبقيت فيه 8 أيام، وخلالها حُقق معي لمرة واحدة. كان الوضع فيه سيء جدًا إلى أبعد الحدود، تكون فيه مكبل اليدين ومعصوب العينين على مدار الساعة، ويجب أن تجلس على ركبتيك طوال اليوم، وفترة النوم من الساعة 11 ليلًا حتى الساعة 5 فجرًا، إذ يسمح لك فيها بالنوم على جانبك، وأنت مقيد اليدين ومعصوب العينين.

الأكل سيء، كان يقدمه أسير منا يُتقن اللغة العبرية يسمى "شاويش"، ويقدم لكل أسير 3 قطع من خبز التوست فقط، ومعها ملعقة جبنة عند الإفطار، وملعقة جبنة عند العشاء، أما على الغداء ملعقة تونا، وأحيانًا تفاحة أو خيارة.

وهذه الوجبة لم تكن كافية، وكانت فقط لإبقاء الأسير على قيد الحياة، حيث أنني دخلت السجن وزني 80 كغم، وخرجت منه وزني أقل من 50 كغم.

  • هل تروي لنا تفاصيل أكثر عن "سديه تيمان"، أو تصف المكان لنا؟

هو عبارة عن بركسات حديد، أرضيتها من الأسفلت مقسمة إلى عدة أقسام، كل قسم ما يقارب 300 متر مقسوم إلى نصفين حوالي 150 مترًا، يكون فيها حوالي 100 أسير مكبلي الأيدي ومعصوبي العينين، وطوال الوقت تجلس على ركبك، على قطعة مطاط عبارة عن سم واحد فقط، بالتالي تكون ركبك على الأسفلت طوال الوقت.

  • هل كنت شاهدًا على تعرض الأسرى في "سديه تيمان" للتعذيب والاعتداء الجنسي؟

لم أشاهد أي اعتداء جنسي، ولكن الضرب والتحقيق موجود خلال التحقيق.

  • هل تحدثنا أكثر عن فترة التحقيق والتي كانت الأطوال خلال الاعتقال؟

تم نقلي إلى مركز تحقيق "كيشون" في حيفا المعروف أيضًا باسم "الجلمة"، من تاريخ 4 كانون الثاني/يناير، وحتى تاريخ 18 نيسان/أبريل.

الوضع سيء جدًا في هذه المرحلة، وطوال 106 أيام لم أشاهد الشمس إطلاقًا وكنت معزولاً تمامًا عن العالم، ولا أعرف الليل من النهار، من بينها 20 يومًا في زنزانة انفرادية، لم أشاهد خلالها أي أحد أو أتحدث مع أحد.

الطعام كان أسوأ من "سديه تيمان"، في الصباح يقدم ملعقة واحدة من الزبادي أو "الشمينت"، مع 3 قطع خبز وربع خيارة، الغداء سيء جدًا، ملعقتين أرز مع ملعقتين عدس أو فاصولياء، أما اللحم يقدم يوم السبت، في قطعة "شنيتزل" صغيرة فقط.

  • كيف كانت طبيعة التحقيق، وإن تعرضت للضرب أو لظروف قاسية؟

لم أتعرض للضرب، فلم يكن علي اتهامات كبيرة، وجلسات التحقيق كانت تتواصل إلى 5 ساعات، ولكن قابلت شبانًا في زنازين التحقيق تعرضوا للضرب الشديد، وجلسات تحقيق طويلة، وتم عرضهم على جهاز كشف الكذب.

كنت استمع إلى صراخ وبكاء الأسرى الذين يتعرضون للتعذيب، خلال الأيام التي تواجدت فيها في مركز التحقيق.

  • بعد فترة التحقيق، أين تم نقلك؟

نقلت إلى سجن عوفر يوم 18 نيسان/أبريل، إلى قسم 23 حتى تم الإفراج عني في 1 تموز/يوليو.

عند الدخول إلى سجن عوفر، يتم أخذ البيانات، ومن ثم تسير في ممر معدني أو "حلابة" مسافة لا تقل عن 300 متر، وداخل هذه "الحلابة" تكون معصوب العينين ومكبل اليدين والرجلين، وطوال السير تتعرض لضرب شديد ومبرح وتسيل منك الدماء، حتى تصل إلى قفص السجن، وتجلس على الأرض، ومن ثم تنقل للغرف.

  • كنت شاهدًا على استشهاد الطبيب عدنان البرش في سجن عوفر، لو تروي لنا التفاصيل؟

نعم، كنت شاهدًا على استشهاد الدكتور عدنان البرش، حيث أنه مر بنفس هذا الممر وتعرض للضرب الشديد فيه، وذلك يوم الجمعة بتاريخ 19 نيسان/أبريل.

كنت أنا في غرفة رقم واحد، وأشاهد قفص السجانين بشكل كامل، ولدى وصول الدكتور عدنان البرش إلى قفص السجانين، وبينما كان يجلس على الأرض لفك القيود عن رجليه، كان رأسه قريبًا من الأرض، فقام أحد سجانين بسحب القيود قبل فكها جيدًا من قدميه، أي أنه قام بعرقلته فارتطم رأسه بالأرض بشكل قوي، وقد يكون تعرض لنزيف داخلي في ذلك الوقت.

بعدها حاول الدكتور عدنان الوقوف لكنه سقط أرضًا، ثم حاول الوقوف مرة جديدة ولم يتمكن، فتم نقله إلى غرفة 16 في الطابق الثاني، وما إن وصل إليها حتى سمعنا أصوات تكبير الشبان، والصراخ طلبًا لحضور الطبيب أو الممرض.

السجانون صعدوا إلى غرفة 16، وعلى الفور حضر الطبيب والإسعاف، ولكن كان قد فارق الحياة واستشهد، قد يكون بسبب جلطة أو نزيف في الدماغ.

  • كيف كانت الظروف في سجن عوفر؟

كنا نعامل معاملة خاصة نحن أسرى قطاع غزة، وأكثر شيء سيء كان هو الفراش والذي يتم سحبه منا بشكل يومي، حيث يوزع الفراش عند الساعة 7 أو 8 مساءً، ويتم سحبه عند الساعة 5 فجرًا، وخلال هذه الفترة من لحظة توزيع الفراش حتى سحبه، يقوم عناصر مصلحة السجون الإسرائيلي، بالمرور ما لا يقل عن 8 مرات للعدد، من أجل حرمان الأسير من النوم.

بالتالي، كنا نجلس على الفراش، حتى تخرج الدمامل من الجسم على الفراش، وليس على الباطون والحديد.

  • كيف يقضي الأسير بقية اليوم في عوفر بعد سحب الفراش منكم؟

طوال اليوم نجلس على الباطون وعلى أسرة الحديد، ونخرج للساحة فقط 10 دقائق للاستحمام، ولا توجد فورة.

أما الأكل فهو نفس مركز التحقيق، حيث يتم تقديم ملعقة زبادي أو "شمينت" مع 3 قطع خبز وربع خيارة على الفطور والعشاء، وعلى الغداء ملعقتين أرز أو فاصولياء أو عدس.

  • هل تذكر واحدة من مشاهد التعذيب في سجون عوفر؟

السجانون في بعض الأحيان، كانوا يجبرون الأسير على العواء وتقليد الكلب أو المواء وتقليد القطط. كما كنا نتعرض لتفتيش دقيق للغرف يومي الأحد والخميس، وخلال الخروج للتفتيش كنا نتعرض للضرب.

وفي التفتيش يتم البحث في الزنزانة عن أي شيء غريب، وهذا أمر مستغرب، من أين لنا أن ندخل أي شيء وقد تم اعتقالنا عراة؟ ولكن المهم أن يتم تفتيش الزنزانة، وأن تتعرض للضرب خلال الخروج والدخول.

  • ما هي طبيعة الضرب بالتحديد؟

أنا، ضربت بوكسات [قبضات اليد] وكفوف [صفع] وبالعصي وبالحديد على رجلي وسالت الدماء منها، وبعض الأسرى كسرت رؤوسهم، وبعد يوم من النزيف تم نقلهم ووضع غرز في الرأس وخياطة الجرح.

  • هل كان يقدم العلاج للأسرى؟

من يتعرض للإصابة لا ينقل للمشافي أو المراكز الصحية، وإنما يحضر ممرض إلى السجن ليقدم الإسعافات الأولية فقط، وفقط للأمراض المزمنة التي يتم منحها الحد الأدنى من العلاج، أما أن تتطلب مضاد حيوي أو أكمول [مُسكن] فهو أمر ممنوع.

  • اعتقلت خلال فصل الشتاء وعشته داخل السجن، وخرجت من السجن في الصيف، لو تحدثنا عن هذا الجانب.

خلال الشتاء كنت طوال الوقت في زنازين التحقيق، وفي الزنزانة يوجد جهاز تكييف يبقى يعمل طوال الساعة ويضخ الهواء البارد طوال الوقت، ولا يوجد معك سوى الجاكيت [سترة]، الذي يجب أن ترتديه طوال الوقت.

في عوفر، مررت بأيام صعبة في شهر نيسان/أبريل، حيث تنخفض درجات الحرارة خلال الليل وعند الفجر وكنا نعاني من برد شديد. أما في فصل الصيف هناك حرارة مرتفعة في داخل الغرف ولا توجد مراوح تهوية.

  • كيف كان يوم الإفراج عنك؟

في يوم 30 حزيران/يونيو وبعد صلاة العصر، تم نقلي من السجن وقد توقعت بأنني عائد إلى التحقيق، وقمت بالتوقيع على أوراق لا أعرف ماذا كتب فيها، وبقيت في البوسطة في سجن عوفر حتى الفجر، ومن ثم نقلت إلى معسكر "سديه تيمان" ومن ثم نقلت في حافلة مع 50 أسيرًا.

قام عناصر الاحتلال بطلب النزول من الباص، ومن ثم قاموا بفك قيودنا في منطقة جرداء، وقالوا لنا إنه علينا السير باتجاه مُعين، حتى الوصول إلى دير البلح.

  • هل توقعت في يوم من الأيام بأنك قد تستشهد ولن تعود إلى أسرتك؟

بالطبع، وبشكل خاص في بركسات [براكيات] "سديه تيمان"، كانت تمر لحظات نتوقع بأنني قد أموت واستشهد جراء هذه الظروف.