أفردت وسائل إعلام عبرية مساحة واسعة لتحليل الهجوم الذي نفّذه الشهيد خيري علقم في القدس المحتلة مساء السبت، ووصفه المراسلون الإسرائيليون بـ "الهجوم القاسي" و"الدموي".
عمليات "الجيل الجديد من الذئاب المنفردة"، تطلّبت منهم الحصول على سلاح، وإجراء تدريبات، واختيار أهداف، وإخفاء النوايا، وفي كل تلك المراحل نجح عدد منهم، وسددوا ضربات موجعة
النتيجة الصعبة التي حققها الشاب علقم، بمسدّسه، كانت ثمرة لحرصه على تحقيق عنصر المفاجأة، فقوات الشرطة الإسرائيلية و"حرس الحدود" كانت مستنفرة في مناطق التماس بالقدس، لكنّ "الذئب المنفرد" اختار خاصرة رخوة لضربها، وهي مستوطنة "نفيه يعقوب" البعيدة عن بؤر الاحتكاك التقليدية، وعن الانتشار الأمني المكثّف.
"انتفاضة المنفردين" أو "الذئاب المنفردة"، كما يُطلق عليها إسرائيليًا، بلغت ذروتها نهاية 2014 في القدس المحتلة، واستمرت حتى 2015، واتّسمت في العموم أن المنفذين لم يستخدموا السلاح الناري مسبقًا، واستهدفوا في الغالب عسكريين أو تواجدوا في مناطق تشهد انتشارًا أمنيًا مكثّفًا، ولم تتطلب تدريبات خاصة.
الجيل الثاني من المنفردين، اتّسمت عملياتهم بالإعداد المسبق، والرصد الدقيق للأهداف، والحصول على سلاح، وإتقان استخدامه
ووفقًا لمحللين إسرائيليين، ومسؤولي أمن فإنّ الصبية اليافعين الذين كانوا يتابعون عمليات الدهس والطعن في القدس بين 2014 إلى 2015، صاروا اليوم الجيل الثاني من المنفردين، بدءًا من عدي التميمي منفّذ عملية "حاجز شعفاط"، واتّسمت عملياتهم بالإعداد المسبق، والرصد الدقيق للأهداف، والحصول على سلاح ناري أو متفجرات، وإتقان استخدامها، كما حدث في عملية التفجير المزدوجة بالقدس.
التحليل النفسي الذي أجرته أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لمضمون الصفحات الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي لـ "الجيل الأولى من المنفردين في القدس"، أظهر خصائص مختلفة قد تشير إلى نية أولئك الشبان تنفيذ هجمات فردية، فبدأت أجهزة المخابرات بمراقبة شبكات التواصل بوسائل مختلفة لمحاولة التعرف على "المنفردين" قبل انطلاقهم نحو التنفيذ.
ضابط كبير في جهاز "الشاباك"، أكد للإذاعة العبرية العامة أثناء تعليقه على الهجوم أنّ "مجسّات الاستشعار"، عجزت عن رصد نوايا منفذي عمليات حاجز شعفاط وعملية التفجير المزدوجة وعملية "نيفيه يعقوب" فهم لم يتركوا ما يشير لنواياهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن ما تجاهله الضابط السابق في "الشاباك" هو أن عمليات "الجيل الجديد من المنفردين في القدس"، تطلّبت منهم الحصول على سلاح أو متفجرات، وإجراء تدريبات واختيار أهداف، وإخفاء نواياهم، وفي كل تلك المراحل نجح عدد من المنفردين، وأخفقت الجهود الإسرائيلية المضادّة.
إذا كان عدي التميمي قد ضرب هدفًا مُحصّنًا، فإن خيري علقم أدمى الخاصرة الرخوة، ثم انقض على دورية مسلحة
أمّا المبدأ الأخطر بالنسبة للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية فيما يخص "عمليات المنفردين الناجحة" ما يصفونه بـ "الاقتداء أو التقليد أو الإلهام"، فإذا كان عدي التميمي قد ضرب هدفًا مُحصّنًا، فإن خيري علقم أدمى الخاصرة الرخوة، ثم انقض على دورية مسلحة، ليُدشّن بذلك مرحلة "الهجمات المتقنة والنتائج الأقسى".
وكتب المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية رون بن يشاي، أن الإجراء الوقائيّ لمنع مثل هذا النمط من العمليات أو التخفيف من شدة نتائجها، يتطلّب إشباع الميدان بالقوات الراجلة.
تجدر الإشارة إلى أنه وبعد حالة الارتباك المعتادة التي تعقب تنفيذ أي عملية في القدس أو داخل الخط الأخضر، تفتح وسائل الإعلام العبرية المجال لشهود العيان للثناء على عناصر الأمن والشرطة الذين حالت استجابتهم السريعة ومسارعتهم للاشتباك مع المهاجم "دون وقوع كارثة" كما تنص الجملة التي يتم تكررها في العادة. لكن في حالة الشّهيد خيري علقم، كانت الصورة معكوسة؛ فبعد تنفيذه العملية انطلق نحو الشرطة لضربها.
أحد شهود العيان الإسرائيليين وجّه انتقادات قاسية للشرطة بعد دقائق من الحادثة، إذ أكّد أثناء حديث مع إذاعة الجيش على الهواء مباشرة أنّ الشرطة وصلت مكان الهجوم في مستوطنة "نفيه يعقوب" بعد نحو 15 دقيقة من إبلاغه عن الحدث.
تضارب الروايات شهود العيان مع تصريحات المتحدثين باسم الشرطة الإسرائيلية كانت لافتة هذه المرّة، فالقائد العام لشرطة الاحتلال كوبي شبتاي، زعم أن البلاغ حول إطلاق النار وصل الشرطة في الساعة 20:14، وانتهت مطاردة مطلق النار عند 20:19. لكن مراسل الشؤون العسكرية لصحيفة "يديعوت أحرنوت" يؤآف زيتون، نفى صحة مزاعم شبتاي بشكل غير مباشر عندما أشار إلى أن الشاب خيري علقم وصل للمستوطنة بسيارته ثم ترجّل منها، واستهدف المارة في الشارع الذي يتواجد فيه الكنيس، وأصاب برصاصه 10 أشخاص ثم انسحب مستقلًا ذات السيارة، وعندما اقترب من قرية بيت حنينا، رأى حاجزًا مفاجئًا للشرطة، وبادر للاشتباك معهم.
القناة 12 الإسرائيلية أكدت أن خيري علقم، أفرغ -قبل انسحابه- مخزني رصاص من مسدسه في الشارع المستهدف، ونقلت عن الشرطي الذي اشتبك معه أنه أوقف سيارته وبادر بإطلاق النار نحوهم، وأنه وقع تبادل لإطلاق النار أصيب خلاله علقم ما أدى لانفلات المسدس منه، ورغم ذلك حاول استعادته ليواصل فتح النار.