15-أكتوبر-2022
بيوت رام الله القديمة

تتميّز مدينة رام الله التي يعود تأسيسها -وفقًا لعلماء الآثار- إلى القرن السادس عشر أثناء الحكم العثماني- بانتشار مئاتٍ من البيوت ذات الطابع التاريخي بفنّها المعماري المرتبط بالحاجة الاقتصادية والأمنية للمدينة التي كانت موطنًا لأحد صراعاتٍ قديمة.

احتفظت رام الله التاريخية بنمطٍ من عمارتها الفلاحية حتى 1927، حتى أتى زلزالٌ مدمّر سوّى غالبية الحجارة العملاقة لتلك المنازل بالأرض 

فقد احتفظت رام الله التاريخية بنمطٍ من عمارتها الفلاحية حتى 1927، حتى أتى زلزالٌ مدمّر سوّى غالبية الحجارة العملاقة لتلك المنازل بالأرض- كما يروي نظمي الجعبة وخلدون بشارة في موسوعتهما "رام الله عمارةٌ وتاريخ"، فيما بدأت المدينة تتخّذ نمطها المعماري المدني نتيجة التطور الاجتماعي لفكرة أهل المدينة عن المسكن واختفاء طابعها القرويّ تدريجيًا.

بيت قديم في رام الله بيت قديم في رام الله

ويرى الباحثان أن غياب التخطيط الشامل للمدينة؛ ساهم عبر أخطاء من الجهات الرسمية والفردية بتآكل روح المعمار القديم في رام الله؛ فعلى سبيل المثال، فإن إنشاء مبنى البنك العربي على أنقاض محطة الحافلات القديمة؛ عدا عن تحويل بعض تلك البيوت الأثرية إلى مقاهٍ ومطاعم، كانت بمثابة "معاول هدم" لتاريخ المدينة الآسر التي تضم حاليًا 300-400 منزلٍ أثري.

وبالعودة إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر؛ حين كان يسكن رام الله 2000 نسمة تقريبًا، فإن أغلب بيوت المدينة الأثرية كانت فلاحيةً من طابقٍ واحد ذي تقسيمة ثلاثية (بيت الراوية) -أي البيت الفلاحي- أو بيت العقد البسيط، التي التفّت جنبًا إلى جنب لتشكّل أحواشًا، مثل حوش دار قندح وحوش دار أبو إسحق وحوش العجلوني بحيّ مار جرجيس.

حوش دار العجلوني
حوش دار العجلوني
حوش

ومن الناحية المعمارية الهندسية، اتّصفت واجهات بيوت رام الله القديمة بالبساطة، حيث احتوت الواجهات المربّعة على بابٍ يُجاوره شبّاك يفتح على المستوى العلوي من البيت الفلاحي، فيما وُجدت طاقاتٌ مرتفعةٌ للتهوية في بيوتٍ أخرى.

بيت قديم في رام الله بيت قديم في رام الله

أما من الداخل، فكانت أغلبية جدران تلك البيوت تحتوي على حنياتٍ للخزين و"وجاق"- (موقد للطبخ)، فيما قُسّمت الفراغات بالجدران إلى خوابٍ لخزين مونة العام.

مضافة دار زهران وجغب
مضافة دار زهران وجغب

أما الحجر المستخدم في البناء آنذاك فكان "الطُبْزِة" و"المفلوق" و"المسمسم" و"الملطّش"، والذي ظهر في بيت جورج موسى ودار إبراهيم ودار زهران وجغب أمام موقف الباصات القديم شمالاً، فيما شذّت بيوت دار الحبش ودار قسّيس، -تُعرف حاليًا بمبنى المحكمة العثمانية أو الخان- عن العمارة المألوفة في تلك الفترة.

لكن مع بداية القرن العشرين، طرأت تغييرات أثرّت على رام الله معماريًا وتخطيطًا حضريًا. فأمّا البناء فقد غدا أكثر اتساعًا وتهذيبًا وظهر ما يُسمى بـ"الليوان"- وهي صالة تتوسط الدار وتُستخدم كغرفة معيشة، إضافةً إلى "الإيوان"- وهو فراغٌ محاط بجدران من ثلاث جهات وتفتح إحداها بقوس كبير على الليوان.

كانت الفترة من 1911-1920، بمثابة إشارةٍ لتوقّف حركة البناء المعماري القديم لرام الله مع اندلاع الحرب العالمية الأولى 

كانت الفترة من 1911-1920، بمثابة إشارةٍ لتوقّف حركة البناء المعماري القديم لرام الله مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وما رافقها من صعوبة الاتصالات التي حالت دون تمكين المغتربين القدامى للمدينة في القارتين الأمريكيتين من تحويل أموالهم لصالح البناء، وهو ما جمّد حركة الإعمار إلى مرحلة الصفر.
ومع توقُّف حركة المعمار القديم للمدينة منذ تلك الفترة؛ أضاف بعضٌ من أحفاد العائلات المالكة لدور رام الله الأثرية ما يُمكن وصفه بـ"حُقنة السم" الأخيرة، عبر تحويل ما بقي من تلك البيوت إلى مقاهٍ أو مطاعم لأهدافٍ ربحية، ليقضوا على عبق تلك الجدران والشبابيك التي ما زالت أحجارها تنفث تفاعل الرطوبة مع مساماتها.

فقد شهدت الأعوام الأخيرة تحويل دور قديمة في رام الله إلى مطاعم، يرى روّادها أنها بأسعارٍ فلكية.

ويقول عبد الرحمن عرمي (28 عامًا) لـ"ألترا فلسطين" وهو أحد نشطاء المدينة، إن تحويل البيت القديم إلى مطعم لن يُسهم في الحفاظ على هوية المكان مطلقًا، "فمن يزور المكان لن يفعل شيئًا سوى الإجهاز على وجبته وليس التعرف على أركان المكان".

ويُضيف عرمي: "لهذه البيوت خصوصية، فهي جزءٌ من التراث القديم لرام الله، وهذا التراث ملكيةٌ عامة ويشغل حيزّ من الفضاء الأثري المنتمي لكل البلاد وليس لعائلة محددة".

أما وجهة النظر الثانية، فترى أن حفظ تلك التحف المعمارية لرام الله يكون عبر قلبها إلى مزارٍ سياحيّ كمطعمٍ مثلًا. فقبل نحو عامين؛ عمد صاحب مطعم "بيت جدّي"- محمد أبو عواد إلى افتتاح مطعمه في البيرة، معتقدًا أن استغلال جزءٍ من الدار ليكون مقهىً "لن يخدش أصالة الدار التي بُنيت عام 1881".

وكان رجل الأعمال أسامة خلف سبق أبو عوّاد بهذه الفكرة، حينما استغلّ هدم أحد تلك الدور القديمة وجمع رخامها وأحجارها لافتتاح مطعمه في رام الله التحتا، مبررًا ذلك بأنه "قد يحفظ أثر وروح تلك الدار"، في مدينة زارها نحو 750 ألف سائح خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، بحسب وزارة السياحة.

وقبل أيام، عمدت بلدية رام الله إلى إنقاذ دارٍ قديمة بُنيت قبل 12 عقدًا في اللحظات الأخيرة قبل أن تُسوّيها جرافة مالكه بالأرض، وحوّلت المكان إلى فندقٍ صغير باسم "لوكندة فرح" المشيّد من الحجر الزهري، وفي عليّته الثالثة سقف قرميدي من الأحمر القاني ويضمّ 9 غرف بمرافقها، فيما احتلّ المطعم وقاعة استقبال من الدار التي تبلغ مساحته 500 متر مربع.

وتقول بلدية المدينة إن تحويل الدور القديمة إلى أماكن تجارية يخضع لضوابط معينة كعدم الإضرار الفيزيائي بجسم المبنى، فيما تسعى مستقبلًا إلى إلصاق بطاقاتٍ تعريفية على جدران تلك البيوت عن العائلات التي كانت تقطنها وفق معايير "اليونسكو".