04-أغسطس-2024
نجت الشيف هبة من غارة دمرت منزل ذويها في خان يونس-أحلام حماد-الترا فلسطين

ترفض الشيف هبة الاستسلام وتصر على مقاومة الصعاب والتحديات-أحلام حماد-الترا فلسطين

انتفضت هبة الحلاق من تحت الركام، ونجت من استهداف إسرائيلي دمر منزل ذويها في حي الأمل بمدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة، وفقدت بسببه السيطرة على حركة جسدها لبضعة أشهر، قبل أن "تنتصر الإرادة" لديها وتعود للحياة من جديد بكل حيوية.

"الشيف هبة" هو اللقب المفضل لها، وبه يناديها كل من يعرفها، فهي عضوة في جمعية الطهاة الفلسطينية وواحدة من أشهر الطهاة وخبراء الطهي على المستوى المحلي في القطاع، وتقول لـ "الترا فلسطين": "عندما عدت للحركة والحياة بعد إصابتي، كان قراري الأول استئناف عملي في مجال الطهي، فهذا هو عشقي الأول".

تحلم هبة أن تشارك في فعاليات إقليمية ودولية للطهي، لتبرز اسم غزة وفلسطين بأطباق من التراث الوطني

كانت تجربة القصف والإصابة الأصعب في حياتها وتصفها بـ "اليوم الأسود"، وتتذكر بكثير من الألم تاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، عندما تعرّض منزل ملاصق لمنزل أسرتها لقصف إسرائيلي مباغت عند ساعات الفجر ومن دون إنذار أو تحذير، وتسبب في استشهاد زوج شقيقتها ونجليه، وإصابتها ووالدتها وشقيقتها.

قصف ونزوح

نجت هبة من هذا القصف بجروحٍ لم تصب جسدها وحسب، وإنما أصابت ذاكرتها وتغلغت في أعماقها، وتقول إن التجربة ستعيش معها ما تبقى في عمرها من سنوات، لكنها لن توقف مساعيها ورغبتها في الحياة، وهو ما سعت إليه بمجرد تعافيها.

ونتيجة الدمار الهائل الذي لحق بالمنزل جراء القصف، نزحت هبة وأسرتها إلى مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غرب مدينة خانيونس، وكابدت معاناة شديدة، حيث الازدحام الشديد، وتدني مستوى الخدمات، وعدم توفر أبسط مقومات الحياة.

تجد الشيف هبة نفسها وتحقق ذاتها وتتعالى على آلامها
تجد الشيف هبة نفسها وتحقق ذاتها وتتعالى على آلامها في عملها | الترا فلسطين | تصوير أحلام حماد

ومرة ثانية، اضطرت إلى النزوح نحو مدينة رفح المجاورة والمتاخمة للحدود مع مصر، ومكثت فيها شهورًا، نجحت خلالها في السيطرة على نفسها واستعادة حيويتها وصحتها ونشاطها، وعملت في "نادي جماعي رفح" في حي البرازيل جنوب شرقي المدينة، ضمن فريق من الطهاة يعد الطعام لتوزيعه على النازحين.

وما لبثت "الشيف هبة" أن وقعت عقدًا مع أونروا للعمل ضمن الفريق في مطبخ معبر كرم أبو سالم التجاري لإعداد الطعام لجميع الموظفين والعاملين في المعبر، وعن تجربتها، خلال فترة نزوحها في مدينة رفح، تقول هبة إنها ورغم النزوح إلا أن عودتها إلى الطبخ وممارسة هوايتها المفضلة خففت عنها كثيرًا من هذه المعاناة، لكن كان للاحتلال رأي آخر.

مطبخ على الأنقاض

في 6 أيّار/مايو الماضي، أنذرت قوات الاحتلال سكان المناطق الشرقية في مدينة رفح والنازحين فيها بإخلائها، وما هي إلا أيامًا معدودة حتى بدأت عملية عسكريّة بريّة موسعة اجتاحت فيها أرجاء المدينة، وعاثت فسادًا ودمارًا.

لم تنتظر هبة وقررت النزوح للمرة الثالثة عائدة إلى مدينتها خانيونس، ورأت في عودة الحياة لهذه المدينة المدمرة بفعل عملية عسكرية إسرائيلية بريّة استمرت 4 أشهر، فرصة للعودة لمجال الطبخ، وافتتحت مطعمًا في محل تجاري يعود لشقيقها، وقد تعرض لدمار جزئي كبير خلال الاجتياح الإسرائيلي. 

نجت الشيف هبة من غارة دمرت منزل ذويها في خان يونس-أحلام حماد-الترا فلسطين
نجت الشيف هبة من غارة دمرت منزل ذويها في خانيونس | أحلام حماد | الترا فلسطين

وأتت الفكرة عندما شاهدت هبة العودة الهائلة من سكان مدينة خانيونس للإقامة في منازلهم المدمرة، ولجأ للمدينة كذلك مئات آلاف النازحين، غالبيتهم من سكان مدينة رفح وممن كانوا نازحين فيها، وتقول: "يحتاج هذا العدد الهائل إلى مختلف أنواع الخدمات، بما فيها خدمة الطعام الجاهز، ولذلك قررت افتتاح المطعم".

واستصلحت هبة المحل وأزالت أكوام من الركام من داخله وأمامه، وخلال فترة قصيرة حققت نجاحًا ملفتًا، لكنه لم يدم طويلًا، إذ اضطرت إلى النزوح مجددًا نحو مواصي خانيونس، وأغلقت المطعم بدافع الخوف من أن تعود قوات الاحتلال لاجتياح المدينة. 

تقول هبة: "جئت هنا إلى المواصي، وافتتحت مطعمًا لاستمر في عملي، ولا أدري إن كنت سأعود للمطعم في وسط خانيونس قريبًا فالأوضاع صعبة وخطرة وليس هناك أمان"، وصمتت للحظات وهي تجول ببصرها في أرجاء المكان ثم أضافت: "عدم الاستقرار شعور مؤلم ولا يقل عن الإصابة بصاروخ أو قذيفة".

نجت الشيف هبة من غارة دمرت منزل ذويها في خان يونس-أحلام حماد-الترا فلسطين

معوقات وتحديات

"ليس سهلًا العمل بمنطقة مثل قطاع غزة، محاصرة وتتعرض لحرب مجنونة منذ 10 شهور"، تقول "الشيف هبة"، التي تكابد يوميًا في توفير احتياجات مطعمها من الخضار والفواكه واللحوم المتوفرة في الأسواق، وبما تسمح قوات الاحتلال بتوريده وبأسعار باهظة.

وبينما تمنع قوات الاحتلال تدفق شاحنات المساعدات الإنسانية المكدسة على الجانب المصري من معبر رفح البري منذ نحو ثلاثة أشهر، فإنها تسمح من حين إلى آخر بإدخال شاحنات للقطاع الخاص محملة بأصناف محددة من السلع والبضائع، بينها فواكه ولحوم حمراء وبيضاء مجمدة.

وتقول هبة إن حالة الأسواق غير مستقرة، وما هو متوفر اليوم ليس بالضرورة أن يتوفر غدًا، فضلًا عن الأسعار الجنونية، التي لا تناسب غالبية الناس في غزة ممن أنهكتهم الحرب وأفقدتهم أعمالهم ومصادر رزقهم، واستنزفت مدخراتهم.

وتنعكس حالة الأسواق على عمل "الشيف هبة" وما تقدمه لزبائن مطعمها، وكما كل الغزيين تأمل أن تتوقف الحرب وتعود إلى حياتها الطبيعية ولو تدريجيًا، وتحلم أن تشارك في فعاليات إقليمية ودولية للطهي، لتبرز اسم غزة وفلسطين بأطباق من التراث الوطني.