11-يونيو-2024
نازحون في رفح

عائلة أم عبد الله

لا خيمة تلوذ بها من أشعة الشمس الحارقة. تجلس أم عبد الله القايض بين أطفالها الجياع، حائرة، هل تبكي على المصير المجهول لنجلها الأكبر، أو على بناتها وأطفالها الذين ينامون منذ أيام في العراء، أو على جوعهم وعجزها عن توفير شيء ليأكلوه، حالها كحال آلاف العائلات التي نزحت مؤخرًا من رفح.

اشتدت موجة النزوح بعد سلسلة المجازر الأخيرة، التي قتل الاحتلال فيها النازحين قصفًا وحرقًا وهم نيام في خيامهم

وعلى وقع المجازر التي باتت تستهدف تجمعات الخيام، وبحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، فإن مليون نازح قد فرّوا من رفح، على إثر العملية الإسرائيلية هناك. 

واشتدت موجة النزوح بعد سلسلة المجازر الأخيرة، التي قتل الاحتلال فيها النازحين قصفًا وحرقًا وهم نيام في خيامهم، ما دفع من تبقى من النازحين في رفح إلى النجاة بأنفسهم، والخروج بأسرع وقت.

النازحون من رفح

أُجبرت أم عبد الله القايض على الفرار عندما وصلت الأحزمة الناريّة لمنطقة نزوحها المعروفة باسم الكراجات، ولم يبق أحد من النازحين هناك، إذ كانت ترفض المغادرة بعد فقدان ابنها عبد الله (22 عامًا) مع بداية الغارات المكثفة على رفح.

وقالت أم عبد الله والدموع تملأ عينيها، إن القصف الذي كان على بعد عشرات الأمتار من خيمتها حملها للهروب بأطفالها، بعد أن حاولت بكل الطرق العثور عن أي أخبار عن ابنها، الذي اختفى بتاريخ 14 أيار/ مايو 2024، حيث لم تترك مستشفى أو نقطة طبية إلا وزارتها، وبيدها صورة صغيرة له، ولكن لم يتعرف عليه أحد.

وأضافت في حديث لـ الترا فلسطين: "خرجنا في اليوم التالي للمجزرة، التي راح ضحيتها 100 شهيد في الخيام، لم نكن نحمل مالًا، ولكن أحد فاعلي الخير تكفل بنقلنا مجانًا، ولن نستطع جلب إلا بعض الأغطية والفراش، ووصلنا وبدأنا نتنقل من مكان لمكان، ونقضي ليالي في العراء، فلا خيمة معنا، ولا نعرف مكان يمكننا أن نجد فيه مساحة لنا".

وأوضحت أم عبد الله القايض، أن الحياة بدون خيمة أشبه بالجحيم، "فلا يمكن لشخص أن يبيت في الشارع ويعيش حياة التشرد، فكيف بأطفال وفتيات بالغات بدون خيمة تسترهم؟ ولا مكان لقضاء الحاجة، ولا حتى طعام أو شراب، سوى ما يتصدق به من يجاورونهم في كل محطة نزوح".

وتساءلت: "كيف للأطفال أن يناموا في العراء وهم يسمعون نباح الكلاب؟ وهم يتعرضون للدغات الحشرات؟ وكيف للفتيات أن يغمضن عيونهن في مكان لا يجدنّ فيه ما يسترهنّ؟ ما نعيشه هنا يناقض الفطرة البشرية، ومتطلبات الإنسان الأساسية للعيش".

نازحون من رفح

ويكتظ شارع صلاح الدين بالمركبات التي تقل النازحين القادمين من رفح تجاه منطقة "مواصي" خانيونس، ومخيمات المنطقة الوسطى.

واضطرت أعداد كبيرة من النازحين لمغادرة رفح مشيًا على الأقدام، وحمل أمتعتهم على ظهورهم؛ نتيجة عدم مقدرتهم توفير أجرة عربة نقل.

نازحون من رفح

وواجه النازحون مشاكل وعقبات جمة، في بحثهم عن مكان يبنون فيه خيامهم، حيث يتنقل النازحون غالبًا لأكثر من مكان، قبل أن يجدوا مكانًا يستقرون فيه لفترة من الزمن، مع اكتظاظ المدارس والمنشآت العامة ومحيط المستشفيات والنقاط الطبية، والأراضي الخالية.

ويتوجه النازحون لمناطق أكثر خطرًا، وأقل مناسبة للنزوح. ورصدت كاميرا الترا فلسطين، بناء النازحين خيامهم في الطرقات الرئيسية، وبعض الخيام بُنيت في الخط الترابي الضئيل الفاصل بين شقيّ شارع صلاح الدين، حيث تمر المركبات على مدار الساعة وشاحنات المساعدات، ما يشكّل خطرًا على من يقطنون فيها، خاصة أن تلك الطرقات كثرت فيها استهدافات الاحتلال لسيارات فلسطينيين، وكذلك تعرضها لقصف مدفعي بشكل متقطع.  

نازحون من رفحنازحون من رفح

ولجأت بعض العائلات لوضع خيامها في مناطق قريبة نسبيًا للحدود شرق دير البلح، ولكنها أزالتها مع إطلاق النار من قبل آليات الاحتلال. 

وقال النازح أبو أحمد حسونة، إنه قدم من رفح مع عائلته المكونة من 12 شخصًا، ووجد معاناة كبيرة في نقل الأمتعة والخيمة، وإيجاد مكان مناسب للإقامة. 

الرحلة مكلفة جدًا من رفح للمنطقة الوسطى، فاستئجار عربة متوسطة الحجم (نصف نقل) كلفني 4000 شيكل،  وهو مبلغ فلكي، ولكن الوقود أيضًا مرتفع الثمن

وأضاف في حديث لـ الترا فلسطين: "الرحلة مكلفة جدًا من رفح للمنطقة الوسطى، فاستئجار عربة متوسطة الحجم (نصف نقل) كلفني 4000 شيكل،  وهو مبلغ فلكي، ولكن الوقود أيضًا مرتفع الثمن، وعندما وصلت لدير البلح تنقلت 5 مرات، حتى انتهى بي المطاف في قرية الزوايدة".

وأوضح أبو أحمد أن عددًا من أبنائه اعتلوا مقدمة المركبة وهو أمر يعرضهم للخطر، ولكن لا مكان آخر لهم، ولا يستطيع أن يتحمل نقل أفراد العائلة والأمتعة على مرتين.

ولجأ نازحون لوضع خيامهم على شاطئ البحر، حيث بات الشاطئ المقابل للمنطقة الوسطى وخانيونس مليء بآلاف الخيام. وسبق لـ الترا فلسطين، أن سلّط الضوء على معاناة النازحين على شاطئ بحر دير البلح، حيث حصلت حوادث غرق لأطفال وهم نيام في خيامهم، أثناء تقدم أمواج البحر ليلًا. 

عدا عن تلوث البحر بمياه الصرف الصحي، بعد 8 أشهر من توقف محطات معالجة الصرف الصحي قبيل ضخه بالبحر، وتكرار إطلاق النار من الزوارق الحربية تجاه الشاطئ والخيام. 

وقال أبو محمد سرور إنه نزح من رفح عن طريق البحر، ولم يجد مكانًا متاحًا على الشاطئ سوى بالقرب من مضخات المياه العادمة، فوضع خيمته هناك.

وأضاف في حديث لـ الترا فلسطين: "نبتعد قدر المستطاع عن المضخات ونحضر من مياه البحر ما يكفي لاستخدام الحمام والجلي واستعمالات النظافة، ولكن هذه المياه تسبب الحساسية للأطفال ولا خيار آخر، ونمشي مسافة طويلة لإحضار المياه الصالحة للشرب".

وأوضح أن الخيام على البحر تكون رطبة جدًا وحارة وإن كانت مغلقة فتصبح رائحتها كريهة، وعلى الشاطئ هناك أسراب من الحشرات التي تلتصق بجسم الإنسان.

الخيام على البحر تكون رطبة جدًا وحارة وإن كانت مغلقة فتصبح رائحتها كريهة، وعلى الشاطئ هناك أسراب من الحشرات التي تلتصق بجسم الإنسان

وتابع: "الإقامة على البحر لا تشبه بأي حال من الأحوال نزه الاصطياف، فالشاطئ بات مكتظًا، ونسبة التلوث بالبحر زادت كثيرًا، ولا نملك أيّ من مقومات الحياة الكريمة، ولكن عندما نتذكر ما نجونا منه حتى الآن من قصف أحياء، يهون بعض الذي نعيشه". 

ورغم الاستهدافات الإسرائيلية المتصاعدة مؤخرًا للمدارس ومراكز النزوح، فإن أعدادًا كبيرة من النازحين يفضّلون نصب خيامهم في محيط هذه المدارس وفي الطرقات القريبة منها، ظنًا منهم أن هذه المناطق أكثر أمنًا.

ورصد الترا فلسطين اضطرار النازحين نصب خيامهم في مناطق ملاصقة لمكبّات النفايات وبرك الصرف الصحي، ما يشير إلى إمكانية زيادة الانتشار الهائل للأمراض، إذ تجاوزت الحالات بالأمراض المعدية الناجمة عن التلوث حاجز المليون إصابة، مع انهيار المنظومة الطبية. 

دلالات: