تعبّر الرواية الإسرائيليّة كما الرّواية عمومًا، عن اتجاهات ثقافية فكرية مختلفة في المجتمع الواحد، وهي إحدى وسائل إنتاج وإعادة إنتاج الذاكرة الجمعيَّة أحيانًا، وأحيانًا نقض هذه الذاكرة وإعادة ترميمها مرّة أخرى.
اخترنا 5 روايات إسرائيليّة مترجمة إلى العربيّة بعضُها يحكي قصّة "إسرائيل الأخلاقيّة"، وبعضها يفضح هذه القصة ويُعرّيها
وإسرائيليًا، تتنوّع اتجاهات الكتابة الروائية، من النوع الذي يسهم في نقض الرواية الرسميّة الصهيونيّة، إلى النّوع الذي يُهرع إلى ترميمها عندما يرى انهيارها وتفككها وانفضحاها، وإلى النّوع الذي يُعنى بمسائل الهوية في داخل المجتمع الإسرائيلي وتأثيرات الصراع العربي/ الإسرائيلي على مسألة الهويّة في إسرائيل.
1) خربة خزعة – يزهار سميلانسكي، ترجمة: توفيق فيّاض عن دار الكلمة في بيروت
أثارت الراوية ضجّة في الأوساط الإسرائيليّة، فرأى فِيها البعض انقلابًا على الوعي الصهيوني من خلال سرديّتها التي تنقضُ السردية الصهيونيّة عن "طهارة السّلاح" الصهيوني. إذ تسردُ الرواية وقائع تهجير قرية "خربة خزعة"، وتستندُ في ذلك إلى وقائع شارك في صناعتها الرّوائيّ نفسه، يزهار سميلانسكي، أثناء النكبة عندما كان ضابطًا في استخبارات فرقة الجيش المكلّفة بطرد سكّان القرى الفلسطينية بين المجدل وبيت حانون، وتنفيذ عمليات "تطهير" شاملة لهذه القرى.
وفي حديث صحفيّ بتاريخ 8 شباط/فبراير عام 1978 يُبيّن الروائيّ يزهار سميلانسكي أنّ الوحدات التي انتسب إليها آنذاك، زوِّدَت بأمرٍ قتاليٍ واضح وصريح ينصُّ على قتل كلّ من يُشتبه به من الأهالي وطردِ من تبقّى منهم من قراهم ومنعهم من العودة إليها عن طريق هدم بيوتهم وحرقها، وهي المهمّة التي تكفّل بها سلاح الهندسة الصهيوني. وفي هذا السّياق، فإن الرواية هي قصّة رمزيّة ترمزُ لكلّ القُرى الفلسطينيّة التي تمّ هدمها وتشريد وقتل أهلها أثناء النّكبة على يد العصابات الصهيونيّة.
2) أراض للتنزه، عوز شيلاح، ترجمة: عبد الرحيم الشيخ، عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، رام الله.
كتبت الرّواية باللغة الإنجليزيّة، وقد اختار المؤلِّف عوز شيلاح، والذي يُقيم في باريس بعدما غادر إسرائيل عام 1998، اختار كتابة الرواية بالإنجليزيّة لأنه اعتبر العبريّة لغة استعماريّة أيديولوجيّة، وتعبِّر عن مشروع استعماريّ، وهو المشروع الصهيوني في فلسطين والذي كرّس الكاتب مؤلَّفه بكل سطر منه لنقضه وفَضح ممارساته الاستعماريّة للتاريخ والمكان وتعرية السّردية الصهيونية عن "المكان" الفلسطيني.
كتبت الرواية عن طريق شذراتٍ قصيرة تبلغُ 57 شذرة، في كلٍّ منها، كتبت قصّة بالغة الرّمزيّة، تعرضُ مشهدًا من مشاهد استعمار المكان، واستعارتها الأولى والجامعة: هي أراضِي للتنزّه فَوقَ مهجَّرة ومدمَّرة، في محاولة لإعادة كتابة ذاكرة المكان الفلسطينيّ، ورسمِ ملامحه وفقًا للغاية الاستعماريّة الصهيونيّة.
ومن خلال تلك الشذرات والقصص المكثّفة، يعرضُ شيلاح عددًا من المشاهد التي يُعلِّقُ عليها المترجم عبد الرحيم الشّيخ ويعقّب عليها في النصف الثاني من الكتاب مُفسرًّا ما حاول شيلاح تكثيفه في قصصه الرمزيّة.
3) الطريق إلى عين حارود، عاموس كينان - ترجمة: أنطوان شلحت في مجلّة الكرمل عدد (13) عام 1984
تنتمي الرّواية إلى ما يُعرف بـ"أدب النهايات أو الأدب "الكابوسي"، أي الأدب الذي تجري أحداثه ضمن ظروف استثنائيّة مُتخيَّلة غالبًا ما تتعلّق بنهايات مُتخيَّلة للعالم أو لدول بعينها.
يستشرفُ كينان في هذه الرواية رؤية سوداويّة لمستقبل "إسرائيل"، فتجري أحداث الرّواية في "إسرائيل" تحت حُكمٍ عسكريّ مُباشرٍ، وفي حالةٍ من الفوضى والغليان بعد انقِلابٍ عسكريّ نفّذه جنرالاتٌ يتصارعون بين بعضهم البعض انطلاقًا من رؤى وأيديولوجيّات دينيّة وعلمانيّة متناقضة ومتصارعة.
يُركّز كينان على شخصيّة روايته الأولى، اليهوديّ الهارِب إلى "عين حارود"، أي المنطقة المتخيّلة في الرواية حيثُ يستطيع النجاة من حالة الدّمار التي تعيشها البلاد، ولكَي يصل إلى عين حارود، فعليه أن يجد عربيًا يُساعده على الوصول، فمن دون العربيّ لن يستطيع فعل ذلك، فالعربيُّ كما ترى الشخصيّة الرئيسيّة يعرفُ البلاد ويعرفُ كيف يستطيع الوصول إلى حيثُ لا يستطيع اليهوديّ الوافدُ الجديد إلَيها.
الرّواية رمزيًا كُتبت بعد صعود اليمين إلى إسرائيل، وهي تنقدُ الاحتلال الإسرائيليّ للضفّة الغربيّة وقطاع غزّة وحالة الحكم العسكريّ التي كانت سائدة آنذاك، وهي أيضًا، تحذير أدبي روائي خيالي من تحكُّم اليَمين الصهيوني بمصير المشروع الصهيوني الذي يراه الكاتب على نحوٍ مغاير لما يراه عليه اليمين، أي يراه مشروعًا أخلاقيًا يجبُ أن يُحافظ على أخلاقيّته الأولى وألّا يغرق في مستنقع الاحتلال في الضفة وغزة.
4) فيكتوريا، سامي ميخائيل، عن منشورات الجمل 2005
سامي ميخائيل، كاتب يهودي عراقيّ عربيّ إسرائيلي، وفي هذه الهويّات الأربع، التي تبدو متنافرة ومتلاحمة ومتصارعة فيما بينها، يقَع عالم ميخائيل الرّوائيّ وهمومه الأدبيّة والفكريّة، فهو يعرِّف ذاته بأنّه غير صهيونيّ ويدعو إلى "فيدراليّة" تضمُّ الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد أثارت رواياته جدلًا دائمًا في الأوساط الإسرائيليّة.
تؤرّخ الرواية لحياة أجيالٍ ثلاثة لعائلة تعيش في الحيّ اليهودي في بغداد، وهي أقربُ إلى سيرة حياة عائليّة، تروي حياة الأجداد والأحفاد، وتستعرضُ تاريخًا حافلًا بالعادات والأساطير والمعتقدات والخرافات، وتبحثُ في تاريخ اليهود في بغداد، في عودة رمزيّة إلى المدينة بعد سنوات على الهجرة والعيش في إسرائيل.
تزعزع الرواية المقولات الجاهزة عن اليهود الشرقيين وماضيهم العربي/ العراقي/ الشرقي من جهة، وحاضرهم في إسرائيل كيهود شرقيين من جهة أخرى، هويّاتيًا وسياسيًا واجتماعيًا.
5) قصة عن الحب والظلام، عاموس عوز – عن منشورات الجمل 2010
زعزعت الانتفاضة الثانية اعتقاد الإسرائيليين بإمكانية التوصل إلى حل نهائيّ للصراع العربي الإسرائيلي/ الفلسطيني، وسبقَت الانتفاضة مرحلة اتّسمت بموجة من التفكيك وإعادة كتابة التّاريخ والنّبشْ والنّقض في الرّواية الصهيونيّة الرسميَّة لتاريخ استعمار البلاد واحتلالها وطرد أهلها، عن طريق عدد من المفكِّرين الإسرائيليين أمثال بني موريس وإيلان بابّيه الذين أسهَموا في إحداث شرخٍ هائلٍ في الرّواية الصهيونيّة عن قضيّة اللاجئين وطَرد الفلسطينيين للبلاد.
حدث هذا كلّه، فجاءت رواية عوز "قصة عن الحب والظلام"، لكي تُعيد ترميم ما تبقّى من هويّة إسرائيليّة خائفة ومتزعزعة وتنحو نحو الفاشية والوحشية، ولتعيد صياغة الحقّ الصهيوني عن طريق تبرير الحاضر بالماضي.
الرواية تقتربُ من السيرة الذاتيّة، إلّا أنّها توسِّعُ الذاكرة "الشخصيّة" و"الإسرائيليّة" في آن، عن طريق المُتخيَّل وتكثيفه بالتفاصيل والرُّموز والسياقات والانعطافات. الرواية هي الأضخم لعوز، إذ تبلغ عدد صفحاتها 765 صفحة، وهي تروي حكاية التأسيس لدولة "إسرائيل" من خلال تتبع أحداث حياة عائلة إسرائيليّة هاربة من أوروبا النّازية إلى إسرائيل، التي تُشكّل في نظر الكاتب "نقطة اللاعودة" في تاريخ اليهود وفي تاريخ نفسها.
تمّ تحويل الرّواية إلى فيلم سينمائي من إخراج وبطولة نتالي بورتمان عام 2015.