الترا فلسطين | فريق التحرير
حظي موقع "تل السلطان" الأثري في أريحا القديمة، الذي يؤرّخ لأوّل استقرار بشري، ويحوي أقدم مدينة محصّنة في العالم، بمكانة بين مواقع التراث العالمي بعد أن أضافته اليونسكو لقائمتها التي تضمّ نحو ألف معلم تتوزّع على 157 دولة، ليصبح خامس موقع مُسجّل في فلسطين لدى اليونسكو، ويُضاف إليه مواقع سجّلتها "إسرائيل" دولة الاحتلال.
5 مواقع فلسطينيّة مسجلة لدى اليونسكو على لائحة التراث العالمي، يضاف إليها مواقع تمكّن الاحتلال من تسجيلها
وأضافت لجنة التراث العالمي التابعة لـ اليونسكو، سابقًا ثلاثة مواقع تراثية فلسطينية على قائمة التراث العالمي بعد اعتراف المنظمة بعضوية فلسطين الكاملة في 31 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011، فيما سجلت الأردن، البلدة القديمة في القدس وأسوارها على لائحة التراث العالمي عام 1981.
وتضع اليونسكو 10 معايير يجب أن يستوفي الموقع المرشّح واحدًا منها على الأقل، لإدراجه في قائمتها العالمية للتراث الثقافي. وتجتمع لجنة التراث العالمي مرة كل سنة لتحديد إمكانية تسجيل كل الممتلكات المرشحة على قائمة التراث العالمي، وأحيانا يؤجل هذا القرار لطلب المزيد من المعلومات من البلد الذي رشّح الموقع.
ومن بين المعايير أن يعرض الموقع أو يدل على تبادل القيم الإنسانية على مدى فترة زمنية أو داخل منطقة، أو أن يعرض التطورات في الهندسة المعمارية أو الفنون أو الآثار، كما يجب أن يعرض الموقع المراد إدراجه على لائحة التراث العالمي تخطيطًا مميزًا للمدينة أو الموقع، وأن يعكس ثقافة منطقة أو ثقافة حضارة كانت موجودة، وأن يكون على ارتباط مباشر ببعض الأحداث أو التقاليد التي تعرض الأفكار أو المعتقدات أو الأعمال الفنية والأدبية.
فيما يلي يقدّم "الترا فلسطين" تعريفًا عن المواقع الفلسطينية الخمسة المضافة لقائمة اليونسكو للتراث العالمي:
أولًا: القدس القديمة وأسوارها (1981)
القدس، واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، وتحظى بمكانة مقدّسة لدى أتباع الديانات السماوية الثلاث. أظهرت الحفريات الأثرية أن تاريخ المدينة بدأ منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، والمُجسد في العديدة من معالمها التاريخية وأماكنها المقدّسة التي تزيد عن 220، مثل حارات وأسواق وأسوار المدينة العتيقة وبواباتها، والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة.
يشير تاريخ المدينة إلى حضارات نمت وازدهرت منذ العصور البرونزية والحديدية، والفترة اليونانية والرومانية والبيزنطية والإفرنجية، والأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية.
وأدرجت اليونسكو مدينة القدس القديمة وأسوارها على لائحة التراث العالمي عام 1981، من قبل الأردن، وفي العام التالي 1982 تم إدراجها على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر.
ثانيًا: مكان ولادة السيد المسيح: كنيسة المهد وطريق الحجاج في بيت لحم (2012)
كنيسة المهد ومسار الحجاج، ثاني موقع في فلسطين يتم إدراجه على قائمة التراث العالمي، وذلك خلال اجتماع لجنة التراث العالمي في سانت بطرسبرغ -2012. ولكنيسة المهد ومسار الحجاج قيمة استثنائية لارتباطهما بمكان ولادة السيد المسيح.
بنيت كنيسة المهد عام 339، وقد حافظ البناء الذي أعيد تشييده في القرن السادس بعد الحريق الذي أصاب الكنيسة، على بقايا الفسيفساء الأصلية على الأرض. ويشمل الموقع على كنائس وأديرة، يونانية ولاتينية وأرثوذوكسية وفرنسيسكان وأرمن، وكذلك أجراسًا وحدائق متنوعة على طول طريق الحجاج.
وتُعد كنيسة المهد مثالًا مميّزًا لنمط عمارة الكنيسة المبكرة خلال القرنين الرابع والسادس الميلاديين، وذلك بعد تحول الإمبراطورية الرومانية إلى الديانة المسيحية. ويُظهر النمط المعماري للكنيسة قوة وتأثير المسيحية خلال الفترة الصليبية وتأثيراتها على عمارة وزخرفة الكنيسة وعلى الممارسات الدينية والروحية فيها، وعلى الأديرة الثلاثة الرئيسة التي أقيمت في محيطها مشكِّلة رمزًا دينيًا وروحيًا لأكثر من ملياري مسيحي في العالم.
وأدرج الموقع على لائحة التراث العالمي بسبب الخطر الناتج عن تسرّب المياه في سقف الكنيسة، ما شكّل تهديدًا لسلامته. لكن في عام 2019، جرى إخراج الموقع من "قائمة التراث العالمي تحت الخطر" بعد إنجاز كافة أعمال الترميم للكنيسة وإزالة الخطر الذي كان يهددها.
ثالثًا: بلد الزيتون والكرمة؛ منظر ثقافي في جنوب القدس - بتير (2014)
يقع المشهد الثقافي لمدرجات جنوب القدس على بعد 7 كيلومترات جنوب غرب القدس المحتلة، ويمتد على طول سلسلة من الوديان تبدأ من وادي المخرور غرب مدينة بيت جالا باتجاه قرية حوسان، ويحيط بقرية بتير.
وتعتبر هذه المدرجات جزءًا من المشهد الثقافي لمرتفعات فلسطين الوسطى الممتدة من نابلس في الشمال إلى الخليل في الجنوب، وتمثّل شاهدًا ماديًا على تفاعل الإنسان مع الطبيعة، وتأثيره في تشكيل مشهدها وتطويعه لخدمته منذ آلاف السنين وحتى هذه الأيام.
ويشتمل الموقع على ممرّات مشاة تقليدية، يستخدمها المزارعون من سكان بتير وحوسان وبيت جالا للتنقل في أراضيهم، وعلى العديد من المستوطنات البشرية القديمة، التي تطورت حول الينابيع الكثيرة التي تنتشر في المنحدرات الجبلية.
وقد ساهمت هذه المواقع التي يعود الكثير منها إلى العصور البرونزية (الألف الرابع قبل الميلاد)، في إنشاء مشهد ثقافي فريد، يتكون من مدرجات زراعية مدعومة بجدران من الحجارة الجافة، وأبراج مراقبة زراعية (مناطير أو قصور)، ومعاصر زيت الزيتون، وبرك ريّ قديمة تجمع المياه المتدفقة من الينابيع، وقنوات الري القديمة وغيرها من (الخِرب).
وجرى تسجيل موقع "فلسطين: أرض الزيتون والعنب. المشهد الثقافي لمدرجات جنوبي القدس، بتير" على لائحة التراث العالمي في عام 2014، وعلى لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر في نفس العام، بعد أن تم إدراك أن المشهد الثقافي كان مهددًا بصورة كبيرة بسبب التحولات الجيوسياسية والاجتماعية والثقافية، مع إمكانية التسبب بإضرار لأصالة الموقع وسلامته بصورة لا يمكن إصلاحها، وذلك بعد بناء الاحتلال جدارًا يعزل المزارعين عن حقولهم.
وتتجلى الأهمية العالمية الاستثنائية للموقع في عمارة السناسل الحجرية الجافة للمدرجات الزراعية، باعتبار ذلك نموذجًا بارزًا لتطوّر المشهد الثقافي للمستعمرات البشرية القريبة من مصادر المياه، وتحويل الأراضي الوعرة إلى أراض زراعية منتجة.
ويعدُّ نظام الريّ التقليدي لهذه المدرجات شاهدًا على تطوير خبرات تكنولوجية زراعية مميزة ساهمت في تكوين المشهد الثقافي لهذه المنطقة، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ منه.
رابعًا: الخليل/ البلدة القديمة (2017)
يمتد تاريخ الخليل إلى نحو ستة آلاف عام، وهي واحدة من أقدم المدن التي ما تزال مأهولة في العالم. كانت المدينة القديمة تقوم على تل الرميدة الأثري حتى بداية الفترة الإسلاميَّة، وعُرفت بأسماء متعددة، ويعتبر الحرم الإبراهيميّ واحدًا من أهم معالمها الحضارية، والذي منحها مكانتها المميزة، وجعلها مقصدًا دينيًا للمؤمنين والرحالة العرب والأجانب الذين أفاضوا في الحديث عنها وعن معالمها. وتقف المدينة التاريخيَّة بهندستها المعماريَّة، المملوكيَّة والعثمانيَّة، شاهدًا على حيويَّة المدينة.
توسعت المدينة القديمة في الوادي المحيط بالحرم الإبراهيمي، وهو مثال بارز للهندسة المعمارية ويوضح مراحل مهمة في تاريخ البشرية وهو أحد العناصر الرئيسية التي شكلت مدينة الخليل القديمة. كانت التقاليد والمعتقدات الدينية والروحية هي أساس الطابع الثقافي للمدينة لعدة قرون. كما يعد موقع المدينة على أحد الطرق التجارية الرئيسية في المنطقة عاملاً هامًا آخر أثر على خصائص المدينة. كما يوجد العديد من المعالم المميزة داخل حدود البلدة القديمة، بما في ذلك الأحواش السكنية والأسواق والخانات والزاويا والمقامات والتكية والحمامات.
وشكلت القيم والتقاليد الثقافية المستلهمة من حسن الضيافة والكرم للنبي إبراهيم كما يُعتقد، مقوِّمًا أساسيًا لهذه المدينة. بالإضافة إلى ما يشكّله نمط البناء والأسلوب الهندسي المعماري المميز، إذ يعود التخطيط الحضري القائم للمدينة إلى الفترة المملوكية مع بعض الإضافات العثمانية خاصة في الطبقات العلوية وبعض البيوت المنفردة.
وقد أدرجت "الخليل، البلدة القديمة" على لائحة التراث العالمي وعلى لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر عام 2017.
خامسًا: أريحا القديمة/ تل السلطان (2023)
يمتلك موقع تل السلطان استراتيجية فريدة نابعة من موقعه القريب من عين السلطان، والتي تشكل أساس وجود مدينة أريحا، وبداية الحياة البشرية خلال الفترة النطوفية قبل ظهور النباتات قبل حوالي 10500 عام. ويعد موقع تل السلطان، أقدم مدينة زراعية مسوّرة في العالم، ويمتد تاريخها لأكثر من 8 آلاف عام، وتمثل نموذجًا معماريًا فريدًا في العصور القديمة.
وتتمثل الأهمية العالمية الاستثنائية لأريحا القديمة (تل السلطان) كونها من أقدم المدن المحصنة في العالم تعود إلى العصر الحجري الحديث (8350 ـ 7000 ق.م)، ففي تلك الفترة كانت المدينة محصنة بسور دفاعي ضخم وبرج دائري (قطره 9 أمتار وارتفاعه حوالي 8 أمتار)، وخندق مقطوع في الصخر (بعمق 3 أمتار، وعرض 8 أمتار)، ويحتوي البرج على مدخل وبهو مسقوف، ودرج داخلي يتكون من 22 درجة يقود إلى قمة البرج (وهو أقدم درج مبني في العالم).
ويقع تل السلطان في الجزء السفلي من سهل وادي الأردن على بعد 10 كيلومترات شمال البحر الميت، و2 كيلومتر شمال مركز مدينة أريحا، ويقع 250 مترًا تحت مستوى سطح البحر، وبالتالي أريحا القديمة هي أخفض وأقدم مدينة في العالم تمثّل تاريخًا حضاريًا مميزًا على مدى عشرة آلاف عام.
ويحتوي تل السلطان على 29 طبقة لحضارات قديمة ومبانٍ معمارية مهمة، منها المبنى الدائري "البرج"، الذي يعتبر منجزًا معماريًا فريدًا، ويضم درَجًا داخليًا منحوتًا من الحجر، وممرًا بعرض 3 أمتار، وتم تشييد سور يحيط بالمدينة وخندق بعمق 3 أمتار، وتحتضن المدينة نظامًا اجتماعيًا واقتصاديًا مزدهرًا. وجرى إدراج الموقع على قائمة اليونسكو في 17 أيلول/ سبتمبر 2023.
تسجيل إسرائيلي لمواقع فلسطينية
وتجدر الإشارة إلى أن "إسرائيل" تمكنت من تسجيل عدد من المواقع الفلسطينية التراثية في الداخل المحتل ضمن قائمة "التراث القومي اليهودي" فيما رفضت اليونيسكو تسجيل مواقع أخرى.
ومن بين المواقع التي أضافتها "إسرائيل" إلى سجلها في العام 2001، البلدة القديمة في عكا، وجبل مسعدة، كما أضافت حدائق البهائيين في حيفا عام 2008، ومدن صحراء النقب عام 2005.
وفي 21 شباط/ فبراير 2010 أصدرت حكومة الاحتلال قرارًا يقضي بإدراج موقعيّ "قبة راحيل" والحرم الإبراهيمي في الخليل ضمن قائمة التراث القومي اليهودي؛ إلاّ أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في تشرين الأول 2010، أصدرت قرارًا أكدّت فيه أن الحرم القدسي الشريف والحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم هي أماكن إسلامية وجزء من التراث الإسلامي في فلسطين.