"كنت أتعلّم على العزف على الغيتار، وفي الساحة مقابلنا أطفال يلعبون مع مرشد متطوّع، ما هي إلّا لحظات حتى تحوّلت المدرسة لمقبرة مليئة بالأشلاء، التصقت بعضُ الأشلاء الصغيرة بملابسي، وصلت هناك لأجد زيد، صديقي المقرّب قد استشهد".
الترا فلسطين وصل لمكان المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في مدرسة للنازحين بالنصيرات، كانت تعجّ بالأطفال الذين يلعبون في الساحة، وتحوّلوا إلى أشلاء
هذا ما عايشه الطفل محمد عبيد (13 عامًا)، خلال المجزرة التي نفّذها طيران الاحتلال الحربيّ ظهر الثلاثاء (16 تموز/ يوليو)، في مدرسة الرازي التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في النصيرات وسط قطاع غزة، راح ضحيتها 23 شهيدًا و73 جريحًا.
الترا فلسطين وصل لمكان المجزرة أثناء محاولات البحث عن جثامين مفقودين، عبر قيام جرافة برفع ركام مبنى المقصف، الذي كانت تتخذه العائلات النّازحة مسكنًا، وبجواره خط طويل من الخيام التي احترقت، وارتقى داخلها شهداء، حرقًا.
عقب الانفجار، هرعت والدة الشهيد محمود سمير (15 عامًا)، للبحث عن نجلها الأكبر، وقفت عند كل شهيد ومصاب، حتى وصلت لجثة لا معالم لها، فعلمت من خلال ما تبقى من ملابسه، أنّ الجثّة تعود له، ففقدت وعيها.
وقالت أم محمود، في حديث لـ "الترا فلسطين"، إنها فقدت في هذه المجزرة أغلى ما تملك، وأصيب زوجها وباقي أطفالها. تقول إنّ العائلة نزحت من حي الشجاعية شرق غزة، بحثًا عن مكان أكثر أمنًا، غير أنّ ولدها استشهد في المكان المفترض أنّه "الأكثر أمنًا".
وأضافت: "كبر محمود على عيني، عامًا بعد عام، ويومًا بعد يوم، ولحظة بعد لحظة، وفي غمضة عين تحوّل إلى أشلاء، تحوّل أملي في الحياة لكومة لحم وعظام، يصعب التعرّف عليه إلا من ملابسه، لا أدري كيف لي أن أتحمل هذه المصيبة".
وتابعت أم الشهيد: " لقد كان سندًا لي ولأخواته، كان خلوقًا، يخدم أهالي الشهداء من النازحين، خرج مبتسمًا ليساعد في إقامة عريشة تقي المصلين حرارة الشمس ولم يعد. وما زالت لا أستوعب أنه لن يعود أبدًا".
أم رامي، إحدى السيّدات النازحات في المدرسة، عثرت على حفيدها شهيدًا، كما أصيب اثنين من أبنائها، وستة من أحفادها. تقول لـ الترا فلسطين إنّ القصف وقع وسط المدرسة وتسبب بمذبحة أكثر ضحاياها من الأطفال، كلُّ مكان كان فيه أشلاء ودماء، والصراخ كان يأتي من كلِّ مكان، الجميع هرع للبحث عن أحبابه.
وتضيف: "دخلت الشظايا لداخل الصفوف، وقتلت أطفالًا رضّع، رائحة الموت في كل مكان، ولا نرى أي مكان آمن، في أي لحظة نحن على مقربة من الموت".
ويركّز الاحتلال قصفه على مراكز النزوح، حيث تزامنت المجزرة في النصيرات مع مجزرة أخرى في منطقة مواصي خانيونس، المعلنة كمنطقة آمنة، وخلّفت المجزرتان أكثر من 40 شهيدًا.
وجاءت مجزرة مدرسة الرازي في النصيرات، بعد يومين من مجرزة ارتكبها الاحتلال في مدرسة أبو عريبان القريبة لمدرسة الرازي، والتي راح ضحيتها 22 شهيدًا، وأكثر من 100 مصاب جلّهم من الأطفال والنساء.
وأعلن المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، الرائد محمود بصل، أن الاحتلال ارتكب 3 مجازر في أقل من ساعة بحق النازحين في منطقة العطار، غربي خان يونس، ومدرسة الرازي بمخيم النصيرات، وتجمع للمواطنين بمحيط دوار الشيخ زايد، شمالي القطاع. وأشار إلى استشهاد أكثر من 44 فلسطينيًا بالإضافة إلى عشرات الجرحى، بينهم حالات خطيرة.
من جانبه قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يركز على استهداف وقصف النازحين المدنيين في مدارس الأونروا بمخيم النصيرات، وهذه المدارس التي يتجاوز عددها 10 مدارس أونروا في مخيم النصيرات تضم أكثر من 80 ألف نازح.