14-أغسطس-2024
نتنياهو وسموتريتش

يواجه نتنياهو وسموتريتش اتهامات بأنهما من الأسباب المؤدية للعجز المالي وخفض التصنيف الائتماني

من المحتمل أن يشهد العجز المالي الإسرائيلي في عام 2024 زيادة تفوق كل التوقعات، إذ كشف قسم المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، عن بيانات العجز لشهر تموز/يوليو، التي أظهرت ارتفاعًا ملحوظًا وصل إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما كان الهدف المحدد للعجز لهذا العام هو 6.6%. ومع استمرار الحرب على غزة، وتوسع ساحات النزاع، تواجه إسرائيل "خطر" تجاوز هذا الهدف، مما قد يكون له عواقب إشكالية وخطيرة على مستقبل الاقتصاد الاسرائيلي.

في ميزانية 2024 المحدثة، كان من المتوقع زيادة قدرها 40% في ميزانية الجيش الإسرائيلي مقارنة بالعام 2023، بعد إضافة 17 مليار شيكل للأمن. ولكن عمليًا، زادت ميزانية الجيش من كانون الثاني/يناير إلى تموز/يوليو 2024 بنسبة 121%، مقارنة بنفس الفترة في العام 2023

والعجز المالي هو الفجوة بين مداخيل الحكومة ونفقاتها، ويتم حسابه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عبر تقسيم العجز على الناتج المتوقع خلال 12 شهرًا.

أخطاء في تنبؤات وزارة المالية

أمّا تحليل التفاصيل الدقيقة وراء هذا الرقم، فيكشف حجم الخطأ في التنبؤات المسبقة وسيناريوهات وزارة المالية الإسرائيلية. ومن أبرز الأخطاء، التقديرات غير الدقيقة للنفقات العسكرية، ففي كانون الثاني/يناير 2024، تمت المصادقة على ميزانية 2024 وسط تصاعد الحرب، وكانت التكاليف الجارية معروفة. وافترضت وزارة المالية في ذلك الوقت أن الحرب على قطاع غزة ستدوم خمسة أشهر فقط، مع قتال محدود النطاق في الشمال، على أن تنتهي الحرب بالكامل في آذار/مارس 2024.

وبناءً على هذه التقديرات، فإن بند ميزانية الجيش الإسرائيلي والنفقات العسكرية في الميزانية المحدثة لعام 2024، التي صادق عليها الكنيست في شهر آذار/مارس، بلغ 137 مليار شيكل، منها 117 مليار شيكل من المصادر العادية للميزانية العامة، بزيادة قدرها 55 مليار شيكل مقارنة بالميزانية الأصلية. والمبلغ المتبقي كان من المقرر أن يأتي لاحقًا من مساعدات أميركية خاصة، وأن توقيت وصول هذه المساعدات الأميركية لا يزال غير قابل للتوقع، وقد يتأخر، مما يتطلب زيادة العجز لتغطية الفجوة. 

ومع ذلك، حتى دون احتساب الفجوة، فإن وزارة المالية الإسرائيلية، بالاعتماد على التوقعات السياسية، اعتمدت سيناريو مرجعيًا غير دقيق، مما أدى إلى زيادة كبيرة في النفقات العسكرية.

وفي ميزانية 2024 المحدثة، كان من المتوقع زيادة قدرها 40% في ميزانية الجيش الإسرائيلي مقارنة بالعام 2023، بعد إضافة 17 مليار شيكل للأمن. ولكن عمليًا، زادت ميزانية الجيش من كانون الثاني/يناير إلى تموز/يوليو 2024 بنسبة 121%، مقارنة بنفس الفترة في العام 2023، وهي زيادة تفوق التوقعات بثلاثة أضعاف.

ووفقًا لتقرير المحاسب العام، حتى نهاية تموز/يوليو، خصصت الحكومة الاسرائيلية لوزارة الجيش 99.8 مليار شيكل، بمتوسط نفقات شهري قدره 14.2 مليار شيكل. وفي شهر تموز/يوليو، الذي لم يشهد معارك مكثفة، بلغت النفقات 13.7 مليار شيكل.

وفي ظل غياب موعد محدد لإنهاء الحرب على غزة، تستعد الحكومة الإسرائيلية لاستمرار إخلاء سكان المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان حتى نهاية 2024. وهناك مخاوف من اتساع رقعة الحرب إلى جبهات أخرى. ويطالب بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بتوسيع العمليات العسكرية في الشمال لتبلغ حد الحرب واسعة النطاق.

وإذا استمرت وتيرة النفقات الحالية حتى نهاية العام، فمن المتوقع أن تصل نفقات الجيش الإسرائيلي إلى 170 مليار شيكل، أي بزيادة قدرها 75 مليار شيكل مقارنة بالتقديرات السابقة من وزارة المالية. وهذه الزيادة تعني أن الخطأ في تقدير نفقات الجيش قد يرفع العجز من 6.6% إلى 8.4%، قبل أي تصعيد محتمل في الشمال أو جبهة أخرى، مثل إيران.

وتواجه إسرائيل حاليًا مشكلة إضافية مستجدة لم تكن متوقعة، ولم تدخل في حسابات وزارة المالية، تكمن في أن الناتج المحلي الإجمالي قد نما بوتيرة أبطأ من المتوقع. فوفقًا لتوقعات شهر كانون الثاني/يناير، كان من المفترض أن يكون العجز 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، أي 130 مليار شيكل. لكن، التوقعات الحالية لوزارة المالية تشير إلى ناتج محلي إجمالي قدره 1.967 تريليون شيكل، مع توقع نمو حقيقي بنسبة 1.9%.

وقد تعثر الحكومة الإسرائيلية على مصادر تمويل من عدة مصادر إيرادات، وإذا استمرت الإيرادات الحالية من الضرائب حتى نهاية العام، وبلغت الإيرادات 450 مليار شيكل، أي 30 مليار شيكل فوق الهدف المُعدل، فإن هذا قد يساعد في تخفيف العجز المتوقع قليلًا، رغم أنه لا يزال أقل من التوقعات السابقة قبل الحرب التي كانت تبلغ 465 مليار شيكل.

تخفيض التصنيف الائتماني.. ضربة جديدة

وكانت وكالة "فيتش" خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل، هذا الأسبوع من A+ إلى A، مع نظرة مستقبلية سلبية، وذلك بعد 6 شهور من إعلان وكالة "موديز" تخفيض التصنيف الائتماني السيادي لإسرائيل من A1 إلى A2، ما يُنذر بتعميق الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية على المدى البعيد.

وفي شرح تداعيات قرار وكالتي "فيتش" و"موديز"، يُوضح ماتان خدوروف، محلل الشؤون الاقتصادية في القناة الـ13 الإسرائيلية، أن تخفيض التصنيف الائتماني يدفع المستثمرين الأجانب لتأجيل صفقاتهم، ويؤدي لتراجع الشيكل، والأهم من ذلك أن وزارة المالية ستضطر لدفع فوائد أعلى على الديون لتمويل الحرب.

وبين ماتان خدوروف، أن هذا الوضع يزيد من تعقيد الموازنة، خصوصًا مع عدم توصل نتنياهو وسموتريتش إلى اتفاق على الإطار العام للموازنة الأولية لعام 2025، مما يعزز الشكوك حول قدرة إسرائيل على استعادة ثقة وكالات التصنيف الائتماني.

تواجه إسرائيل حاليًا مشكلة إضافية مستجدة لم تكن متوقعة، ولم تدخل في حسابات وزارة المالية، تكمن في أن الناتج المحلي الإجمالي قد نما بوتيرة أبطأ من المتوقع

بينما يرى حاجاي غولان، المحلل الاقتصادي لقناة i24، أن الحرب عاملٌ رئيسيٌ في خفض التصنيف الائتماني، لكنها ليست العامل الوحيد، فهناك أيضًا المخاطر الجيوسياسية واحتمالات توسع النزاع، مشيرًا إلى أن وكالة "فيتش" لفتت الانتباه إلى الانقسام السياسي الداخلي في إسرائيل.

ويؤكد غولان، أن الانقسام السياسي الداخلي في إسرائيل وما ينجم عنه من حالة استقطاب مرتبطة بمصالح حزبية، تثير المخاوف من الفشل في اتخاذ الإجراءات الضرورية لتقليص عجز الموازنة، مبينًا أن المشكلة الأكبر تكمن في تقاعس نتنياهو وسموتريتش عن اتخاذ أي خطوات لمعالجة الأزمة.