17-أغسطس-2024
غزة تحولت إلى أنقاض.. خطة أممية وأخرى للسلطة الفلسطينية لإعادة إعمار القطاع

(Getty) أكثر من 70% من مساكن غزة، دمرت أو تضررت، إلى جانب المستشفيات والشركات

تناول تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" الدمار الذي نتج عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مشيرةً إلى وجود حوالي 42 مليون طن من الأنقاض في أنحاء القطاع. كاشفةً عن وجود خطة أممية وأخرى لدى السلطة الفلسطينية، بهدف إعادة إعمار قطاع غزة.

وأفادت التقارير أن أكثر من 70% من مساكن غزة، دمرت أو تضررت، إلى جانب المستشفيات والشركات. وتقول وكالات الإغاثة إن أغلب سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة نزحوا، وتكدسوا في شريحة صغيرة من الأرض على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، معزولين إلى حد كبير عن المياه العذبة والغذاء، فضلًا عن الأدوية والصرف الصحي الأساسي.

دانييل إيجل، كبير الاقتصاديين في مؤسسة راند البحثية: "يمكنك إعادة بناء مبنى، ولكن كيف يمكنك إعادة بناء حياة مليون طفل؟"

ووفق التقرير: "حتى الآن، خلفت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 42 مليون طن من الأنقاض في مختلف أنحاء القطاع، وفقًا للأمم المتحدة. وهذا يكفي من الأنقاض لملء خط من الشاحنات يمتد من نيويورك إلى سنغافورة. وقد يستغرق إزالة كل هذا سنوات وقد يكلف ما يصل إلى 700 مليون دولار. وسوف تتعقد المهمة بسبب القنابل غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطيرة والجثامين تحت الأنقاض. والواقع أن غالبية الأنقاض عبارة عن مساكن مدمرة، وتوزيعها في مختلف أنحاء القطاع يحاكي تقريبًا الكثافة السكانية في غزة قبل الحرب".

وأضاف التقرير: "سوف يتعين إزالة ما لا يقل عن 8.5 مليون طن من الأنقاض من خانيونس، وكانت المحافظة تنتج ذات يوم معظم الحمضيات في غزة. والآن تحولت بساتينها وحقولها إلى خراب، فقد دُمر ما لا يقل عن نصف الأراضي الزراعية في القطاع، مما أدى إلى انهيار القطاع الزراعي الذي سيستغرق إصلاحه سنوات، وفقًا لمؤسسة جذور الخيرية المحلية التي تتعاون مع أوكسفام".

وأشار التقرير إلى أن "الوضع صعب بشكل خاص في الشمال. فقد تعرضت مدينة غزة، التي كانت في السابق أكبر مركز حضري في الأراضي الفلسطينية، والمناطق المحيطة بها لأضرار جسيمة، حيث تشكل أكثر من نصف الركام في القطاع".

وقال تقرير "بلومبرغ": إن "إعادة بناء غزة، وحياة سكانها، سوف تتطلب إصلاحًا شاملًا للبنية الأساسية المادية بالكامل، فضلًا عن التوصل إلى شكل ما من أشكال الحل السياسي بشأن الشكل الذي سوف تبدو عليه غزة الجديدة. ولكن قبل أن يتسنى تحقيق أي من هذه الأهداف، فإن جمع كل الأنقاض والتخلص منها، بعد انتهاء الحرب، سوف يشكل أهمية بالغة".

واستمر التقرير في القول: إن "حقوق الملكية والصعوبات في العثور على مواقع للتخلص من الحطام الملوث من شأنها أن تزيد من تعقيد العملية. إن إعادة بناء غزة قد تكلف أكثر من 80 مليار دولار، إذا أخذنا في الاعتبار النفقات الخفية مثل التأثير الطويل الأجل لسوق العمل المدمر بسبب الموت والإصابة والصدمات".

ووفقًا لدانييل إيجل، كبير الاقتصاديين في مؤسسة راند البحثية: "يمكنك إعادة بناء مبنى، ولكن كيف يمكنك إعادة بناء حياة مليون طفل؟".

ويقول مارك غارزومبيك، أستاذ تاريخ العمارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي درس إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية: "إن ما نراه في غزة هو شيء لم نشهده من قبل في تاريخ التخطيط الحضري. إنه ليس مجرد تدمير للبنية التحتية المادية، بل إنه تدمير للمؤسسات الأساسية للحكم والشعور بالحياة الطبيعية".

وأضاف غارزومبيك أن "تكلفة إعادة الإعمار ستكون باهظة للغاية. ويجب أن تكون مواقع البناء بهذا الحجم خالية من الناس، مما يؤدي إلى موجة أخرى من النزوح. وبغض النظر عما يفعله المرء، فإن غزة ستظل تكافح هذا الأمر لأجيال".

وكان اجتماع الدول المانحة والمؤسسات الخيرية العالمية الذي عقد في مدينة رام الله بالضفة الغربية في الثاني عشر من آب/أغسطس بمثابة البداية لتلك الجهود الرامية إلى تأمين المساعدات المالية.

وتابع المقال: "ناقش الاجتماع الذي نظمته برامج الأمم المتحدة للتنمية والبيئة والسلطة الفلسطينية ما ينبغي أن يحدث بعد ذلك. وفي ضوء الأموال والقوى العاملة والمعدات اللازمة، فإن وضع خطة الآن لإزالة الأنقاض أمر بالغ الأهمية حتى يتسنى بدء العمل بمجرد انتهاء القتال"، كما صرح عاهد بسيسو، وزير الأشغال العامة والإسكان في السلطة الفلسطينية، للصحفيين بعد الاجتماع.

وكشف التقرير: "في رام الله، عكف مسؤولون من السلطة الفلسطينية على رسم خريطة إعادة إعمار غزة لعدة أشهر. وقد قدموا رؤيتهم للمجتمع الدولي في بروكسل في أيار/مايو، وما زالوا يحاولون حشد الدعم منذ ذلك الحين".

وقال عاهد بسيسو في مقابلة: "نأمل في الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة. ونحن في حاجة إلى التحرك بحرية والسيطرة على حدودنا حتى تدخل المواد إلى غزة، ونأمل ألا تمنع إسرائيل دخولها".

وعندما سُئل عن إزالة الأنقاض، قال المتحدث باسم منسق حكومة الاحتلال الإسرائيلي، إن التركيز منصب الآن على تسهيل المساعدات. وقال مسؤولون إسرائيليون إنه من السابق لأوانه التعليق على إعادة الإعمار.

وبموجب خطة السلطة الفلسطينية، سيتم تفكيك كل الذخائر غير المنفجرة بمجرد حصولها على الضوء الأخضر لبدء إعادة الإعمار. وسيتم بعد ذلك تطهير الطرق للسماح بالوصول إلى مواقع الإقامة المؤقتة التي لم يتم بناؤها بعد. 

وقال بسيسو إن كل مجموعة ستشمل المدارس والملاعب والمكاتب الحكومية، وسيتم إنشاؤها بمجرد توفر الأموال بالقرب من المراكز الحضرية المدمرة "حتى يتمكن المواطنون من المساعدة في عملية إعادة البناء"، وفي الوقت نفسه، ستبدأ إزالة الأنقاض.

وأشار التقرير إلى أنه "بعد الحروب السابقة، كان الناس يميلون إلى البقاء مع عائلاتهم أو استئجار عقارات أثناء إعادة بناء منازلهم. لكن حجم الدمار يعني أن ذلك لم يعد ممكنًا. وتشعر وكالات الإغاثة بالقلق إزاء قيام أشخاص وعائلتها بإزالة الأنقاض بأنفسهم والعيش في منازل مؤقتة غير آمنة".

وأكدت شيتوسي نوغوتشي، المسؤولة البارزة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المكلفة بدعم الشعب الفلسطيني، مدى تعقيد عملية إزالة الأنقاض في اجتماع الثاني عشر من آب/أغسطس. ومؤكدةً أن البرنامج يتمتع بخبرة واسعة في غزة، ولكن بالنظر إلى عدد الجثث المدفونة بين الأنقاض ــ نحو عشرة آلاف وفقًا للأمم المتحدة ــ فضلًا عن الذخائر غير المنفجرة "فإن هذه المرة مختلفة تمامًا"، وتتطلب طرقًا جديدة للقيام بالأشياء.

وتقول الأمم المتحدة إن هناك حاجة إلى آلاف الأشخاص لجمع الأنقاض والتخلص منها، وإنه لا يوجد عدد كاف من العمالة للتعامل مع العمل في غزة وأوكرانيا في نفس الوقت. لذا فقد بدأت في تدريب الناس في الأردن.

وأوضح التقرير: "سوف يتواجد إمام لضمان احترام كرامة الموتى، وسوف يوجه القانون الإسلامي تصرفات المتخصصين. وسوف يتولى خبراء قانونيون التعامل مع حقوق الملكية، التي أصبحت أكثر تعقيدًا بسبب الدمار الكامل لبعض الأحياء ووفاة أصحاب الأراضي. وسوف تساعد فرق ماهرة في تحديد الأجسام الخطرة والتعامل مع أي مخاطر صحية فورية وطويلة الأمد ناجمة عن النفايات السامة".

وتابع: "تشكل الأنقاض بيئة مثالية لذباب الرمل، الذي يمكن أن ينشر داء الليشمانيات، وهو مرض جلدي طفيلي مميت إذا ترك دون علاج. كما تعشش العقارب الصفراء والأفاعي في الشقوق الصخرية. ثم هناك مادة الأسبستوس. ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن ما يقدر بنحو 2.3 مليون طن من الحطام في غزة تحتوي على هذه المادة، والتي تُستخدم على نطاق واسع كعامل عازل. ويُحظر استخدامها في عشرات البلدان، ويمكن أن تطلق جزيئات محمولة جوًا يمكن أن تسبب أنواعًا متعددة من السرطان مثل الورم المتوسط. وتشكل المواد الخطرة من المستشفيات المتضررة مصدر قلق آخر".

وقد اقترحت الأمم المتحدة وجهات أخرى تسلسلاً محتملاً للأحداث، لكن الترتيب سوف يتحدد وفقاً للوضع على الأرض. تتكون من عملية التحضير، وتشمل "جمع الأموال من المجتمع الدولي"، و"تحديد المجالات ذات الأولوية بناءً على الاحتياجات الإنسانية"، و"تحديد حقوق الملكية"، و"تحديد وإعداد مواقع التخلص من الركام وإعادة التدوير". والمرحلة الثانية، هي التنظيف الأولي، تتكون من إزالة القنابل، واستعادة أي مواد قابل لإعادة التدوير، ورفع رفات الجثامين، واسترداد الممتلكات السليمة. وثالثًا، استكمال عملية إزالة الركام، وتشمل على هدم المنازل غير الآمنة، وإزالة الركام. ورابعًا، الإتمام النهائي لعملية إزالة الركام، إزالة الركام غير القابل للتدوير، وإعادة بناء الطرق، والتخلص من المواد الخطرة.

وقد اقترحت الأمم المتحدة موقعين في غزة لنقل مثل هذه الحطام. واحد في الشمال وواحد في الجنوب على طول السياج مع إسرائيل. وقال باسل نصر الكفارنة ، وزير الدولة لشؤون الإغاثة الطارئة في السلطة الفلسطينية، إن هناك حاجة إلى 20 ميلًا مربعًا لهذه المواقع وأن المناطق القريبة من البحر قيد الدراسة أيضًا. 

ووفقًا لبسيسو، فإن الملوثات التي تتسرب إلى المياه الجوفية تشكل مصدر قلق، وسيتطلب ردم مناطق معينة دراسات بيئية إلى جانب موافقة من الدول المجاورة. وسيتم تحديد الموقع الدقيق بمجرد أن تقرر إسرائيل ما إذا كانت ستوسع منطقة عازلة أمنية إلى كيلومتر واحد داخل غزة.

وأوضح التقرير: "إن الحطام غير الملوث يمكن استخدامه في إعادة البناء، على سبيل المثال بعد سحقه وتحويله إلى خرسانة. وتقدر الأمم المتحدة أن إعادة معالجة نصف هذا الحطام فقط ستكون كافية لإعادة بناء شبكة الطرق بأكملها في غزة. واقترح المسؤولون استخدامه في هياكل الدفاع البحري مثل حواجز الأمواج للحماية من تآكل السواحل والفيضانات. وتشمل الاستخدامات المحتملة الأخرى كتل الرصف للأرصفة وقنوات الصرف وقنوات المياه. وإذا أعادت المنطقة تدوير نصف هذا الحطام فقط، فقد تتمكن من استرداد حوالي ثلث تكاليف التنظيف وتوفير حوالي 143 مليون دولار من إجمالي الفاتورة".

وقال بسيسو "إننا عازمون على إعادة بناء غزة بطريقة صحية وشفافة"، معربًا عن أمله في أن يتم توحيد القطاع سياسيًا مع الضفة الغربية. وشدد على أنه سيتم الحفاظ على ما تبقى من التراث الثقافي الذي يعود تاريخه إلى 2000 عام - بما في ذلك مواقع مثل المسجد العمري الكبير في مدينة غزة الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع وقصر الباشا الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر.